مجتمع

عندك خروف رشيق؟ أسئلة المصريين الجديدة في أسواق الأضحى

جولة في أسواق الأضحى بعد التعويم

كتبت وصوّرت- مي عبدالغني

أزمة الغلاء التي تتسابق وحياة المصريين، تتوغل في خيارات الطبقة الأغنى من المجتمع وتضيق عليها حتى شملت أضحية العيد، ثواب المقتدر وفرحة الفقير. شعيرة الأضحية انضمت -مؤخراً- لقائمة محظورات الشراء على المضحي المنفرد.

زحام سوق الثلاثاء -بمنطقة المنيب والبحر الأعظم- يغلق الشوارع كلها من أول المترو إلى طريق ترسا، ثم يبدأ الشارع في الاتساع والهدوء في منطقة تجار المواشي المعهودة بآخره.

قطعان للخراف والعجول على جانبي الطريق وبجوارها أصحابها وقوف بطول السوق في انتظار متفاوض أو مشتر. تقبل مجموعة صغيرة تسأل عن وزن خروف بعينه وتقدر القيمة الكلية ثم تذهب دون شراء.

من السادسة صباحاً حين تبدأ السوق إلى الظهيرة حيث انتهى لم يختلف المشهد تقريباً، التجار في أماكنهم والماشية في مكانها، بينما يعتبر اليومان السابقان للعيد هما ذروة حركة البيع والشراء كل عام.


أسعار الماشية زادت بنسبة 20 إلى 25% هذا العام، مقارنة بالعام الماضي، فقد ارتفع سعر كيلو الخروف من 48 جنيها إلى 65 جنيها، والكيلو من الجدي من 52 ج إلى80 ج، والعجول من 28 ج للبلدي و 3 للمستورد إلى 65 جنيها.

محمود الصف تاجر بالسوق، تجارته تتمثل في عشرة رؤوس من العجول والخراف يملكها بالاشتراك مع أقارب وجيران له، ونزل بها من القرية في قنا ليبيعها في القاهرة كما اعتاد كل عام ولم يبع ولا واحدة. يقول محمود  غلاء العلف هو سبب ارتفاع سعر الكيلو إلى 60 و65 جنيها، ونحن لا نملك أمر السعر، كنا نشتري “شكارة” الذرة المجروشة بسعر 80-90 جنيهاً وارتفعت إلى 200 جنيه. الردة التي كانت ب 2 جنيه وصلت 15. أنا أنفق يومياً 300 جنيه على طعام المواشي، أي أنني أتكلف لهم دون مكسب حتى الآن” وأضاف أن ارتفاع سعر البنزين جعل تكلفة نقلهم من الصعيد تقفز من 800 جنيه إلى 1600 أو ألفين.

محمود الصف- يحاول بيع 10 من العجول والخراف يملكها مع أقاربه- تصوير مي عبد الغني

يقاطعه بعض السائلين عن السعر ويتأهب للبيع، إلا أن المجموعة المكونة من ثلاث التي سألت عن خروف يزن 50 كيلو و قليلاً قررت أن الشاريان يحتاجان لمساهمة جار لهم كان يود التضحية، متسائلين كيف سيتم تقسيمه بينهم حينها ” هو احنا هنطلع تلت الغلابة منين كده ؟”.

سعيد الجرس تاجر آخر بالسوق، يقول أنه لأول مرة يدخل عليهم الموسم والسوق فارغ من المشترين هكذا. ” أقل خروف يكلف 4 آلاف جنيه، وبعد تقسيمه لا يزيد نصاب التصدق به عن عشرة كيلو، فقام بعض زبائني بشراء عدة كيلوات من اللحم إلى الأسر التي اعتادوا إطعامها دون شراء أضحية كاملة، كما يشتري الناس كيلوين او ثلاثه للعيد”

سعد الجرس- تاجر خراف: صار النسا يشترونه عدة كيلوجرامات للتصدق بها بدلا من ذبح أضحية كاملة

لم يختلف الوضع بمنطقة صقر قريش كثيراً فالسوق فارغ والتجار جلوس، عم سعيد، تاجر بمنطقة صقر قريش، يقول ” الأسعار المطروحة هذا العام لا تعني أى ربح حقيقي للتاجر بأي شكل فقد ارتفعت تكلفة الطعام والمرافق والرعاية البيطرية و العمالة اليومية التى زادت يوميتها نصف القيمة، في النهاية لا أحد يستطيع رفع الأسعار بحيث يحقق أرباحاً وإلا فلن يشتري أحد كما هو الحال “


س.أ جزار و مربيّ ماشية من محافظة الدقهلية يقول أن بسبب هذا الارتفاع في الأسعار قل نصيب المساهمين في الأضحية الواحدة فالعجل الذي كان يشتريه شخص أو اثنان يقسم ثمنه هذا العام على أربعة مضحين وفي بعض الحالات سبعة أنصبة وعشرة.

” لي زبائن يشترون مني كل عام، لم يضحّ أي منهم بما اعتاد عليه. من كان يشتري عجل ب 12 أو 13 ألف، شارك بنصيب الربع. ومن كان يشارك بنصف أو ربع اشترى خروف صغير. و الكثيرين لم يضحوا من الأساس”

وأشار إلى أن ارتفاع أسعار خدمات الرعاية اللاحقة كالتطعيمات والرعاية البيطرية والعمالة يؤثر مباشرة على ارتفاع السعر ما يسبب كساد للتاجر ويحرم الفقير من الشراء، وأن الأمر ليس جشعاً من التجار وإنما نتيجة مباشرة لارتفاع تكلفة تربية الماشية.

 

وأضاف أن الدولة رفعت يدها عن تماماً من كل شيء والتاجر يشتري كل شيئ من السوق السوداء، حتى الوحدة البيطرية فارغة على الدوام والأطباء يأتون في كشوفات خاصة مرتفعة التكلفة”.

ع.أ رب أسرة اعتاد أن يضحي بنصف بقرة، ولكنه هذا العام لم يستطع الوفاء بعادة العائلة، وكمحاولة لاستمرار أدائه للشعيرة فكر أن يدفع المبلغ الذي خصصه في صكوك الأضحية في إحدى الجمعيات التي تجمع عددا كبير من المشاركين في أضحية واحدة بأنصبة مختلفة. ولكن من اللطف أن صديقاً دلهم على ماشية بسعر مناسب مقارنة بالمعروض بالسوق فاستطاع الوفاء بأضحيته.

وكان الفارق بين العلف الذي تقدمه وزارة الزراعة والحر بالأسواق عشرة جنيهات لا غير، والكثير من الإجراءات الورقية التي تتكلف مصروفات تربو عليهم بكثير كما يحكي خالد كمال صاحب مزرعة انتاج نباتي وحيواني “الأسرة تمتلك حيازات زراعية تخول لنا شراء الأعلاف والكيماوي ومستلزمات الزراعة من الوزارة، في الماضي كان أجدادنا يحصلون عليها بسعر مخفض لكني اليوم أخوض رحلة معاملات ورقية لا تنتهي وأدفع للحكومة كأني أشتري من أى تاجر بالسوق”

وتابع قائلاً ” اعتدنا أن نزرع العلف في أرضنا كي نطعمه للماشية ونوفر جزءا من التكلفة، لكن ارتفاع يومية المزارع والأسمدة جعل الفارق لا يذكر، وما كنا نشتري به 2 طن علف أشتري به اليوم طن واحد”

تقول د.سلوى محسن، الخبيرة بمركز البحوث الزراعية، أن دعم مستلزمات الإنتاج الزراعي توقف مع نهاية برنامج الإصلاح الاقتصادي في نهاية الثمانينات وأن الوزارة لا تربي مواشي.

و بدا أن قيمة الرشاقة دخلت عالم الأضحية هذا العام، فالخروف الصغير والعجل الصغير أصبحا محط أنظار راغبي الأضحية بحسب كمال ” الزبون الذي اعتاد شراء عجل وزن 65 يتفق معي على 40، والخراف الصغيرة التي كانت تتخلف عن الموسم أصبح وجودها إجابة لسؤال متكرر” مفيش أوزان صغيرة” ؟.

وكان الزحام على منافذ بيع اللحم المدعم سمة لازمة لقدوم عيد الأضحى، لكن الواقفون على منفذ بيع وزارة الزراعة بميدان السيدة عائشة لم يبد عليهم فرحة الحصول على كيلو اللحم الخاص بالعيد. ” تهامست النساء وارتفع صوت الرجال أكثر من مرة أن اللحمة – مش حلوة- ولم يشهد المنفذ الزحام والتدافع الذي اعتاده.و بينما خلت .
الجزارات من الإقبال، كانت “نصبة حلويات المواشي” ( الأجزاء الغير اللحمية في الذبيحة كالأقدام والذيل والمعدة) هي محل التدافع والمشادات بين المشترين.


يقول كمال “الأضحية كانت فرحة المضحي قبل الفقير و يوم النحر هو يوم العيد بالنسبة له، والناس كانت تحاول المساهمة في هذا الثواب على حسب إمكاناتها، ومن المحزن أن يعجزوا عن ذلك بسبب الأسعار، وبالطبع لا نجرؤ عن التساؤل عن حال الفقير في تلك الدائرة”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى