ثقافة و فنسياسة

عمدة لندن لبشار: برافو .. دكتاتور

عمدة لندن لبشار: برافو دكتاتور

التليجراف – بوريس جونسون* – ترجمة: محمد الصباغ

أعتقد أنه من الغريب أن أشعر بالسعادة مع النجاح العسكري لأحد أبشع الأنظمة على وجه الأرض. لكن لا أستطيع أن أخفي بهجتي بالأخبار التي تصل من تدمر، والتقارير التي تشير إلى استعادة الجيش السوري لموقع المدينة الأثرية بالكامل.

ربما توجد شراك خداعية تحت الأنقاض لكن على الأقل هرب الإرهابيون. أصيح وأقول ”برافو“، استمروا. نعم، أعلم. الأسد وحش وديكتاتور. يقصف شعبه بالبراميل المتفجرة. وسجونه مليئة بالمعارضين الذين يتم تعذيبهم. حكم هو ووالده لأجيال بالإرهاب والعنف- وعلى الأقل هناك سببان يجعلان أي إنسان عاقل يشعر بالرضا بما أنجزته قوات الأسد.

السبب الأول، بالرغم من مدى قبح نظام الأسد ربما –وهذا حقيقي- يكون معارضوه من تنظيم الدولة الإسلامية أسوأ منه بمراحل. هؤلاء هم الأشخاص الذين اقتطعوا لأنفسهم تلك الدويلة الكريهة في الصحراء، هذه المجموعة الشيطانية جذبت بائسين كثر قد يصبحوا جهاديين، من بريطانيا ودول أخر من غرب أوروبا. هؤلاء الحمقى المجانين الذين عبروا عن أيديولوجيتهم مرة أخرى الأسبوع الماضي بمطار زافينتيم ومترو مالبيك.

بشكل ما دوافعهم لقتل وتشويه مئات المدنين كان دينياً الأبرياء. ربما يكون نظام الأسد وحشيا  وإجراميا  وشيطانيا في أسلوبه. لكن هؤلاء الأشخاص بمرضهم وتشوهاتهم أبعد مما قد نتخيل. يحرقون الناس أحياء-ببساطة لتمسكهم بنسخة مختلفة قليلاً عن الإسلام. يرمون بالمثليين من على المرتفاعات أو عبر النوافذ. يضعون معارضوهم في أقفاص ثم يضعوها في المياه، تم بث كل ذلك مصحوباً بموسيقاهم وتعليقاتهم المتفاخرة.

هم متورطون فيما قد نطلق عليه عملية إبادة جماعية للأيزيديين (ولأسباب محيرة لا تصفه وزارة الخارجية بالإبادة الجماعية). هم تهديد للأمن الأوروبي، هم بمثابة الكابوس لشعب سوريا. لو أن هناك مجموعة إرهابية تستحق أن تمحى من على وجه الأرض ويتم إزالتها من العرق البشري، فستكون هي تنظيم الدولة الإسلامية.

وهناك سبب آخر يجعلني أُثمن الأخبار القادمة حول تدمر- وبالرغم من علمي بأن هذا اهتمام ثانوي لكثير من الناس، فله اهمية كبيرة بالنسبة لي. انتصار الأسد هو انتصار لعلم الأثار، انتصار لكل من يهتم بالأثار القديمة لأحد أهم المواقع الثقافية على وجه الأرض. وحوش تنظيم الدولة لم يغتالوا فقط كل من لا يقبل بنسختهم البربرية من الإسلام. كانوا صغار وضئيلين وفهموا أن إرداة الرب تجعلهم يعتبرون أي مبان أو قبل العصر الإسلامي –مهما بلغ جمالها- هي عبارة عن كفر. دمروا وفجروا بعض من أروع المباني في العالم. ألحقوا بالخادم الأمين لأثار الموقع ،خالد الأسد، وعاقبوه بقتله في مسرح من أثار المدينة.

شهدت الفترة التي سيطر فيها تنظيم داعش على المدينة –حوالي عام- كوارث أخلاقية وثقافية. ونعم، هذا سبب سعادتي بطردهم من الموقع.

في 19 إبريل، أظهرنا تعاطفنا في لندن مع مدينة تدمر بالتجمع في ميدان ترافلجار وصنع بوابة رقمية محاكية للاصلية في معبد بل والتي يبلغ ارتاعها 15 متراً. يقود المشروع معهد الآثار الرقمية، وعبارة عن مشروع بالتعاون مع جامعة هارفارد وأكسفورد ومتحف المستقبل بدبي.

لن تكون مثالية. لن تصنع من نفس الأحجار الذهبية مثل بوابة المعبد الأصلية، التي تم تفجيرها. ستصنع من مادة الراتنج. لكن ستكون مذهلة، وترمز إلى إصرارنا الجماعي –حول العالم- على وضع تلك الفترة المروعة خلف ظهورنا، ولتذكر أن لمدة قد تصل إلى 2000 عام كانت هناك رغبة من كل الغزاة الذين دخلوا إلى تدمر في الاستمتاع بهذا المعمار نظراً لما كان عليه.

كان المعبد مقدساً للإله بل، ثم أصبح كنيسة في العصر البيزنطي، ثم أصبح مسجداً. لم يفكر أحد ،حتى وصول هؤلاء المرضى، في تدميره. أنا سعيد من إقامة تلك البوابة بلندن، لأنني أتمني أن تصبح علامة على إصرار بريطانيا على أن تكون مفيدة في عملية إعادة بناء تلك الدولة.

كان من الصعب جداً زعم أن نجاح قوات الأسد نتيجة لسياسة بريطانية أو غربية بشكل ما. كيف يحدث ذلك؟ نحن وبحق نحتقر نظامه وما يسعى إليه، وخلال السنوات الأخيرة كنا أطراف في مهمة بناء قوة معارضة للأسد ببساطة لم يكون تنظيم الدولة من بينها. لم يعمل هذا المسعى جيداً إلى الآن.

كان بوتين هو ممن جاء للدفاع عن عميله بقسوة، وساعده على الصمود. لو صدقنا التقاريرن فلم يشترك الروس فقط في ضربات جوية ضد معارضي الأسد، بل كانوا على الأرض أيضاً. لو ساعدت قوات بوتين في خروج هؤلاء المرضى من تدمر، إذاً (الأمر مؤلم وأعترف بذلك) فهذا يضيف الكثير إلى الروس. جعلوا الغرب يبدو وكأنه بلا تأثير، والآن هو الوقت الذي يجب أن نقدم فيه تعويضاً، ونستخدم نقاط قوتنا.

لدينا العديد من أهم علماء الآثار في العالم. أتمنى أن تدعمهم الحكومة من اجل الذهاب إلى سوريا والمساعدة في عمليات الترميم. الأمر أقل بكثير من التفجيرات، وقد يقود إلى سياحة واقتصاد مزدهر على المدى الطويل. في أحد الأيام سيكون مستقبل سوريا مبهراً، لكن سيعتمد ذلك بشكل ما على قدرة العالم على الاستمتاع بماضيها المجيد. يجب أن يكون الخبراء البريطانيين في مقدمة القائمين على هذا المشروع.

،،،

بوريس جونسون: صحفي بريطاني وعمدة لندن

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى