ترجماترياضة

في إفريقيا.. لاعبات كرة القدم النسائية “متهمات” بالمثلية الجنسية

لاعبات كرة القدم في زنجبار يُتهمن بالمثلية الجنسية

المصدر: New York Times – Shannon Sims

ترجمة: ماري مراد

خلال جلوسها في منزل والدتها المتواضع في قرية “دول” بزنجبار، أرخبيل شبه مستقل يقع قبالة ساحل تنزانيا، قالت ريزيكي عبد الله: “لقد حاول الناس منعي من اللعب، هم يقولون لا تلعبي كرة القدم، فهي للرجال فقط”.

في زنجبار، كثيرًا ما ترى الأطفال يلعبون كرة القدم، والناس يشاهدون مباريات كأس العالم على أجهزة التلفاز في مطاعم ركنية، مثل أي مكان آخر. لكن ما لا تراه هو لعب النساء. فهنا كرة القدم، رغم شعبيتها، تقتصر على الفتيان والرجال. ونظرًا للضغط العام وغياب الرعاية والخوف من العار الذي يمكن أن يلحق بالعائلة، لا يتم تشجيع النساء على لعب كرة القدم.

وأضافت عبد الله، البالغة 23 عامًا، وهي تلقي نظرة سريعة على والدتها عبر الغرفة: “لم أتعرض للاعتداء الجسدي أبدًا. لكنهم يقولون لي ولعائلتي إنهم ليسوا سعداء، وأنني لا يجب أن ألعب كرة القدم”.

تُعرف عبد الله في زنجبار باسم مستعار يدعى “تشادول” مقتبس من “دول”، القرية الريفية التي نشأت فيها وتضم ألف شخص. و”تشادول” جزء من رابطة مكون من 6 فرق تشكل دوري كرة القدم النسائي في زنجبار. وعلى الرغم من الضغوط المجتمعية المستمدة من المعتقدات المحافظة حول دور المرأة، فإن الرياضيات في دوري النساء في زنجبار لا يزلن مستعدات، ويجتمعن سويًا بدون موارد أو دعم بسبب حبهن المطلق للعبة.

مقاومة النساء للانتقادات جمعتهن سويًا. وفي أرض الملعب يضحكن ويعانقن بعضهن، والكثير منهن نجح في تكوين صداقات حميمة، ويأملن حصول كرة القدم النسائية في يوم من الأيام على اعتراف حكومي ودعم مماثل لما تحظى به كرة القدم الذكورية. لكن الأهم من كل هذا، أنهن ببساطة يريدن التمتع بالقدرة على اللعب.

وقالت عبد الله: “أنا ملتزمة باللعب. أنا لست خائفة من أي شيء”.

إصرار عبد الله على لعب كرة القدم يفصلها عن مجتمعها في دول، كما تفصلها مهارتها عن أي شخص آخر في الجزيرة. إنها نجمة في فريق النساء الزنجباري الوطني.

استضافت جومبي، قرية ريفية بحجم نفس حجم دول، مباراة حديثة بين فريق عبد الله “The Jumbi Woman Fighter” أو”مقاتلات جومبي” و”the Green Queens”. كانت أول مباراة في موسم 2018 في الدوري. وقبل البدء؛ قامت بعض اللاعبات بتمشيط الملعب المشبوه، والتقاط صخور بحجم الكرة اللينة وقذفها إلى ما وراء الخط الجانبي. الحشد بدا 

الجمهور بدأ متناثرًا، مع وجود بعض أفراد العائلة والأصدقاء إلى جانب الملعب ولكن سرعان ما زاد العدد بانضمام أكثر من عشرة أشخاص آخرين. لكن مجموعة من الشباب، استندوا على كومة من الطوب خلف المرمى، ليسخروا من اللاعبات وصاحوا باللغة السواحيلية: “امسكي بها. لا تدعيها تتجاوزك!”

تلعب 7 من النساء في الملعب بفريق زنجبار الوطني. لقد انتهى للتو شهر رمضان وما تبعه من احتفالات عيد الفطر المبارك، لذا علامات الاحتفال ظاهرة على العديد من النساء؛ بما في ذلك الأظافر البرتقالية، والمعصمين المغلفين بتصاميم الحناء الدقيقة، والشعر المضفر حديثًا الذي يتناقض مع ألوان التيشرتات المشرقة والحذاء الرياضي الفاقع.

لا تلعب النساء كرة القدم في رمضان. فالصيام (بما في ذلك الامتناع عن شرب الماء) يجعل اللعب في الحرارة الحارقة بزنجبار شبه مستحيلة. حتى بعد كسر الصيام في المساء لا يتاح لهن الفرصة للعب، نظرًا لأن التقاليد تقضي بأن الرجال فقط هم الذين يلعبون في المساء خلال شهر رمضان.

بدأت عبد الله لعب كرة القدم عندما كانت في الحادية عشرة من عمرها، بعد أن ظهر مدربها في غرفة صفها بالمدرسة وسأل عما إذا كانت أي فتاة تريد الذهاب إلى بر تنزانيا الرئيسي- حيث تحظى كرة القدم النسائية بانتشار أكبر- للعب في مباراة.

عبد الله قالت: “لقد قالوا أنهم بحاجة إلى الفتيات، وكانت هذه هي فرصتي. عندما عدت همّشت كل شيء آخر”، مشيرة إلى أنها بدأت في استعارة الحذاء الرياضي من شقيقها، وهي عادة لا تزال مستمرة حتى اليوم، وبالفعل بدأت التدريب في الصباح الباكر على الرمال على طول ساحل زنجبار المجاور.

كان توقيتها محظوظًا. ففي نفس الوقت تقريبًا، كانت هناك حركة أوشكت على بدء أول فريق كرة قدم نسائي في زنجبار. وفي عام 2007، شارك فيلم وثائقي عن الصعوبة التي واجهتها نساء زنجبار في بدء هذا الفريق، في المهرجانات السينمائية الدولية. وهذا شجع نصرة جمعة محمد، لاعبة زنجبارية سابقة في المنتخب الوطني التنزاني (وإحدى المعلقات بكأس العالم في زنجبار هذا العام)، على الالتزام ببدء الدوري. وقد أسمت الفريق الأول “النساء المقاتلات” Women Fighters “ (الذي ألهم باسم فريق مقاتلات جومبي).

وعن سبب اختيار هذا الاسم تحديدًا، قالت محمد: “لأننا دائمًا ما نقاتل لنتتمكن من مشاركة الملاعب مع الرجال”.

وتتذكر رقية طالب يحيى، 19 عامًا، أن والدتها قالت لها إنه ليس بإمكانها اللعب، حتى جاء أخيرًا مدرب يعمل مع محمد إلى البيت وأقنع الأم للسماح لها بالمحاولة.

وقالت رقية في منزل عائلتها في حي كيمبي سماكي خارج عاصمة زنجبار “ما زال هناك تصور بأن كرة القدم للنساء ممارسة سيئة، وهذا سلوك سيئ. لست متأكدًا من أن أمي سعيدة بنسبة 100%”.

 ورغم أن ليس جميع العائلات المسلمة تعارض النساء اللواتي يلعبن كرة القدم، اتسمت تجربة لاعبات كرة القدم الإناث في زنجبار بالانتقاد المستمر. في زنجبار، 99 ٪ من السكان مسلمين، في حين أن سكان بر تنزانيا الرئيسي هم في الغالب من المسيحيين. وعادة ما تحتفظ النساء هنا بأغطية الرأس عندما يلعبن كرة القدم في الشوارع أو في الممارسة العملية، ولكن خلال مباريات الدوري، تزال أغطية الرأس قبل إطلاق صافرة بدء المباراة.

ومن جانبه، قال حسن توكل، مفوض مجلس الرياضة في زنجبار، من مكتبه في وسط مدينة ستون تاون: “كرة القدم هي رياضة رجال”. ويشرف توكل على دوري الرجال والنساء في زنجبار، لكنه قال إن “التقليد” يعوق قدرة مكتبه على الترويج الفعال لكرة القدم النسائية. وأضاف: “من الصعب أن يكون هناك كرة قدم للنساء لأن بعض الفرق ليست قدوة حسنة للنساء. هناك مدربين قالوا إن معظم اللاعبات الإناث ليس لديهن انضباط جيد”.

في زنجبار، هناك أيضا تلميح قوي بأن النساء اللاتي يلعبن كرة القدم مثليات جنسيًا، وهذا ما يؤمن به توكل أيضًا. لكن تكلفة هذا التلميح خطيرة في زنجبار.

السلوك الجنسي المثلي الطوعي غير قانوني في 38 دولة من أصل 54 دولة أفريقية، بما في ذلك تنزانيا القارية، حيث اتخذت إجراءات صارمة ضد المثلية الجنسية. ويمكن أن يؤدي السلوك الجنسي بين الرجال إلى حكم بالسجن لمدة 30 عامًا في بر تنزانيا الرئيسي، والسجن لمدة 14 عامًا في زنجبار.

ورغم أن تنزانيا ليس لديها قانون محدد يحظر لواط الإناث، فإن زنجبار تفعل ذلك. وتنص المادة 153 من قانون العقوبات الزنجباري على أن “أي امرأة ترتكب السحاق مع امرأة أخرى، سواء كانت تقوم بدور نشط أو سلبي، تكون مذنبة بارتكاب جريمة، وتكون عرضة للإدانة بالسجن لمدة لا تتجاوز 5 سنوات، أو بغرامة لا تتجاوز 500 ألف شلن “.

إذا تم تفسير دوري كرة القدم النسائي في زنجباري من قبل الحكومة على أنه يدعم المثلية الجنسية، يمكن إخماد كرة القدم النسائية في زنجبار إلى الأبد.

لهذا السبب، اتخذ بعض مدربي الفرق النسائية نهجًا متشددًا في هذا الشأن. وتذكّر حسن موني، مساعد مدرب “جومبي”، كيف انضمت في الموسم الماضي امرأة إلى فريق “جومبي”، كانوا يعتقدون أنها مثلية، لذا أزاحوها من الفريق. وعندما سُئل كيف عرف أنها كانت مثلية ، قال: “نحن علمنا فقط”.

وفي السياق نفسه، ذكرت وردة خالد عبد الله، 27 عاما، من فريق جومبي “لا يمكننا إنكار وجود مثليات في الفريق. لكن لعب كرة القدم لا تجعلك مثلي. فكر في الأمر: هناك مثليات لا يلعبن كرة القدم”.

وتقر محمد بأنها تعتقد أن كرة القدم النسائية في زنجبار “بعيدة كل البعد عن الحصول على دعم الحكومة”. حتى الفريق الوطني النسائي، الذي يضم مجموعة من أقوى اللاعبات من فرق الدوري، يناضل من أجل اللعب. وفي العام الماضي، حظى الفريق الوطني الذكوري بضجة من الرئيس وشيكات ضخمة وقطعة أرض لتتويجه بالمركز الثاني في البطولة الإقليمية، وقد تأجلت البطولة هذا العام قبل أربعة أيام من انطلاق المباراة بسبب صعوبات مالية.

لكن ربما تتضح وصمة العار التي لا تزال مرتبطة بكرة القدم النسائية في زينجار، بمعرفة أن الفتيات غير قادرات على ممارسة هذه الرياضة كجزء من تعليمهن البدني في المدارس.

وتمارس كرة القدم في جميع المدارس في زنجبار، لكنها محرمة على الفتيات فقط. وبدلاً من ذلك، يتم توجيه الفتيات نحو كرة الشبكة، نوع من لعبة كرة السلة الخفيفة دون أي مراوغة. والعديد من النساء اللواتي يلعبن في فرق كرة القدم اليوم تعلمن اللعب في الشوارع بعد المدرسة مع الأولاد المجاورين؛ وبالنسبة للكثير منهن، فإن الدوري فرصتهم الأولى للعب مع نساء أخريات.

وقال خالد خميس سليمان، 34 سنة، مدرب جومبي: “سأكون أسعد رجل إذا قدمت الحكومة كرة القدم في مدارس للبنات”، موضحًا أنه إذا كانت تشادول قد نشأت وهي تلعب كرة القدم في المدرسة، فكانت بالتأكيد ستحظى بلقب واحدة من أفضل لاعبات كرة القدم الإناث في أي مكان.

وعندما سئل عن وجود كرة القدم للفتيات في المدارس، بدا علي عبيد كرومي، ابن رئيس زنجبار السابق ووزير الإعلام والثقافة والسياحة والرياضة الجديد ، متفاجئًا من الفكرة، إذ قال “النساء في زنجبار يحببن أن يكونوا أنثويات أكثر. إذا أخبرتهم بالمشاركة في الرياضة سيقولون لا، لا أريد أن أكون مثل الرجل”.

وحول فكرة السماح للفتيات بلعب كرة القدم في المدارس، قال كرومي: “أعتقد أنني سأكون مهتمًا بالترويج لذلك. فكرة جيدة. أعتقد أنه شيء يجب أن ننظر فيه”.

فريدة حميسي كوبنيبو، 14 سنة، تأمل ذلك بالتأكيد. فهي واحدة من أصغر زميلات عبد الله، ويرى المدربون أنها ستكون نجمة الجيل القادم لكرة القدم النسائية. ونظرًا لأن والديها يعملان لدى الحكومة، نشأت فريدة في ظروف مختلفة تمامًا عن عبد الله. ولكن على الرغم من مزاياها الاجتماعية والاقتصادية، لكنها تفيد أيضًا بأنها واجهت صعوبة في تحقيق حلمها في لعب كرة القدم. وخلال جلوسها في غرفة المعيشة مع والديها، تعترف بأن بعض أصدقاء والدتها لا يعتقدون أنها يجب أن تلعب. قالت: “إنهم ليسوا سعداء”.

إجمالا، فريدة هي الفتاة الوحيدة التي تلعب على أرض الملعب خارج موطنها. وقال والدها إنه أيدها في لعب كرة القدم لأنها تركت المدرسة وليس لديها وظيفة. وذكرت فريدة إنها تحلم بأن تصبح نجمة كرة القدم، وهذا هو تركيزها الحقيقي، ولهذا تركت المدرسة. وأضافت: “إذا سنحت لي الفرصة للعب كرة القدم في المدرسة، فسأعود بالتأكيد إلى المدرسة”.

في نهاية المباراة، كانت النتيجة 2-0 لصالح جومبي ، وسجلت عبد الله أحد الأهداف. وحُملت لاعبة واحدة خارج الملعب في ألم مرئي. ومع الافتقار إلى المال أو الرعاة، لا تلعب النساء بأي نوع من أنواع الحماية، كما أن الإصابات متكررة بسبب الملاعب غير المستوية. 

وبعد المباراة، هنأت جميع اللاعبات بعضهمن، ثم توجهن إلى حقائبهن، ليخرجن بعدها حجاب الرأس لوضعه حول شعرهن المتعرق.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى