سياسة

فورين بوليسي: الأردن أهمّ حليف ضد داعش

ليست السعودية الغنية ، ولا مصر الكبيرة، وإنما شبكة الجواسيس الأردنية  هي أهم عون  للولايات المتحدة في حربها الجديدة على الإرهاب.

 jordan_1

شين هاريس – فورين بوليسي

ترجمة – محمود مصطفى

تقول إدارة الرئيس باراك أوباما إن أكثر من 36 دولة تعهدت بالانضمام لحربها الجديدة ضد الدولة الإسلامية من بينها السعودية، إحدى أغنى دول المنطقة، ومصر، إحدى أكبرها وأفضلها تسليحاً. مع ذلك، فإن المساعدة الأهم قد تأتي من الأردن، أحد أصغر شعوب الشرق الأوسط حجماً، لكن الأردن لن تقدم الجنود على الأرض بل معلوماتها المستقاة من شبكة من الجواسيس والمخبرين الذين ساعدوا الأمريكيين على القبض على بعض أسوأ أعدائهم ، وتأمل واشنطن في أن يكونوا قادرين على فعل ذلك مجدداً.

لعب   الأردن دوراً رئيسياً في مساعدة مخابرات الولايات المتحدة في مطاردة أبو مصعب الزرقاوي، الزعيم السابق لتنظيم القاعدة في العراق الذي سبق الدولة الإسلامية، وقتله بحسب مسئولين أمريكيين وأردنيين سابقين.

أبو مصعب الزرقاوي

خارج إسرائيل، تعد المخابرات الأردنية على نطاق واسع الأكثر كفاءة وقرباً من المخابرات الأمريكية حيث تدرب الكثير من مسئوليها المخضرمين على أيد السي آي ايه، بحسب ما قال مسئولون أمريكيون سابقون. وهو ما ساعد الأردن برغم صغر حجمه على تشكيل جهاز مخابرات قادر على تحقيق انتصارات كاصطياد أبو مصعب الزرقاوي ومساعدة الأمريكيين في قمع تمرد سني في العراق عام 2006.

لدى المخابرات الأردنية بعض الاخفاقات كذلك، واهمها عندما رشحت للسي آي ايه العمل مع الطبيب الأردني همام خليل أبو ملال البلوي الذي اتضح أنه عميل مزدوج يعمل لحساب القاعدة. في 30 ديسمبر 2009 فجر البلوي نفسه في قاعدة أمريكية في خوست بأفغانستان وقُتل تسعة أشخاص من بينهم 7 ضباط وعملاء سي آي ايه أمريكيين بالإضافة إلى ضابط مخابرات أردني.

كان ذلك هو الهجوم الأكثر دموية ضد أفراد السي آي ايه منذ التفجير الانتحاري في السفارة الأمريكية في بيروت عام 1983. واتهمت الأردن كذلك بتعذيب ارهابيين مشتبه فيهم واستخدام طرق استجواب وحشية تنصل منها الولايات المتحدة.

وبالرغم من الفشل الاستخباراتي الهائل الذي تسبب في “اعتداء خوست” يقول مسئولون إن التحالف الأمريكي الأردني قوي ومنتج، يقول مروان المعشر وزير الخارجية الأردني من 2002 وحتى 2004 ثم نائب رئيس الوزراء حتى 2005 إن “الأردن لديها جهاز استخباراتي قوي وسبق له اختراق الدولة الإسلامية.”

همام البلوي

ونسب ضابط مخابرات أمريكي سابق الفضل للأردنيين لمساعدتهم في العثور على الزرقاوي وقال إن دائرة المخابرات العامة الأردنية أصبحت شريكاً مقرباً بشكل خاص من السي آي ايه منذ هجمات 11/9 الإرهابية. “من وجهة نظر استخباراتية لدى الأردن  الميزة الجغرافية” يقول المصدر، بفضل موقعه المركزي وحدوده مع سوريا والعراق. “جزء كبير مما سيقومون بفعله لصالح الولايات المتحدة هو جمع المعلومات” ويتضمن ذلك شبكات جواسيس وتجنيد مخبرين فاعلين في العراق وسوريا للمساعدة في اقتلاع أعضاء الدولة الإسلامية وفهم تراتبية الجماعة وبنيتها التنظيمية. فمنذ أن سيطرت الدولة على مدن عراقية رئيسية واستحوذت على أراضي شاسعة الصيف الماضي، تحاول أجهزة المخابرات الأمريكية فهم كيفية عمل التنظيم.

المخابرات الأردنية “معروف أن لديها شبكات في العراق منذ العام 2003” يقول روبرت بليتشر القائم بأعمال مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مجموعة الأزمات الدولية، ويضيف بليتشر “الأردنيون لديهم صلات جيدة واستغلوها من قبل “وسيتوجب عليهم أن يفعلوا ذلك مرة أخرى.

لكن ليس التفوق الجاسوسي الأردني وحده هو تحتاجه الولايات المتحدة، فالمخابرات الأردنية لديها أيضاً نفوذ في القبائل العراقية السنية المتحالفة مع الدولة الإسلامية. خلال حرب العراق تمكنت الولايات المتحدة من قلب هذه القبائل ضد القاعدة في العراق وجعلتهم يحاربون مع الأمريكيين وكان ذللك ركيزة أساسية في الاستراتيجية التي ساعدت في النهاية على هزيمة الجماعة الإرهابية وإن كان ذلك بصفة مؤقتة.

وقال المعشر إن الصلات الأردنية بزعماء القبائل السنية قد تلعب الآن “دوراً هاماً جداً في إبعادهم عن الدولة الإسلامية.” في يوليو الماضي التقى وزير الخارجية الأمريكي جون كيري بشيوخ القبائل السنية في عمان بالأردن وحثهم على الانقلاب ضد التنظيم المسلح.

جون كيري

ومن المرجح أن يوفر الأردنيون أيضاً دعماً لوجيستياً للحملة الجوية الأمريكية والتي نفذت حتى الآن أكثر من 150 غارة ضد مقاتلي ومركبات ومدفعية الدولة الإسلامية باستخدام طائرات بدون طيار.

يقول بليتشر إن الأردن سمحت للجيش الأمريكي باستخدام قواعدها الجوية خلال العقد الماضي بالرغم من تردد المسئولين الأردنيين في الإقرار بذلك. وقال المشعر إن بلاده على الأرجح ستقدم دعماً لوجيستياً لكنه لم يضع تصوراً لدور في العمليات العسكرية المباشرة، “هذا ليس من بين الأوراق المطروحة على الأرجح” يوق المعشر “يجب أن تقود الولايات المتحدة الجهود العسكرية.”

في الوقت ذاته، تجمع الولايات المتحدة بشكل محموم تحالفاً من دول ترغب في المساعدة في الحرب ضد الدولة الإسلامية لكن هذا التحالف قد لا يكون واسعا أو مؤثراً كما يأمل له المسئولون. تركيا لم توافق بعد على السماح للطائرات الأمريكية المشاركة في الضربات الجوية بالإنطلاق من البلاد وكندا، التي أرسلت قوات عمليات خاصة إلى العراق، قالت إنها لن ترسل قوات أرضية اعتيادية وألمانيا قالت إنها لن تشارك في أية ضربات جوية ضد الدولة الإسلامية.

تدرب وكالة المخابرات المركزية الأمريكية “السي آي ايه” الثوار السوريين في الأردن وكانت الوكالة قد ترددت في تسليحهم خوفاً من وقوع الأسلحة الأمريكية في أيدي مقاتلين قد ينقلبون ويتحالفون مع الدولة الإسلامية. ولكن لشهور عديدة كانت الوكالة تمحص مجموعات المعارضة السورية في مجهود أشرف عليه مباشرة مدير الوكالة جون بيرنان وقد أثمر هذا العمل بحسب ما قال مسئول رفيع المستوى في الإدارة الأمريكية “لدينا ثقة أكبر بكثير فيمن نتعمل معهم.”

والآن ترغب إدارة أوباما في تكثيف المهمة وجعل وزارة الدفاع تدرب وتجهز هؤلاء الثوار السوريين كما وافقت السعودية على أن توفر المرافق المضيفة لهذا المشروع.

تعاون الأردن لا يحفزه فقط تحالفه طويل الأمد مع الولايات المتحدة فالدولة الإسلامية تمثل تهديداً متعمقاً داخل الأردن، فالجماعة السنية المسلحة لها تصور للتوسع إلى ما هو أبعد من العراق وسوريا ، ويقول الخبراء إن مقاتلي الدولة الإسلامية قد يدخلون الأردن سراً متخفين وسط ملايين اللاجئين الذين يتدفقون عبر الحدود مع سوريا، هرباً من الحرب الاهلية الوحشية في البلاد.

تقدر الحكومة الأردنية أن هناك أكثر من 1.3 مليون لاجئ سوري في الأردن وأن حوالي 200 إلى 300 يعبرون الحدود كل يوم. يقول بلايز ميسزتال مدير قسم السياسة الخارجية بمركز السياسات الغير حزبية في واشنطن “أعتقد أن هناك قلقاً من أن داعش بالفعل تعمل بين هؤلاء الناس أو أنها قادرة على التسلل بسهولة إلى الأردن من خلال هؤلاء الناس.” وتمرر دول الخليج، خوفاً من أن تنهار المملكة الأردنية تحت وطأة أزمة اللاجئين، عشرات مليارات الدولارات في دعم مباشر لعمان.

يعي القادة الأردنيون على أعلى المستويات التهديد الذي تشكله الدولة الإسلامية. وصرح ملك الأردن عبد الله الثاني في يونيو عقب سيطرة الدولة على الموصل ثاني أكبر مدن العراق قائلاً “الأزمة في سوريا كشفت لنا أن الإرهابيين العابرين للحدود ليس لديهم اعتبار لحدودنا … وذلك التحدي هو الذي سنواجهه عندما تعود هذه التنظيمات الإرهابية أو هؤلاء المتطرفون إلى الدول المضيفة لهم.”

عاهل الأردن الملك عبد الله

ويقدر الخبراء أن حوالي 700 أردني يحاربون مع الدولة الإسلامية وأن آلاف غيرهم غادروا البلاد للقتال مع جبهة النصرة، فرع القاعدة في سوريا.

وطاف مسئولو إدارة أوباما الشرق الاوسط هذا الأسبوع لضمان مشاركة الدول في التحالف ضد الدولة الإسلامية ولكن لشهور الآن كانت واشنطن تستمع إلى عمان حول التهديد المتنامي التي تمثله المجموعة المسلحة.

وقال مسئول رفيع المستوى بالإدارة، أمضى وقتاً في المنطقة، عبر مكالمة فيديو “من الواضح في المناقشات مع الحكومات في المنطقة، خاصة السعودية والأردنية، أن لدينا رؤية مشتركة بشكل كبير لهذا التهديد. ويمر الأردنيون  بتأثير مزعزع لضغط اللاجئين وهم قلقون بشدة” من أن الدولة الإسلامية لن تقصر طموحاتها في التوسع على العراق وسوريا.

بليتشر قال إنه خلال زياراته للأردن عرض عليه المسئولون خرائط لتوقعهم لشكل المنطقة إذا تركت الحرب الأهلية في سوريا والعنف الطائفي في العراق بدون تدخل” العراق وسوريا مقسمان إلى عدة دول ذات حكم ذاتي وخلافة إسلامية تقبع في المنتصف”. يقول بليتشر “لطالما خشوا ذلك. وعندما أعلنت الدولة الإسلامية شعروا بأن هذه الخريطة تتجسد أمام أعينهم.”

الآن، ومع بناء الولايات المتحدة لتحالف يضم عشرات الدول لمواجهة الدولة الإسلامية، قد يشعر الأردن أخيراً أن العالم في صفه. لكن على الملك عبد الله الثاني أن يبقي على توازن بين الاصطفاف مع حلفائه وبين إنعاش اقتصاد متعثر يثقله عبء اللاجئين. يشعر ملك الأردن “أن بلاده تتحمل العب الأكبر لهذه النزاعات” تقول داليا داسا كاي مدير مركز السياسة العامة للشرق الأوسط بمؤسسة راند في مكالمة مع المراسلين “هناك مخاوف من أنه بالدخول في مزيد من النزاعات في المنطقة، سيواجه الأردن المزيد من المجهول وعدم الاستقرار في الداخل .. سيكون حبل بهلوان رفيع جداً سيسير عليه الملك عبد الله.”

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى