ترجماتثقافة و فن

فرانك سيناترا عنده برد! الفصل الأول من أغرب قصة صحفية

 

فرانك سيناترا عنده برد!..ننشر الفصل الأول من أغرب قصة صحفية

frank

 

 

 

 

فرانك سيناترا عنده برد”  ( Frank Sinatra has a cold) هي قصة صحفية للصحافي الأميركي الرائد جاي تاليز، نشرها في مجلة سكواير الأميركية عام 1966، عن المغني الأمريكي الأسطوري فرانك سيناترا، وتتمثل غرابة القصة الصحفية في أن تاليز لم يتمكن من مقابلة سيناترا أبدا أُثناء إجراء هذا التحقيق، لكنه التقى أكثر من مئة شخص على علاقة به، من أصدقائه وزملائه والعاملين لديه إلى خصومه وأعدائه، ليقدم قصة صحافية مذهلة من أكثر من 15 ألف كلمة، عدّت عملا رائدا في الصحافة الاستقصائية.

نقلت هذه القصة الصحفية حديثا إلى اللغة العربية عن طريق المترجم والأديب المصري إيهاب عبد الحميد، وصدرت كأولى إًصدارات “منتدى المحررين المصريين”، وهو أحد النشاطات التي أسسها البرنامج المصري لتطوير الإعلام

الصحافي جاي تاليز

فرانك سيناترا عنده برد.

الفصل الأول

 

بكأس من ويسكي “البوربون” في إحدى يديه، وسيجارة في اليد الأخرى، وقف فرانك سيناترا في زاوية مظلمة من البار بين شقراوين جذابتين إنما خاملتين، تجلسان في انتظار أن يقول شيئا. لكنه لم يقل شيئا. لقد ظل صامتا معظم الأمسية، وإن بدا الآن- في ذلك النادى الخاص في “بيفرلي هيلز”- أكثر بعدا عن كل ما حوله، شاخصا ببصره عبر الدخان والضوء الأقرب للظلام باتجاه غرفة واسعة وراء البار، حيث يجلس عشرات الشباب في ثنائيات، متضامين حول طاولات صغيرة، أو يرقصون “التويست” في حلبة الرقص على الإيقاع الصاخب لموسيقى الـ”فولك روك” التي تجلجل من الـ”ستيريو”. كانت الشقراوان تعرفان، كما يعرف أصدقاء سيناترا الرجال الأربعة الواقفون بالقرب منه، أنه ليس من الحكمة محاولة فتح حوار معه وهو في هذا المزاج من الصمت والوجوم، المزاج الذي لم يعد غريبا عليه في الأسبوع الأول من نوفمبر، قبل شهر من عيد ميلاده الخمسين.

كان سيناترا يعمل في فيلم بات يكرهه، ولا يطيق صبرا لإنهائه. كان متعبا من كل تلك الضجة المثارة حول مواعدته لـ”ميا فارو” ابنة العشرين عاما، التي لم تظهر الليلة. كان غاضبا لأن محطة “سي بي إس” التلفزيونية سوف تعرض بعد أسبوعين فيلما وثائقيا عن حياته، قيل إنه يتعرض لخصوصياته، بل ويلمّح إلى صداقته المحتملة بزعماء مافيا. كان قلقا من ظهوره المرتقب في برنامج تلفزيوني لمحطة “إن بي سي” مدته ساعة واسمه “سيناترا.. رجل وموسيقاه”، حيث سيكون عليه أن يغني ثمان عشرة أغنية بصوت كان– في تلك اللحظة بالذات وقبل ليال معدودة من التسجيل- ضعيفا ومحتقنا وفاقدا الثقة. كان سيناترا مريضا. كان ضحية مرض شائع لدرجة أن السواد الأعظم من الناس لا يعيرونه أدنى اهتمام، لكن عندما يتعلق الأمر بسيناترا فإن تلك الوعكة يمكن أن تغرقه في بئر من الآلام، فى بحر من الكآبة عميقة، أن تجعله مذعورا، بل وغاضبا.كان فرانك سيناترا مصابا بنزلة برد.

سيناترا بالبرد يشبه “بيكاسو” دون ألوان، “فيرارى” دون وقود- بل وأسوأ. حيث أن نزلة البرد العادية تنزع عن سيناترا جوهرته النفيسة، صوته، وتغوص كالطعنة في قلب ثقته بنفسه. لا تؤثر على حالته النفسية فحسب، وإنما يبدو أنها تتسبب أيضا في نوع من “الرشح النفسي” لعشرات من العاملين معه، من ندمائه ومحبيه، ومن المتوكلين عليه في رزقهم واستقرارهم. إن سيناترا المصاب بالبرد يمكن أن يرسل ذبذبات تربك صناعة الموسيقى والسينما والاستعراض وما وراءها من صناعات، تماما كما يمكن لوعكة مفاجئة أصابت رئيس الولايات المتحدة أن تهز الاقتصاد القومي بأكمله.

ذلك أن فرانك سيناترا الآن كان ضليعا في أمور عدة تخص أناسا عدة- فلديه شركة أفلام، وشركة تسجيلات، وشركة طيران، ومؤسسة لصناعة أجزاء الصواريخ، وشركات عقارية في مختلف أنحاء البلاد، ولديه فريق من المساعدين قوامه خمسة وسبعون شخصا لا يشكل سوى جزء من قوته، والقوة التي بات يمثلها. كذلك فقد أصبح الآن التجسيد الحقيقي- وربما الوحيد في أمريكا- للرجل الذي يتمتع بكامل حريته، الرجل الذي بإمكانه أن يفعل كل ما يتمناه، أي شىء، يمكن أن يفعله لأنه يملك المال، والطاقة، ولا ينغص عليه إحساس بالذنب. في عصر علا فيه صوت الشباب، وصاروا يحتجون ويضربون ويطالبون بالتغيير، ظل فرانك سيناترا ظاهرة قومية، واحدا من المنتجات القليلة لفترة ما قبل الحرب التي استطاعت الصمود أمام تقلبات الزمن. إنه البطل الذي تربع على عرشه من جديد، الرجل الذي كان يملك كل شيء وضاع منه، فاسترده ثانية، دون أن يدع شيئا يقف في طريقه، فاعلا ما يعجز عن فعله سوى القليلين: لقد نزع حياته من جذورها، ترك عائلته، قطع صلته بكل ما اعتاد عليه، وتعلم في هذه الأثناء أن الطريق لأن تملك المرأة هو ألا تملكها. الآن يتمتع بحب “نانسي” و”آفا” و”ميا”، المنتجات النسائية الرائعة لثلاثة أجيال، كما يتمتع فى الوقت نفسه بعشق أطفاله، وحريته كأعزب، لا يشعر أنه كبير في السن، بل يجعل الكبار يشعرون بالشباب، يجعلهم يفكرون “إذا كان فرانك سيناترا يستطيع فعل ذلك، فذلك يمكن فعله”؛ لا يعنى ذلك أنهم قادرون على فعله، ولكن مازال أمرا طيبا أن يعلم الرجال الآخرون، في سن الخمسين، أن ذلك يمكن فعله.

لكن سيناترا الآن، وهو يقف في ذلك البار في “بيفرلى هيلز”، كان يعاني من البرد…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى