سياسة

فايس نيوز: مصر قلقة “جدا” من إسلاميي ليبيا

 مصر والإمارات أنكرتا قصف ليبيا لكن الكثيرين لا يصدقون ذلك

Libya Dawn

جون بيك – فايس نيوز

إعداد وترجمة – محمود مصطفى

عكست التقارير التي تحدثت عن سلسلة من الغارات الجوية شنتها مصر والإمارات ضد الميليشيات الإسلامية في ليبيا أغسطس الماضي، قلق الحكومة المصرية من انهيار جارها الغربي وعكست أيضاً محاولة من جزء من الأنظمة العربية لمواجهة الصعود المتنامي للإسلام السياسي.

أنكر المسئولون المصريون أي دور في الضربات الجوية ولكن الكثيرين في المنطقة يؤمنون بأن الدولتين كانا متورطتين في الهجمات، وهو ما تعتقده وزارتي الدفاع والخارجية الأمريكيتين اللتين  أصدرتا تصريحات بهذا المعنى قبل أن توضحا أن الإشارة كانت إلى دول “تردد تورطها” في الضربات.

ومنذ أن عُزل المستبد معمر القذافي في 2011، ظلت ليبيا متماسكة عبر مجموعة معقدة من الميليشيات التي تمثل مصالح دينية ووطنية وإقليمية مختلفة. ومع ذلك فإن الخلافات حول انتخابات يونيو الماضي جعلت الفصائل الإسلامية والوطنية تنقلب ضد بعضها البعض. وهو ما أشعل أزمة دائرة جعلت البلاد تعيش حالة اضطراب.

قادت الانتخابات إلى تشكيل برلمان جديد، مجلس النواب، والذي كان من المفترض أن يحل محل المؤتمر الوطني العام المنتخب في 2012، ومع ذلك فإن الفصائل الإسلامية المهيمنة على المؤتمر ومن بينها الإخوان المسلمين في ليبيا لم يبلوا بلاءاً حسناً في الانتخابات وتبعاً لذلك رفضوا القبول بسلطة مجلس النواب.

تلا ذلك معركة في أغسطس الماضي للسيطرة على المطار الدولي في طرابلس بين تحالفات ميليشيات فجر ليبيا الإسلامية وميليشيات الزنتان الوطنية وهو ما أدى بدوره لضربات مزعومة نفذتها مصر والإمارات لمواقع لفجر ليبيا هناك.

في الوقت ذاته استمرت مجموعة ميليشيات من فلول وحدات الجيش والقوات الجوية بقياد خليفة حفتر، الجنرال السابق الذي يحظى بولاء معظم المجموعات الوطنية، في قتال الإسلاميين والمقاتلين المتطرفين في بنغازي ومن ضمنهم ميليشيات أنصار الشريعة المرتبطة بالقاعدة. حفتر هدد كذلك بتوسيع نطاق هجماته إلى أماكن أخرى في ليبيا.

إذا صدق الأمر، فإن تورط مصر في التدخل لا يجب أن يكون مفاجأة. الوضع الأمني في ليبيا غير مستقر منذ فترة ليست بالقصيرة وفي ظل عدم قدرة السلطات فيما يبدو على السيطرة على المجموعات المسلحة المتنوعة الفاعلة في البلاد، بالتأكيد توجد مخاوف مشروعة جداً من وجود دولة فاشلة بميليشيات غير محكومة وحدود غير مأمنة كجار وفي ظل تهريب كميات خطيرة من الأسلحة الليبية بالفعل من الشرق.

ومع ذلك فإن القلق المصري له أسباب أكثر تحديداً، فالسلطات المصرية ترى أن مكاسب الإسلاميين في ليبيا وسوريا والعراق تمثل تهديداً مباشراً. فالدور البارز الذي يلعبه الاخوان المسلمون الليبيون سيكون غير مرحب به في القاهرة حيث عزل الجيش الرئيس الإسلامي المنتخب ديمقراطياً والقيادي بجماعة الاخوان المسلمين محمد مرسي العام الماضي ثم شن حملة قمع وحشية ضد مؤيديه.

وتثير فكرة أن الاخوان في ليبيا قد يتاح لهم الوصول إلى ملايين الدولارات من عوائد النفط في البلاد ونقل هذه الأموال المجموعات المتعاطفة معهم عبر الحدود مخاوف هائلة لدى المسئولين الأمنيين في مصر، وفقاً لاسكندر العمراني الذي يرأس مشروع مجموعة الأأزمات الدولية في شمال أفريقيا.

وقال اسكندر لـ”فايس نيوز” “هم لا يريدون دولة إسلامية غنية بالنفط على الحدود يمكن أن تدعم الاخوان المسلمين والعناصر الإسلامية في مصر.”

وقد ينتج عن هذا أيضاً إمكانية وصول المزيد من الأسلحة أو المقاتلين الليبين إلى الجماعات المتطرفة التي تقاتل حالياً قوات الأمن المصرية في سيناء.

ويقول شادي حميد، زميل مركز بروكنجز الدوحة لسياسات الشرق الأوسط، لـ”فايس نيوز” “هو ليس تهديداً ملموساً للأمن المصري مباشرة، بالرغم من أن ليبيا قد تجد طريقة لدعم الاخوان في مصر عبر زعزعة استقرار الحدود بطريقة ما أو عبر توفير ملجأ للإسلاميين المصريين.”

“البارانويا ليست مرتبطة كلياً بواقعية التهديد. أنا أعتقد أن النظام  لا يرى الإخوان في مصر فقط كجماعة مصرية، ولكن جزءاً من مؤامرة إقليمية ضد مصر والنظام الإقليمي الذي تدعمه مصر.”

وأضاف أن هذا جزء من صراع أوسع يتنافس فيه المستبدون العرب وملوك الخليج مع أتباع الإسلام السياسي وتجلياته الأكثر تطرفاً.

وقال حميد “لا يمكننا أن نفهم ما فعلته مصر في ليبيا من دون فهم الانقسام الأوسع في الشرق الأوسط بين الإسلاميين ومناهضي الإسلاميين. ليبيا أصبحت موقعاً لحرب بالوكالة بسبب ذلك.”

على الأرجح سيكون الجانب المناهض للإسلاميين سعيداً بالالتفاف حول قائد القوات المسلحة الممصرية الذي أصبح رئيساً عبد الفتاح السيسي في هذه الحرب العربية الباردة بعد أن بدا أنه نجح في عكس التغييرات التي أحدثها الربيع العربي إلى الحد الذي أصبحت معه الإدارة الحالية أكثر سلطوية وأقل تسامحاً مع الإسلام السياسي من إدارة المستبد السابق حسني مبارك.

فشلت الغارات الجوية المفترضة التي شنتها مصر والإمارات في تغيير مسار المعارك في صالح المجموعات الوطنية، فما زالت قاوت فجر ليبيا مسيطرة على مطار طرابلس والميليشيات الإسلامية مهيمنة بشكل كبير على بنغازي كذلك. لكن حميد يقول بأن هذه لن تكون محاولة مصر الأخيرة للتأثير على الأحداث.

وقال “من الواضح جداً أن مصر ستستمر في دعم حفتر بدرجة أو بأخرى. أجد صعوبة في تخيل نظام السيسي يقول ‘أعطينا الأمر فرصة وليس هناك المزيد يمكننا فعله’ ستستمر حرب الوكالة والسؤال هو إلى أي مدى مصر مستعدة للمشاركة.”

هذه سؤال مهم. مصر دعمت قدراتها العسكرية مؤخراً ومن ضمن ذلك صفقة شراء ثمانية طائرات ناقلات جنود من طراز “إيرباص سي 952” مؤخراً، ولكن العمليات الأرضية من طرف واحد، التي قد تجر البلاد التي تعاني بالفعل إقتصادياً إلى معركة طويلة ويحتمل عدم الفوز بها، تبدو خياراً غير مرجح.

يلاحظ العمراني أن “بالرغم من أن السلطات المصرية لا تحب الإسلاميين في ليبيا إلا أنها لا تحب فكرة الورطة العسكرية أكثر، خاصة عندما تكون الموارد في أضعف حالاتها.”

إلا أنه أضاف أن القادة المصريون أشاروا إلى أنه إذا طلب مجلس النواب، الذي يعتبره المجتمع الدولي الحكومة الشرعية، تدخلاً عسكرياً أجنبياً عندها ستكون مصر مرحبة بالمشاركة كجزء من تحالف أوسع يكون من ضمنه دول أخرى في المنطقة.

وقال العمراني “المسئولون (المصريون) أخبروني أن أي تحرك دولي، ومن ضمن ذلك ربما تدخل أرضي، يجب أن يكون بقيادة جيران ليبيا. هم يريدون أن يكونوا قادرين على الإمساك بزمام المبادرة وتوجيه الاستجابة لكي يستطيعوا التأثير في المحصلة.”

دور الولايات المتحدة، شريك أمني رئيسي لمصر والإمارات، المحتمل في عملية كهذه غير واضح. العلاقات المصرية الأمريكية في الأشهر الأخيرة مهتزة وبدرجة ما غريبة. حكومة السيسي استمرت في حكاياتها عن الحكومة الأمريكية الإمبريالية المتدخلة فيما لا يعنبها والداعمة للإسلاميين والتي تحاول أن تقمع مصر، وتظل البلاد في الوقت ذاته واحدة من أكبر متلقي المعونات العسكرية الأمريكية.

ربما كانت الغارات الجوية سبباً آخر للخلاف بين البلدين، حيث قال المسئولون الأمريكيون لصحيفة “نيويورك تايمز” إنهم لم يكن لديهم علم مسبق بالضربات ومن ناحيتهم أنكر المسئولون المصريون أن هذه الضربات حصلت عندما سئلهم الدبلوماسيون الأمريكيون. وانضمت إلى الحكومة الأمريكية الحكومات الفرنسية والألمانية والبريطانية والإيطالية في إصدار بيان يدين الغارات الجوية.

وبينما القادة الغربيون قلقون بشأن الوضع الأمني الليبي، قد يشتتهم تركيزهم على تقدم الدولة الإسلامية في العراق وسوريا عن التدخل في ليبيا، إلا أن فكرة ذهاب الأنظمة العربية إلى هناك بمفردهم لن ترحب بها الولايات المتحدة على الأرجح.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى