سياسةمجتمع

سي إن إن تحاور أسرة “عصابة ريجيني”: سمعنا على الهاتف صوت الموت

سي إن إن: مقتل جوليو ريجيني يسحب عائلة مصرية إلى “شبكة الموت”

سي إن إن- سارة السرجاني

ترجمة- محمد الصباغ وفاطمة لطفي

كان الوقت ليلا حين رأت رشا طارق زوجها صلاح للمرة الأخيرة، وذكرت الزوجة لسي إن إن أنه استيقظ مع بزوغ فجر 24 مارس ليسافر إلى إحدى الضواحي الثرية بالعاصمة المصرية، للقيام بعمله كـ”نقاش”.

أضافت رشا أنه كان سيتجه إلى صعيد مصر بعد الانتهاء، لكنها شكّت في أن يكون على علاقة مع امرأة غيرها، فأرسلت شقيقها ووالدها وصديق للعائلة معه.

تحدثت مع زوجها أثناء توجهه مع البقية إلى مكان العمل عبر الهاتف، لكن مع حلول الثامنة صباحاً، توقف عن الإجابة على اتصالاتها، حاولت الاتصال بالآخرين معه لكنها لم تنجح في ذلك أيضاً، وتطلب الأمر أكثر من ساعة حتى رد شخص آخر عليها من هاتف زوجها.

قالت: “سمعت ضوضاء ولم أفهم شيئاً. اعتقدت أن المشكلة في الشبكة، انتظرت حتى سمعت صوت أخي سعد يتحدث لأحدهم (“أيوه يا باشا؟ حضرتك متضايق ليه، يا باشا؟ قولي بس عاوز إيه. والله العظيم هعمل اللي إنت عاوزه يا باشا”).

لم تر زوجها حيا مرة أخرى، ولا والدها أو أخاها، وتعتقد أن أخاها رد على الهاتف أثناء قيام قوات الأمن المصرية بقتلهم. وأضافت: “ما لم أدركه حينها هو أن صوت الضوضاء التي سمعتها كان صوت زوجي وهو يموت”.

قُتل كل من صلاح علي وسعد طارق وطارق عبد الفتاح ومعهم مصطفى بكر، هم على الترتيب زوج رشا وأخوها وأبوها، وصديق العائلة، قتلوا في صباح هذا اليوم مع شخص آخر لم يتعرف رجال الشرطة على هويته على الفور. بعد ذلك، تبين أنه ربما يكون سائق المركبة، ويدعى إبراهيم فاروق، وفقاً لما صرحت به عائلته.

وصرّح وزير الداخلية المصري في بيان رسمي بأن الرجال الخمسة خارجون عن القانون وقتلوا في تبادل لإطلاق النار مع قوات الشرطة.

لغز الطالب الإيطالي

ربما جذبت عملية القتل انتباه كثيرين بعيدا عن عائلة القتلى، لكن المسؤولين سريعا ربطوا بينهم وبين مقتل الشاب الإيطالي قبل ذلك التوقيت بشهرين. اختفى طالب جامعة كامبريدج، جوليو ريجيني، بالقاهرة يوم 25 يناير، ثم وجدت جثته في بدايات فبراير وعليها آثار ضرب وتعذيب.

تسبب الحادث في غضب بإيطاليا، حيث شكك المسؤولون هناك في التفسيرات المصرية المختلفة التي قدمتها حول مقتل الطالب الإيطالي.

وفي إحدى الروايات الرسمية، تورطت عائلة رشا في عملية القتل، بعد مقتل طارق ومن معه بـ7 أسابيع من قتل ريجيني، قالت السلطات إنهم متورطون في مقتل الطالب.

وأضافت السلطات أن لهم سجلاً إجرامياً كبيراً ومتخصصين في خطف وسرقة الأجانب، وكانوا ينتحلون صفة رجال شرطة للقيام بذلك.

وجدت الشرطة جواز سفر ريجيني وبطاقته الجامعية في شقة عمة رشا طارق، وفقاً لرواية السلطات، بالإضافة إلى بعض المحافظ المسروقة، والنظارات الشمسية والهواتف المحمولة وحقيبة حمراء مطبوع عليها العلم الإيطالي، وكان بالحقيبة أيضا بعض كارنيهات شرطة مزيفة.

صممت الزوجة وأقارب القتلى الآخرين على أن لا علاقة لهم باختفاء ريجيني، وقالت إنها تعتقد بأن السلطات “زرعت” جواز سفر ريجيني في منزل عمّتها.

كما وصفت الادعاءات بخطف الأجانب بأنها سخيفة وقالت إن زوجها وشقيقها لا يستطيعان القراءة أو الكتابة، ولا يقدران على التحدث بلغة ثانية للتواصل مع الأجانب.

كيف قُتل جوليو ريجيني؟

سافر ريجيني، 28 عاماً، إلى القاهرة لإجراء رسالة الدكتوراه حول نقابات العمال المصرية، وفقاً لزملائه وأصدقائه في جامعة كامبريدج، اختفى أثناء ذهابه للاحتفال بالذكرى الخامسة لـ25 يناير، التي كانت بداية الانتفاضة التي أنهت حكم الرئيس حسني مبارك.

ونشرت الشرطة الآلاف من رجالها في الشوارع لمنع أي تظاهرات في ذلك اليوم.

وجدت جثة ريجيني بعدها بتسعة أيام على أطراف العاصمة الغربية، مع آثار تعذيب غير إنساني وعنف حيواني، وفقاً لوزير الداخلية الإيطالي.

لا يوجد أي بيان رسمي مصري حول سبب مقتل ريجيني، لكن السلطات المحلية قدّمت سيناريوهات عديدة ومختلفة.

في اليوم الذي وجدت فيه جثة ريجيني، قال ضابط الشرطة الذي يقود التحقيقات حاليا إن الأمر كان عبارة عن حادث سيارة، ورفض أول من أسند إليه عملية التحقيق أن يعطي تفسيراً فورياً، بينما تساءل الصحفيون والمراقبون عما إذا كان الأمن المصري متورطاً في القضية.

لكن وزير الداخلية المصري، مجدي عبد الغفار، قال إن السلطات لم تحتجز ريجيني قط. ثم ذكرت جريدة الوفد اليومية لاحقا أن مصدراً أمنياً -لم يذكروا اسمه- قد زعم أن الطالب الإيطالي هو جاسوس يعمل لصالح بريطانيا.

تبادل لإطلاق النار أم شيء آخر؟

أقرت رشا طارق بأن زوجها ووالدها وصديق العائلة الذي كان معهم، يمتلكون جميعا سجلا إجراميا، وتعتقد بأن ذلك ما جعلهم هدفاً سهلاً من جانب الشرطة.

واعترفت بأنهم أدينوا بانتحال صفة رجال شرطة، لكن ذلك بسبب اكتشافهم محفظة تحتوي على كارنيه لرجل شرطة، وأضافت أنهم لم يستخدموه مطلقاً، لكنهم اتهموا بالجريمة حينما ألقي القبض عليهم بأحد الكمائن وهو بحوزتهم، وأكدت أيضاً على أن زوجها وصديق العائلة قد أدينا من قبل بحيازة مواد مخدرة، لكنها عادت وقالت بغض النظر عن ماضيهما فهما لا يستحقان هذا المصير.

وتساءلت “حتى لو اقتحما الكمين وقاما بفعل خاطئ، فمن يعطيك الحق لقتلهما بتلك الطريقة؟”.

قال وزير الداخلية إن الرجال قتلوا في تبادل لإطلاق النار، حيث بدؤوا بإطلاق النار على الشرطة بأحد الكمائن بالتجمع الخامس.

ونشرت وسائل الإعلام المحلية ما أسموه بصور القتلى والسيارة التي يستقلونها، وأظهرت الصور جثتين لرجلين داخل ميكروباص، والكراسي كأنها بركة دماء، وزجاج السيارة الأمامي مصاب بأعيرة نارية.

لكن لم تُظهر المواد المصورة التي أذيعت الأسلحة المستخدمة أو الأضرار التي حلّت بمركبات الشرطة كما جاء بالبيانات الرسمية، وقالت عائلة رشا طارق إن أقاربهم لم يكونوا مسلحين.

تفاصيل معتمة.. وحالات قتل مُروعة

قال أحد مسؤولي الحكومة رفيع المستوى ممن تحدثوا لـ”سي إن إن” إنه ربما لم يكن هناك تبادل إطلاق نار.

لكن قال المسؤول “ربما لم يتمكنوا من إطلاق النار لكن فقط سحبوا أسلحتهم، حيث لا يجب على أفراد الشرطة الانتظار حتى يبدأ المجرمون بإطلاق النار، وعليهم أن يتصرفوا ويصوبوا السلاح نحوهم أولًا، لأن من سيطلق النار أولًا سيقتل الآخر، كما رفض أن يقدم تفاصيل كاملة عن الاشتباك المزعوم أو وقت حدوثه بالتحديد”.

أثار نقص المعلومات عند رشا عدة أسئلة، بما في ذلك إذا ما كان الرجال يحاولون الهروب من رجال الشرطة.

قالت رشا متحدثًا ببلاغة للسلطات: “إذا هربوا منك، ربما كان عليك أن تطلق النار على السيارة من الخلف،  ليس من الأمام. كما كان يمكنك أن تطلق على إطارات السيارة، حيث سيكونون مجبرين على أن يتوقفوا أو تتعطل السيارة، إذا كان الأمر كما تدعي السلطات، بأنهم أطلقوا النار على الشرطة”.

فقط سامح، الأخ الأكبر لطارق ذو 21 عامًا، سُمح له برؤية الجثامين في المشرحة، قال إنه غاب عن الوعي بمجرد خروجه، وإن معظم الأجساد كانت فيها جروح بأعيرة نارية في الكاحل، والده كان مصابا برصاصتين في الرأس والبطن، وأخوه برصاصة  في الرأس.

قال سامح: “أصيب زوج أختي صلاح برصاصة شقت هذا الجزء”، مشيرًا إلى الجانب الأيسر من رأسه، “الأمر نفسه حدث مع السائق، نصف وجهه انشطر تمامًا”. هذا الحديث يتوافق مع إفادة عائلة السائق حول ما رأوه في المشرحة.

لم تستطع سي إن إن الحصول على تقرير التشريح الرسمي، قال محامي العائلة إنه كان أمرًا صعبًا أن تحصل على أي وثائق، بما في ذلك سجلات المجرمين، منذ تولي الأمن الوطني هذه القضية.

تساؤلات حول الأدلة

 

بعد يومين من إطلاق النار على الرجلين، قللت الشرطة المصرية من الرواية المزعومة حول  تورط عائلة طارق بحالة جوليو ريجيني.

قال المتحدث الرسمي لوزارة الداخلية، أبو بكر عبدالكريم للتليفزيون المحلي: “لا يوجد شيء في البيانات التي قدمناها يربط هؤلاء الخمسة بجريمة الطالب الإيطالي، نحن فقط قلنا إنه حدث تغيّر في سير التحقيقات”، جاء هذا بعد ادعاء إيجاد متعلقات الطالب اليطالي الشخصية في منزل رشا، عمة طارق.

تم القبض على العمة، وزوجها ووالدة طارق وعمه في نفس اليوم. قال أقرباؤهم إنهم ما زالوا محتجزين، ولم يتم توجيه أي تهم بالقتل بعد.

قال طارق إن عمته يمكن أن تفسر إيجاد الأشياء التي زعمت الشرطة إيجادها في الشقة.

ودخل طارق من على هاتفها الخلوي إلى الصور، وأشارت إلى محفظة مزركشة مع كلمة “محبتي” وقالت إنها لوالدتها.

قالت إن النظارة هي لأخيها الأصغر سامح، أما الهاتف والسماعات فكانت لأخيها الراحل سعد، والشنطة ذات اللون الأحمر هي أيضًا لهما.

وقالت إن المحفظة ذات اللون البني، هي لزوجها الراحل، كانت معه عندما رحل يوم 24 مارس.

قال طارق: “فوجئت أنه كانت هناك أشياء أخرى. هذا يثبت لي أن ضابط الشرطة هو من جلب معه متعلقات ريجيني الشخصية معهم عند قيامهم بتفتيش الشقة.

لم تجب وزارة الداخلية المصرية عن أسئلة سي إن إن حول اتهامات طارق للشرطة.

غضب دولي

مر الكثير قبل أن تتحدث زوجة طارق “رشا”، وباقي أفراد عائلة القتلى علنًا ويتحدون رواية الشرطة، المحققون الإيطاليون استبعدوا فكرة أن هؤلاء الرجال اختطفوا ريجيني وقتلوه.

وعند تحدثهم إلى وكالة الأنباء الإيطالية (أنسا)، قالوا إن تعذيب الضحية لا يتسق مع مجرمين يبحثون فقط عن فدية. والعصابة لن تود أن تترك دليلا يثير الشبهة،  بالإضافة إلى “ليس من المعقول تصديق أن عصابة بأكملها مكونة من مختطفين مزعومين ستقتلهم الشرطة كلهم، حيث يلغون أي احتمالية لفهم الأمر والحصول على أي أقوال أو إفادة من أي منهم”.

“القصة ملائمة جدًا للحكومة، وجيدة للغاية لتبدو حقيقية”، قال محمد لطفي، المدير التنفيذي في المفوضية المصرية للحقوق والحريات.

قتل الخمسة أفراد هو آخر حلقة ملتوية في رواية معقدة وضعت القاهرة في مأزق مع إيطاليا، والمملكة المتحدة والبرلمان الأوروبي.

يطالب والدا ريجيني بكشف تفاصيل عن إطلاق النار المزعوم “المسعى الأخير للسلطات المصرية في التغطية على قتل ريجيني”. قال عدد من المراقبين إن سيناريو الاختطاف غير قابل للتصديق.

طالب نقاد أن يعرفوا إذا ما كانت مصر تبذل جهدها للتحقيق بالفعل في القتل وإذا ما كانت قوات الأمن التي تتعرض لإدانات كثيرة متورطة في الجريمة.

السلطات المصرية، بما فيها رئيس البلاد نفسه نفوا ذلك.

قال الرئيس عبدالفتاح السيسي إن قوات الأمن المصري ليست متورطة في الجريمة، وأكد أن “قوى الشر” من وسائل الإعلام المصرية ووسائل التواصل الاجتماعي هي أبرز من ادعى تورط الأمن لتجعل الحكومة المصرية تظهر بشكل سيئ.

ولكن تأكيد مصر أن السلطات تجري تحقيقات شفافة لم يقلل من حدة الانتقادات.

ورغم تراجع مصر عن رواية تورط الرجال المزعومين في القتل، لم يفعل هذا أي شيء للتخفيف مما أصبح أزمة دبلوماسية.

وقال بيير فرديناندو كاسيني رئيس لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان الإيطاليا إن: “الرد الذي استجابت به مصر كان متباينًا ومتناقضًا وغرضه الوحيد إضاعة الوقت”.

كما طالب وزارة الخارجية البريطانية بـ”تحقيقات كاملة وشفافة” في جريمة مقتل ريجيني، موضحة أنها صعدت القضية مع المسؤولين المصريين في لندن والقاهرة.

وقالت الخارجية البريطانية في بيان لها: “نحن قلقون للغاية حول بلاغات تقول إن ريجيني تعرض للتعذيب حتى الموت”.

استمرار الخلاف الدبلوماسي

استياء إيطاليا من التحقيقات المصرية مستمر منذ أكثر من شهرين.

سحبت روما سفيرها من القاهرة في أوائل شهر إبريل بعد أن وصل اللقاء بين المحققين من الجانب المصري والإيطالي إلى طريق مسدود.

ورفضت مصر أن تعطي المسؤولين الإيطاليين تسجيلات هاتف ريجيني في المنطقة التي عاش فيها ريجيني وحيث وُجدت جثته، قائلين إن هذا فعل غير دستوري وتعدّ على الخصوصية.

في مارس، استشهد البرلمان الأوروبي بمقتل ريجيني ضمن قرار انتقد سجل حقوق الإنسان في مصر.

رفض مصر لهذا 

قالت وزارة الخارجية ردا على ما أطلقت عليه “تدخلا في شؤون البلاد” إن إدراج جريمة قتل ريجيني كجزء من قرار يرصد حقوق الإنسان في مصر، يحمل تلميحات غير مقبولة ويستبق التحقيقات الجارية.

لكن ريجيني ليس الوحيد الذي اختفى في القاهرة وتحول ليصبح ضحية للتعذيب والعنف.

أشار محمد لطفي، المدير التنفيذي في المفوضية المصرية لحقوق والحريات، إلى أن هناك 554 حالة اختفاء قسري، وثقتها المنظمة التي يعمل فيها على مدى الثمانية أشهر الماضية. كثير من هذه الاختفاءات يظهر ضحاياها في السجون تحمل أبدانهم علامات تعذيب وهناك من وُجدوا مقتولين.

وأضاف لطفي أن لدى أجهزة الأمن المصري سجلا حافلا من الانتهاكات مشابهة لما حدث لريجيني.

وثق مركز النديم لتأهيل ضحايا العنف التعذيب وحده 328 حالة قتل على يد الشرطة في عام 2015، بما فيها 175 صنفت أنها حالات تصفية. المصطلح الذي غالبًا ما تستخدمه السلطات لوصف قتل المشتبه به خلال مداهمات من الشرطة أو مواجهات معها.

والدة لثلاثة أبناء يعيشن في منطقة ذات كثافة سكانية عالية، وذات دخل منخفض في حي المرج، لم يسمع أبدًا طارق بريجيني حتى أصبح لهم علاقة بهذه القضية.

يخشى طارق الاعتقال والقتل بعيدًا عن بيته. هي غاضبة  لكن ما زالت متماسكة، فقط  يهزم هذا التماسك دموع تذرفها عند تذكرها اللحظة التي عرفت فيها عن مقتل من تحبهم وكيف عنفوا وتهكموا من ابنها بعد ذلك في المدرسة.

تكمل قائلة: “يقولون له: والدك قاتل”. والدك رجل مُخادع، والده لم يكن كذلك”، وتكمل قائلة: “هو ليس فقط لم يقتلهم، لكنهم يطعنون فيهم ويجعلون حياة أطفالهم مستحيلة”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى