سياسة

فورين بوليسي: حين أفتى بن لادن بالاستمناء.. الكبت الجنسي والعنف الجهادي

فورين بوليسي: حين أفتى بن لادن بالاستمناء.. الكبت الجنسي ونشأة العنف الجهادي

Osama bin Laden’s Secret Masturbation Fatwa فورين بوليسي- سيمون كوت

ترجمة: فاطمة لطفي

في يناير، أصدرت حكومة الولايات المتحدة الأمريكية 49 وثيقة جديدة استولت عليها عام 2011 من مبنى أسامة بن لادن في أبو آباد في باكستان. من بين هذه الوثائق رسالة موجهة إلى قيادي بارز في شمال إفريقيا، يثير فيها زعيم القاعدة، المتوفى الآن، أمرًا “خاصًا جدًا وسريًا للغاية”، كتب فيها: 

“يتعلق الأمر بمشكلة الإخوة الموجودين معك، والذين هم في “عزوبية” بائسة، ويحتاجون إلى توفير زوجات في ظل الظروف المفروضة عليهم، ندعو الله أن يريحهم. لذا كتبت إلى الشيخ، الدكتور أيمن (الظواهري) واستشرته مع الشيخ “أبو يحيي” (الليبي).

أكمل بن لادن: “كتب لنا د.أيمن رأيه، وحسبما نرى، ليس لدينا أي اعتراض للإيضاح للإخوة أنه يمكنهم، في ظل ظروف كهذه، ممارسة الاستمناء “العادة السريّة”، وذلك في حالة الاحتياج الشديد. وقد أجاز السلف الفعل، ونصحوا الرجال الشباب بممارسة الاستمناء في وقت الفتوحات والمعارك. كما أنه منصوص عليه من الفقهاء عند الضرورة، ولا يوجد شك أن الإخوة في حالة احتياج بالغة و”ضرورة قصوى”.

من المعروف أن بن لادن كان زعيمًا من الصعب إرضائه، مُستبدًا، وراغبًا في التحكم في كل شيء. لكن القليل قد يشك أن الأمر قد يصل معه إلى هذا الحد. ورغم أنه ورد على نطاق واسع، أنه كان بحوزته فيديوهات إباحية مخبأة في مجمع مبانيه في أبو آباد، فإنه لا شك أمر مفاجئ، أن يكون بن لادن، الجهادي الأول والرئيسي في جيله، قد فكّر طويلًا (دون أي تورية) في مسألة “الاستمناء”، هو والزعيم الحالي لتنظيم القاعدة، أيمن الظواهري.

ومع ذلك، يثير بيان بن لادن المزيد من الأسئلة أكثر مما يوضح شيئًا، إذا كانت العادة السرية مسموحًا بها في أوقات “الضرورة القصوى”، كيف يمكن أن يحدد المرء الحاجة الملّحة للضرورة القصوى، هل تكون أسبوعية، شهرية، أو مجرد يوم من أيام العزوبية؟ مع الأسف رسالة بن لادن لا تكشف شيئا يجيب عن هذه الأسئلة.

جميع ذلك جيد، ومتعة غير ضارة. لكن “العذاب الجنسي” للجهاديين ليس أمرا مضحكًا، وربما يساعد في شرح نشأة العنف الصادر عنهم.

في أعقاب هجمات 11 سبتمبر، سخر عالم البيولوجيا التطورية والملحد المعروف عالميا، ريتشارد دوكينز من النظرية التي تشير إلى أن حافز الخاطفين التسعة عشر، هو أفكار تتعلق بالظلم، مصرٌ على أن ما أرادوه حقيقةً هو “أن يمارسوا الجنس”، في إشارة إلى مكافئة الشهداء بـ72 عروسا عذراء، وزاعمًا بأنهم “غير جذابين ليحظوا بامرأة في هذا العالم، ويائسين بدرجة كافية للسعي وراء 72 عذراء في الحياة الأخرى”.

وحسب رواية أكثر دقة من هذه الجدلية القائلة بأن الكبت الجنسي يقف وراء الجهاد، فإن العنف الجهادي الانتحاري متجذر في أجواء القمع الجنسي المستشري في العالم الإسلامي وفي المجتمعات المسلمة في الغرب. في كليهما، تظل الممارسات الجنسية خارج إطار الزواج محظورة، خاصة على النساء. وحسب هذه الجدلية، تخلق وصمة العار والخزي والعوائق المرتبطة بممارسة الجنس قبل الزواج حالة إحباط، يمكن أن “تنفجر” في صورة أعمال عنف قاتلة لدى بعض الرجال. وكما أوضحها كريستوفر هيتشز، باختصار مفيد، في كتابه “الإله ليس عظيمًا”، أن مشكلة “الجهاديين” ليست أنهم يرغبون في عذراوات، أكثر من أنهم هم أنفسهم “عذارى”.

يدعم ويؤيد هذه الجدلية، قدر كبير من الحكايات التاريخية عن جهاديين وأيدلوجياتهم. على سبيل المثال، كان المفكّر المصري سيد قطب، الذي ينسب إليه الفضل في التأثير الأيدلوجي التكويني على بن لادن، يتقزز من الجنس بصورة ملحوظة. في أحد المقالات التي كتبها عن خبراته أثناء دراسته في الخارج في الولايات المتحدة الأمريكية بين عام 1948 و1951، سجل قطب نفوره واشمئزازه من نموذج” المرأة الأمريكية الفاتنة” بعينيها “المعبرة وشفتيها الظمئة، وأردافها الممتلئة وساقيها الناعمتين”.

وفي المقال نفسه، أعرب قطب عن صدمته من رقصة في كنيسة، حيث كانت “الأجواء مليئة بالرغبة” بالنسبة له. وقال الروائي مارتن أميس، إن رغبات قطب الجنسية، التي لم يكن قادرًا على إشباعها جعلته “خائفًا جدًا”، كما كشفت مساوءه وأساءت له، و”حوّلت أفكاره إلى أعمال قتل”.

كما يبدو واضحًا أن محمد عطا، الملقب بزعيم هجمات 11 سبتمبر، كان مقموعًا جنسيًا، حيث تطوّع عن طيب خاطر في مهمة قد تنهي حياته وحياة عدد لا يحصى من الأشخاص الآخرين، لكنه من ناحية أخرى كان مذعورًا من النساء، رافضًا أن يكون له علاقة بأي امرأة أو حتى مصافحتها. أمر عطا في وصيته أن يجهز بدنه للدفن “مسلمون صالحون”، وأن لا تتواجد أي امرأة على مقربة منه. بالنسبة لعطا، كانت النساء خطيرات و”فاحشات”، ومصدرًا للذنب والتدنيس الروحي.

ومع ذلك، واحدة من أبرز المشاكل المتعلقة بالربط بين الكبت الجنسي والجهاد هي حقيقة أنه ليس جميع الجهاديين محبطين جنسيًا. والأكثر من ذلك، من بين جميع المسلمين الذين لا يمكن عدهم، والمحبطين جنسيًا أيضًا، أصبح القليل فقط جهاديين. بالإضافة إلى وجود احتمالية تشكك في أن عطا كان “مُعذبًا” جنسيًا. ولكن أمام كل “عطا” يوجد “عبدالعزيز العمري”، أحد الخاطفين في 11 من سبتمبر، الذي كان متزوجًا ولديه ابنة. محتمل بالتأكيد أن العمري كان ضجرّا جنسيًا من زوجته، لكن على عكس “عطا”، لم يكن العمري رجلًا “بتولًا”، ولا يوجد دليل على أنه كان مكبوتًا جنسيًا.

المشكلة الأخرى في هذا الربط “بين الكبت الجنسي والعنف الديني” إنه يصادر على احتمال معاكس يقول إن الإفراط الجنسي قد يكون -بنفس قدر الكبت الجنسي- مسببًا للعنف الديني الدموي. 

واحدة من أكثر الحقائق المدهشة بشأن الموجة الحالية من الجهاديين الأوروبيين في سوريا والعراق هي علمانيتهم السابقة قبل تحولهم إلى الإسلام المتطرف. يقول عالم الاجتماع الفرنسي، أوليفييه روا: “تقريبًا ليس لديهم أبدًا تاريخ من التعبّد والممارسات الدينية، بل على العكس تمامًا، كانوا مستغرقين في شرب الخمور وتدخين المخدرات، وربما كان للكثير منهم سجلات جنائية قبل أن يصبحوا جهاديين”.

كان لمحمد لحويج بوهلال، الذي قتل 86 شخصًا العام الماضي في هجوم مروّع بشاحنة في نيس بفرنسا، سجل جنائي. كما وردت تقارير تفيد بأنه كان يشرب الكحول، ويتعاطى المخدرات ويلعب القمار، ولم يكن يصلي أو يصوم. وحسب المدعي العام الفرنسي، فرنسوا مولاينس، كانت زوجته “جامحة”، وكان يقيم علاقات مع رجال ونساء. يتذّكره زميل دراسي ويقول: “كان بوهلال “زير نساء” ومهووسًا جنسيًا. الجنس، كان كل ما يتحدث عنه، وكان من سماته الرئيسية”.

تظل راديكالية محمد بوهلال السريعة يكتنفها الغموض. لكن لن يكون حكيمًا استقطاع دور غريزته الجنسية الجشعة والخزي المحتمل الذي أبطنه بداخله حول ذلك قبل أن يتحوّل إلى جهادي قاتل.

وعلى صعيد آخر، تم تناول العذاب الجنسي للعضوات النساء في جماعات إرهابية أيضًا، حيث تشير ميا بلوم، في بحثها الشامل حول النساء والإرهاب، إلى وجود عدد من الدوافع المتشابكة وراء تورط النساء في الجهاد، منها الانتقام، الخلاص، العلاقات. وبالتباحث حول انتحاريات الشيشان ” الأرامل السود”، اللاتي نفذن هجمات انتحارية ضد روسيا، تقول بلوم إن الكثير منهن كن ضحايا للاغتصاب، وإن ذلك تسبب في أذى كبير لهم، بالإضافة إلى الإذلال الجنسي. وتعيد بلوم صياغة كلمات امرأة أحجمت عن إتمام مهمتها الانتحارية في الدقيقة الأخيرة، قالت: “إذا ضحيت بحياتك باسم الله وقتلت بعض الكفار، ستدخل الجنة مباشرة بصرف النظر عن ذنوبك السابقة”.

وربما يكشف تعلّق المرأة الغربية المؤيدة لتنظيم الدولة الإسلامية بـ”الاستقامة الجنسية” عن استياء حول شكل الحياة الجنسية في الغرب. في أوائل عام 2015، أجريت تحقيقًا على مدارعام عن مجندة بريطانية بارزة في تنظيم الدولة الإسلامية ومروجة لدعوة التنظيم، غادرت لندن الشرقية إلى المدينة السورية الرقة في أواخر 2014. المرأة البالغة من العمر 22 عامًا، ولدت لأسرة مسلمة باكستانية، وعاشت حياة علمانية في معظم مراهقتها و”عادت للإسلام” قبل عامين فقط من رحيلها إلى سوريا.

وورد في شهادتها، المذاعة في تسجيل لقصة “عودتها للإسلام”، أنها كانت نوعًا ما “ماجنة جنسيًا” في السابق. كان واضحًا أن ذلك قد سبّب لها شعورًا بالخزي. لذا من المحتمل أن يكون انضمام هذه المرأة إلى تنظيم الدولة ليس “هروبًا من سيطرة عائلية أبوية، لكن هروبًا من الجنس وفساد المجتمع المتساهل جنسيًا الذي كانت خاضعة له يومًا”.

للجنس دور رئيسي جدًا في إحساس المرء بنفسه وهويته الذاتية، وأي تحليل للتطرّف لا يأخذ الجنس بجدية كافية يجب اعتباره تحليلا غير كافٍ، بالتأكيد لا يمكن اختصار الجهاد في الجنس، لكن لا يمكن إسقاط الجنس- سواء كان مكبوتًا أو جامحًا- كليًا كحافز مُحتمل في تطوّر المتعصبين الجهاديين. حتى بن لادن نفسه، رأى بصورة واضحة أن الجنس عامل هام لتنظيم فعالية جهادييه.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى