سياسة

هآرتس: كيف فقدت مصر سيناء قبل هجمات داعش؟

هآرتس: كيف فقدت الحكومات المصرية المتعاقبة سيناء قبل هجمات داعش بفترة طويلة

هآرتس – أنشيل فايفر – ترجمة: محمد الصباغ

تشابه الهجوم الذي وقع الأربعاء ضد عشرة أهداف عسكرية مصرية على الأٌقل بشمال سيناء، وشمل استخدام السيارات المفخخة، تشابه مع الهجمات الأخرى التي ينفذها تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا والعراق، والتي سمحت له بالاستيلاء على مناطق ومدن من الجيوش السورية والعراقية المحبطة والمفككة.

النقل الناجح لتلك التكتيكات إلى سيناء يعد ضربة قوية للجيش المصري الذي نظرياً يعد أكثر تنظيماً وعتاداً، ولم يكن ذلك مفاجئاً مع الوضع في الاعتبار أن الهجوم حدث في منطقة لم تعد القاهرة تتحكم فيها بالمعنى الحقيقي منذ فترة طويلة.

لشهور كان الدخول إلى شبه الجزيرة ممنوعاً على الصحفيين وخصوصاً الأجانب. يتم توقيفهم في نقاط تفتيش بالقرب من قناة السويس ثم يعودون إلى القاهرة. لكن الزيارات السابقة لسيناء التي حدثت بين ثورة 2011 والتوقيف الحالي للصحفيين، أظهرت بوضوح تعزيزات الجيش المصري العسكرية البارزة. (جاءت بعد موافقة من إسرائيل على زيادة القوات المسلحة عن الحد المسموح به في معاهدة السلام).

حل الجيش المصري لمواجهة تزايد النشاط الجهادي في سيناء كان محدوداً و تمثل في وضع أعداداً أكبر من نقاط التفتيش على طول الطريق الساحلي السريع الضيق. بينما القوات الخاصة المزودة بأسلحة أمريكية متقدمة نادراً ما تترك مراكزها في القاهرة. بدلاً من ذلك، يتم إرسال كتائب من المجندين الأميين مع دبابات APC من العصر السوفيتي عفا عليها الزمن إلى سيناء. يبقى الضباط في ثكنات المدينة، بينما الرقباء يقودون الكمائن الأمنية ليلاً متجمعين داخل دبابات ال APC.

تركز مصر معظم أنشطتها العسكرية على الطريق السريع الذي ينتهي مع معبر رفح على الحدود مع قطاع غزة، وذلك بسبب القيود المفروضة على الجيش وأيضاً عدم وجود أهداف جهادية واضحة. لأن الكثير من جهاديي سيناء ينتمون إلى القبائل البدوية (معززين بعناصر الإخوان المسلمين الذين غادروا المدن)، فهم يعرفون تضاريس الصحراء أفضل من الجيش ويستخدمون تلك الميزة لصالحهم. بعد بدء الهجمات، يتراجع الجهاديون سريعاً ويجدون لهم مأوى في الجبال أو الخيام البدوية. ولا تملك طائرات الجيش والمقاتلات أي قواعد للهجوم عليها.

وسواء  كانت تقارير وسائل الإعلام الأجنبية دقيقة أم لا عن أن الطائرات الإسرائيلية بدون طيار يسمح لها (أو يطلب  منها) الهجوم على بعض الأهداف في الأراضي تحت السيادة المصرية، توضح التقارير حقيقة أن الجيش المصري قلق من أن الطائرات لو حلقت على إرتفاع منخفض في سيناء فهناك خطر من أن يتم إصابتها بواسطة الجهاديين وصواريخهم.

يعود فشل الجيش المصري في السيطرة على سيناء إلى فبراير 2011  عقب الإطاحة بمبارك، ونجح الجهاديون في تكرار تفجير خط الغاز المتجه إلى إسرائيل والأردن. في البداية عزز الجيش من قواته في شبه الجزيرة من أجل تأمين شحئنات الغاز، لكن في كل مرة كان الجهاديون يفجرون جزءا مختلفا من الأنبوب.

سكان سيناء لم يروا أبداً  ولو جزءا صغيرا من أرباح تصدير الغاز. و ساحل سيناء المطل على البحر المتوسط مهمل. ومباني العريش ،المدينة الرئيسية، متهالكة، وحديقة الحيوان مهجورة كما أن فنادقها القليلة خاوية. قد يرى البعض  ذلك مفاجئاً، خصوصاً الإسرائيليين الذين يتذكرون الشواطئ الذهبية لمستوطنة ياميت في الفترة بعد 1967. في الواقع، الفشل المتتابع للحكومة المصرية في تطوير منطقة سيناء منذ الإخلاء الإسرائيلي في بداية الثمانينيات يدفع الآن ثمنه بدماء الجنود المصريين.

مما يضاعف الإهمال هو عدم وجود تجانس ووحدة بين سكان شمال سيناء. سكان المنطقة ينقسمون بين البدو الذين انتقلوا إلى مدن صغيرة على طول الساحل، والفلسطينيين الذين يعيش أغلبهم بالقرب من حدود غزة، والمصريون الذين وصلوا من مناطق أخرى من الدولة آملين أن الحكومة ستفي بوعودها بمشروعات جديدة. عادة، تذهب الوظائف القليلة إلى القادمين الجدد كهدية من المحافظين الذين تعينهم القاهرة. و من غير المدهش أن القليل من السكان فقط هم من يشعر بولاء للحكومة المركزية.

هو أمر كاف أن تنظر لأسفل من أبراج الحراسة بطول الحدود الإسرائيلية المصرية لتجد أن المباني على الجانب الفلسطيني من رفح، بالرغم من الوضع الاقتصادي السيئ في غزة، هي أكبر وأفضل في شكلها من أغلب المباني في رفح المصرية.

كان الاستثناء الوحيد هو ظهور عشرات من الفيلات الصغيرة على الجانب المصري المتهالك من رفح في السنوات الأخيرة، في إشارة واضحة إلى أنها غطت مداخل الأنفاق مؤدية إلى غزة. إلا أن التضييق المصري والإسرائيلي على اقتصاد التهريب، المصدر الرئيسي للدخل لآلاف العائلات في رفح وما ورائها، قد حطم هذا الاستثناء الوحيد للقاعدة.

لسنوات، توسلت إسرائيل والولايات المتحدة إلى مصر من أجل العمل ضد الأنفاق. ولم يكن لنظام مبارك اهتماماً في فعل ذلك وكذلك حكومة مرسي لم ترد أن تضر بعلاقاتها مع حماس. لم يفكر أحد في بديل اقتصاي للسكان المحليين. أرادت حكومة السيسي أن تزيد الضغط على حماس وكانت أول قيادة مصرية تتعامل بحزم مع الأنفاق وتدمر حوالي ألفين من المنازل بالقرب من الحدود، وتدمر المداخل بالإضافة إلى حفر خنادق عميقة. أصبح الآن هناك الآلاف دون الدخل الذي كانوا يحصلون عليه من تهريب أو ”استضافة“ نفق في قبو منزلهم.

أما الأنفاق القليلة العميقة الآن فتسيطر عليها حماس فقط وتستخدم من أجل الأسلحة والمقاتلين. الأيام التي شهدت ازدهارا اقتصاداً كاملاً اعتماداً على الأنفاق قد انتهت.

تراجع أعمال التهريب ليس فقط نتيجة لعمليات الجيش المصري. فالانتهاء من السياج الحدودي الصلب على الحدود الإسرائيلية مع مصر قد قطع تقريباً كل الجذور المتاحة للبدو الذين يعملون في تهريب السجائر والمخدرات، والنساء المتجهات من أوروبا الشرقية إلى العمل بتجارة الجنس في إسرائيل وأيضاً اللاجئين من الديكتاتورية العسكرية في إريتريا.

اقتصاد سيناء في أزمة عميقة. فالبدو الذين اعتادوا على الحركة بحريّة بين دولتين، والكثير منهم يتحدث العبرية بطلاقة من خلال سنوات عملهم الغير شرعي بإسرائيل، أصبحوا بلا وظائف.

وفي الجزء الآخر من شبه الجزيرة على ساحل البحر الأحمر يبقى الوضع هادئاً. على العكس من شمال سيناء ، تشهد المنطقة استثمارات حكومية، بفضل غير قليل لوجود فيلات مبارك وكبار مسؤوليه حول منتجع شرم الشيخ. هناك البدو الذين يعملون في الفنادق ويديرون قراهم السياحية الخاصة وينظمون الرحلات الجبلية لديهم رغبة في بقاء الجهاديين بعيداً.

و مع استمرار الفوضى في أنحاء أخرى من مصر، فحتى السياح ممن يملكون الجرأة –منهم الإسرائيليين الذين يتجاهلون تحذيرات الحكومة بعدم السفر- سوف يبتعدون عن مصر، كما أن رغبة بدو جنوب سيناء في الحفاظ على السلام ستنتهي.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى