منوعات

طير يا حمام القاهرة

 لازال مربو الحمام المخلصون في القاهرة يحملون شغفاً خالصاً بهذه الهواية .. الجارديان البريطانية قدمت تقريراً عن تربية الحمام في القاهرة.

باتريك كينجسلي – الجارديان

ترجمة – محمود مصطفى

يبقي وجدي إسحق أطفاله فوق سطح منزله، جميع أطفاله الـ380 فهم يفضلون ذلك نظراً لأنهم ليسوا أبنائه بالدم، فهم من جنس الحمام.

“لولا الحمام لكنت تزوجت منذ سنوات” يتأمل وجدي، 28 عاماً، والذي يعرفه الجميع باسم كوكا “الحمامات هي زوجتي وأطفالي.”

هواية كوكا ليست غريبة في مصر، حيث يستطيع كوكا أن يرى من برج الحمام الذي يمتلكه، وهو عمود خشبي طويل يشبه أبراج الحصار في العصور الوسطى، عشرات الأبراج المشابهة تتمايل فوق الأبنية القريبة منه في شرق القاهرة.

هناك الآلاف من هذه الأبراج في جميع أنحاء البلاد وبعضها يرتفع من 10 إلى 15 متراً فوق المباني التي تقف عليها وتؤوي كل واحدة منها أكثر من 100 حمامة.

لدى كوكا عدد أكبر من هذا وكان قبل ذلك يربي أعداداً أقل. يرث مربو الحمام الآخرون أسراب الحمام لكنه بدأ في تكوين سربه عندما أعطاه عمه فرخي حمام ليعتني بهم، أحب وجدي الحمام لولائه، وهي المزية التي غالباً ما يشير إليها المربون، وبدأ في شراء المزيد والمزيد من أسواق الحمام في العاصمة.

يقول وجدي “لدي شعور بأن الحمام لا يستطيع أن يخونك” ويشير إلى زوج من الحمام، يبلغ من العمر 15 عاماً، يطير عائداً إليه في كل مرة يحاول بيعهم، “لا يريدون مغادرتي، بعتهم أكثر من 10 مرات ويعودون مرة تلو الأخرى.”

عندما دفع الخوف من انفلونزا الطيور الحكومة إلى الأمر بإعدام الحمام في مصر رفض كوكا أن يسمح للسلطات بأن تأخذ طيوره “جن جنوني وقلت أن أي أحد سيصعد إلى هنا سأطلق عليه النار ولحسن الحظ قالوا حسناً يمكنك الاحتفاظ بهم ولكن خذهم من البرج وخبأهم في مكان آخر” ولم تقتل حمامة واحدة.

الحيوانات الأخرى في الحي الذي يقيم فيه كوكا يربيها الناس من أجل اللبن واللحوم ويحتفظون بالماعز والخراف من أجل ذلك في غرف علوية مكدسين في الوحل، وتتلقى الكلاب والقطط الضالة قدراً أقل من الحب، لكن حمامات كوكا تحظى باحترام أكبر بشكل ملحوظ.

في برجهم المرتب تحظى كل حمامة بغرفة صغيرة خاصة بها فيما يشبه خزانة زرقاء كبيرة الحجم مليئة بالأدراج. ويقوم كوكا بتغذية الحمام وتنظيفه وإعطائه الدواء في أوقات معتادة كل يوم.

ويقوم وجدي بتدريب الحمام بدقة، حيث تتعلم كل حمامة يافعة كيف تعيش بعيداً عن والديها ثم تتعرف إلى تصميم البرج ثم في النهاية يسمح لها بالطيران مع بعض الحمام الأكبر سناً والذي يحلق فوق أسطح العمائر في المساء الباكر لساعتين أو ثلاثة.

يعلم كوكا الحمام أن يتبع صافراته وإشاراته وإشارات الحمامة الملكة التي تقود السرب. ولكن هذا المجهود ليس نابعاً من فراغ ، فوجدي يريد لحماماته أن تكون لائقة ومنضبطة لتستطيع التنافس مع الأسراب الأخرى في مسابقة محلية تعرف باسم “ناش.”

في إحدى نسخ هذه المسابقة يطلق زوج من المربين المتنافسين بعضاً من طيورهم كل من برج منافسه ، وباستخدام باقي الحمام يحاول كل منهم أن يوقع بطيور منافسه ويفوز بالسباق وغالباً بجائزة مالية أيضاً السرب الذي يعود بعدد أكبر من الحمام.

لكن ما يدفع كوكا للتنافس ليس المال بل التقدير حيث يقول “المهم في شأن المسابقات ليس الربح المادي بل اثبات الذات. أتنافس مع أناس في الخمسين من عمرهم وأكبر من ذلك وبالنسبة لهم أنا صغير جداً في عالم الحمام.”

يمكنك أن تعثر على مركز هذا العالم في أي جمعة في السوق الأسبوعي للحمام في مدينة الموتى في القاهرة، حيث تصطف أقفاص الطيور في شارع طويل يمتد وسط مقابر العاصمة القديمة.

مع وجود أنواع مختلطة من الحمام، يتنوع البشر في السوق أيضاً فبعضهم مربون فقط لا اهتمامات لديهم بالتسابق، وبعضهم مثل كوكا، وبعضهم يريد حماماً ينافس في سباقات سرعة منظمة على مسافة مئات الأميال وهؤلاء غير راضين عن المبتدئين مثل كوكا حيث يرون أن منافساتهم الغير رسمية تعد سرقة يتم تمجيدها.

ويوجد في السوق ترتيب معين يمكن أن تراه حيث يعرض الحمام الأرخص في بداية الشارع بأسعار تصل إلى 3 جنيهات إسترلينية (حوالي 35 جنيهاً مصرياً) في حين يعرض الحمام الثمين في مكان أبعد بالشارع.

أغلى الحمام يوجد لدى سيد الجزاوة الذي يربي الحمام منذ 55 عاماً وكانت تكلفة الحمام الذي اشتراه عام 1960 ما يساوي حالياً 50 بنساً (حوالي 6 جنيهات مصرية) والآن يبيع بعض طيوره بمبلغ يزيد على 300 جنيه استرليني (حوالي 3500 جنيه مصري.)

تستطيع أن تجني المال هنا إذا عرفت الطريقة وهو شيء يعتقد سيد، أكبر رجال السوق، أنه يجذب النوع الخطأ من الناس إلى عالم الحمام ويقول “الناس الكبار في السن الذين يحملون الشغف للحمام ماتوا. المربون الصغار الجدد لا يعاملون حمامهم بطريقة ملائمة.”

لكن الأمر ليس كذلك بالنسبة لحمامات كوكا التي يعاملها كعائلته. ويكسب كوكا قوته من تجارة الخردوات وينفق معظمها على الحمام حيث يكلفه سرب الحمام الذي يربيه 70 جنيه استرليني (حوالي 850 جنيه مصري) كل أسبوعين، وهو ما يساوي متوسط الأجور الشهرية في مصر، ومع ارتفاع أسعار الوقود والغذاء في البلاد سيرتفع هذا الرقم بصورة مرعبة.

لكن كوكا يقول إنه لا يستطيع التوقف عن الإنفاق “ما الذي يمكنني أن أفعله؟ أنا أحب الحمام” ويقول من عند برج الحمام “الحمام لا يعرف الخيانة .. لا يعرف كيف يخون صاحبه.”

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى