سياسة

فورين بوليسي: روسيا تقتل بـ”السّم” وأمريكا بـ”الديمقراطية”

 روسيا تقتل بـ”السّم” وأمريكا بـ”الديمقراطية”

Russias President Vladimir Putin (2ndL) walks past US President Barack Obama (C), Brazils President Dilma Rousseff (L) and Germanys Chancellor Angela Merkel (R) as he arrives to pose for the family photo during the G20 summit on September 6, 2013 in Saint Petersburg. World leaders at the G20 summit on Friday failed to bridge their bitter divisions over US plans for military action against the Syrian regime, with Washington signalling that it has given up on securing Russia's support at the UN on the crisis.    AFP PHOTO / JEWEL SAMAD        (Photo credit should read JEWEL SAMAD/AFP/Getty Images)

فورين بوليسي- ستيفان إم والت

ترجمة: محمد الصباغ

نشرت صحيفة نيويورك تايمز مؤخرا تقريرا مثيرا للاهتمام، يشير إلى أن الحكومة الروسية اغتالت معارضيها ومنتقديها ومسؤولين سابقين، وأعداء آخرين مزعومين، باستخدام السّم. ومن أبرز الحالات كان “ألكسندر ليتفينكو”، الذي سُمِّم بمادة البولونيوم في لندن عام 2006، وأيضا أليكسندر بيربليتشني، الذي مات عام 2012 في أثناء ممارسته لرياضة العدو لكن بعد ذلك اكتشفوا بجثته بعض المواد السامة النادرة.

ما أفزعني بخصوص التقرير هو استمرار السياسة نفسها عبر عقود. ووفقا لنيويورك تايمز، بات واضحا أن الاغتيال السياسي -وبشكل خاص استخدام السم- له جذور متأصلة في الدولة السوفييتية قديما والروسية حاليا، ويعود إلى الشرطة السرية إبان عصر الاتحاد السوفييتي وربما إلى عصر القياصرة. على سبيل المثال، لم يُمثِّل “ليون تروتسكي” تهديدا لجوزيف ستالين حتى عام 1940، لكن الأخير قتله بالمنفى في المكسيك. صار التعامل مع المعارضين والمنشقين بهذه الطريقة أمرا معتادا، بشكل بيروقراطي يهدف إلى الإبقاء على هذه القدرات كجزء من الذخيرة الروسية، حتى مع العلم بأن قتلهم سيلحق ضررًا أكبر للموقف الروسي الدولي على العكس من تركهم لحالهم.

مثل هذا السلوك، هو عادة سيئة في موسكو لم تنتهِ بعد.

لكن روسيا ليست فريدة في هذا الأمر. في الحقيقة معظم أو كل الدول لديها “عادات سيئة”. وكما تعلمنا عن السياسات البيروقراطية، مثل هذه السلوكيات عادة ستكون جزءا من الجهاز الحكومي ملتزما بها وبممارستها ويريد دائما الإبقاء على عمله. حاول مثلا أن تخبر القوات الجوية أن الطائرات التي يقودها أشخاص في طريقها إلى الانتهاء، لأن التخلص من تلك الأجهزة أمر صعب (والأكثر عندما تكون سرية)، يمكن لهذه العادات السيئة أن تستمر طويلا حتى لو لم تعد مفيدة.

في الولايات المتحدة على سبيل المثال، لا يستطيع المسؤولون الرسميون أن يتوقفوا عن محاولة نشر الديمقراطية، بغض النظر عن نتيجة هذه المحاولات. بشكل ما يعود ذلك إلى أن الديمقراطية والحرية وما إلى ذلك، هي أشياء متأصلة في الثقافة السياسية الأمريكية، مما يجعل من الصعب على المنتقدين أن يشيروا إلى أن المجتمعات الأخرى ربما تكون في وضع أسوأ لو أصبحوا ديمقراطيين فجأة. تعزيز الديمقراطية ليست بالفكرة السيئة دائما، لكن الولايات المتحدة تستمر في محاولاتها القيام بذلك حتى لو كان من المتوقع أن تكون التبعات ضارة. عادة سيئة يبدو أننا لن ننتهي عنها.

وبشكل مشابه، تُصِرّ الولايات المتحدة على التفكير أنها تستطيع حل المشاكل السياسية المعقدة بواسطة القوة الجوية، خصوصا عبر اغتيال المستهدفين في المناطق البعيدة. أدوات البحث قد تكون مفيدة في سياقات معينة (على سبيل المثال، يبدو أنهم ساعدوا في تقليل قوة الدولة الإسلامية في ليبيا)، لكن استخدام القوة الجوية للفوز ضد حملات التمرد قد فشلت في كل من أفغانستان واليمن والعراق، وأماكن أخرى. لكن لأن وزارة الدفاع “البنتاجون” ووكالة الاستخبارات “CIA” ملتزمتان بتلك الأدوات.

وأخيرا علاقاتنا الخاصة مع دول بعينها في الشرق الأوسط مثل السعودية وإسرئيل ومصر، هي عادة سيئة تقليدية لا يمكننا التخلي عنها بهدوء. كل من هذه العلاقات كانت تبدو جيدة في الماضي، لكن الارتباطات الاستراتيجية والاخلاقية خلف كل منها صارت أضعف عبر الوقت. إلى الآن “العلاقات الخاصة” مستمرة وفي بعض الحالات تتوسع، حتى مع تراكم التبعات السلبية.

وهذه ميزة كونك دولة عظمى وشديدة الثراء والأمن: القوى العظمى العالمية يمكنها أن تتبنى بعض العادات السيئة. لكن أن تحمل تلك العادات لا يجعلها جيدة.

ولدول أخرى بعض العادات السيئة. تبنت إسرائيل بعد إعلان إنشاء دولتها سياسة صارمة انتقامية نحو الفدائيين الفلسطينيين الذين غادروا الحدود غير الواضحة بعد عام 1948. شملت الاستراتيجية الهجوم على القوات الأردنية والمصرية والسورية -كجزء من جعل تلك الحكومات تعمل على التضييق ضد الفدائيين.

وأظهر “جوناثان شيمشوني” في كتابه “إسرائيل والردع التقليدي”، أن تلك السياسة كانت جيدة في التعاون مع الأردن. ولسوء الحظ، أسهمت في توسيع رقعة العداء وحدته مع مصر ووسببت حروب 1956 و1967.

وبالطبع في هذه الأيام، تشمل تلك السياسة استخدام الجيش الإسرائيلي ضد الجماعات الفلسطينية الأضعف، مما يؤدي إلى سقوط أعداد من الضحايا المدنيين. ترتفع الأضرار التي تطال سمعة إسرائيل الدولية عن أي مكاسب استراتيجية أخرى، لكن تلك عادة سيئة تقوم بها تل أبيب ولا يبدو أنها ستتوقف عنها. بينما يعيش الفلسطينيون بين عاداتهم السيئة من الفساد والخصومات الداخلية وأشكال المقاومة التي تأتي بنتائج عكسية.

ماذا عن ألمانيا؟ بغض النظر عن تجاربها السابقة في كارثة التضخم عام 1923، ليس من المدهش أن الألمان بعد الحرب صاروا أكثر حساسية نحو ثبات العملة وصار يطاردهم هاجس المسؤولية المالية. وكما يلاحظ كريستوفر أليسي “تأسس بوندزبانك الألماني عام 1957 كأول بنك مركزي مستقل تماما في العالم مع مسؤولية بسيطة لكن تشمل الجميع: إبقاء سعر المارك الألماني مستقرا بواسطة الحد من التضخم.”

استمر هذا النهج الاقتصادي في ألمانيا، وهذا ما جعل برلين تُصر على سياسات تقشف قاسية بعد الأزمة المالية عام 2008، وهي السياسات التي تسببت في الركود لفترة طويلة وصعوبات كبيرة في عديد الدول الأوروبية. ما كان له مبرر في الخمسينيات لم يعد مبررا في 2009، لكن صانعو السياسات الألمانية ركزوا فقط على العادات السيئة لليونانيين وغيرهم وقللوا من دورهم الذي لعبوه في خلق الأزمة والتزامهم الصارم نحو سياسة مالية متشددة.

هل يمكن أن تتخلص الدول من عاداتها السيئة؟ بالطبع يمكنها ذلك. امتلكت اليابان وألمانيا عادة سيئة في محاولة غزو دول الجوار، لكن الدولتان تبدوان قد تخليتا عن هذا الفعل بنجاح. كما اعتادت الولايات المتحدة على التسامح مع العبودية والعنصرية، لكنها قضت نصف قرن في محاولة أن تتخلص من هذا الإرث المسموم، وإن لم يكن قد حدث ذلك بشكل كامل. وحوّل لي كوان يو سنغافورة من ميناء معروف بالفساد إلى نموذج للنزاهة، بصرف النظر عن عدم الديمقراطية.

وفي مصر، تحوّل الرئيس محمد أنور السادات عن عادة جمال عبد الناصر السيئة ومحاولته قيادة العالم العربي وانصب تركيزه على محاولة الاهتمام بالمصالح المصرية بشكل خاص.

لكن التخلص من العادات السيئة ليس بالأمر السهل. فكما تشير أمثلة اليابان وألمانيا، أحيانا يأتي التغيير بعد كارثة وطنية كبرى، مثل المدمن الذي يصل إلى الحالة الأسوأ. كما أن الابتعاد عن العادات السيئة أيضا يكون غير محتمل عندما تكون الأفعال والتبعات بعيدة عن الأنظار، سواء كنا نتحدث عن اعتماد روسيا على السّم أو وكالة الأمن القومي الأمريكية حين تحاول جمع كل المعلومات “كل شيء”. وعندما أيضا تكون للعادات جذور قوية في المؤسسات السياسية القائمة -كما في المجتمعات الفاسدة بدرجة كبيرة- يكون اقتلاع جذورها مستحيلا تقريبا.

كل ذلك يذكّرنا بأنه يجب علينا أن نكون واقعيين عند الحديث عن قدرة المجتمعات المعقدة على تغيير تلك العادات في يوم وليلة. وفي المرة القادمة التي تجد نفسك فيها معتقدا بأن قائدا جديدا ذا كاريزما سيأتي لإصلاح كل شيء: فكر مرة أخرى.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى