مجتمع

سيكولوجي توداي: لماذا نميل إلى نظرية المؤامرة حول حادث الطائرة المصرية؟

سيكولوجي توداي: لماذا نميل إلى نظرية المؤامرة حول حادث الطائرة المصرية؟

سيكولوجي توداي: أصداء المؤامرة حول الطائرة المنكوبة

كلما ازداد عدم اليقين والتحيز تتجه عقولنا نحو نظريات المؤامرة

سيكولوجي توداي- روب بروزرتون

ترجمة- محمد الصباغ

اختفت رحلة (MS804) التابعة لشركة مصر للطيران في يوم 19 مايو الجاري، من على شاشات الرادار قبل نصف ساعة فقط من هبوطها في القاهرة. وحتى كتابة هذه السطور، لا يزال سبب تحطم تلك الطائرة غير معلوم، لكن على العكس من حالة الطائرة الماليزية MH370، والتي انحرفت عن خط سيرها واختفت في مارس 2014، تم اكتشاف أجزاء من حطام طائرة مصر للطيران. ونأمل في العثور على الصندوق الأسود الذي قد يكشف عن سبب تلك المأساة.

ومثل الطائرة الماليزية، ظهرت سريعًا نظريات المؤامرة، حيث أصبحت كل حكومات في الشرق الأوسط لها يد في هذا الحادث، بالإضافة إلى رئيسة الولايات المتحدة المحتملة هيلاري كلينتون، كما أشير إلى أنه قد مر ”804“ أيام على حادث الطائرة الماليزية MH370. ومع اكتشاف إشارات حول وجود حريق على متن الطائرة، طالب وزير الطيران المدني المصري، شريف فتحي، بعدم التعجل والقفز سريعًا إلى تبني نظريات المؤامرة. الحريق قد يشير إلى أن إما أن يكون قنبلة أو عطلا فنيا.

وعندما يحدث أمر كهذا، نواجه سؤالًا بسيطًا وهامًا: هل كان حادثًا، أم تعمد شخص ما فعل ذلك؟

وتظهر الأبحاث النفسية أن عقولنا تبتعد عن الحيادية عند البحث عن إجابة لهذا السؤال.

وللتوضيح، أقتطع دقيقة ونصف الدقيقة من وقتك وتابع هذا الفيديو. ربما لا تدرك فورًا علاقته بكوارث الطائرات، لكن تحملني قليلًا وستضح الأمور.

هذا المقطع من دراسة علم نفس كلاسيكية، نشرت عام 1944، أجراها فريتز هيدر وطالبته ماريان سيمل. عملا بصعوبة على هذا الفيديو باستخدام أجزاء من ورق مقوّى وبدآ في تحريكها، لقطة تلو الأخرى. ثم عرضا الفيلم على 34 طالبًا دون أي شرح، وطلبا منهم وصف ما رأوه.

قال أحد المشاركين إنه رأى ثلاثة أشكال تتحرك في أنحاء الشاشة، لا أكثر. ووصف الأمر بعبارة موجزة: ”مثلث كبير يدخل مستطيلا.. الآخر، مثلث صغير ودائرة يظهران في المشهد. تدخل الدائرة المستطيل“ وهكذا. أما الطلاب الـ33 الآخرين، لم يروا فقط أن ثلاثة أشكال تتحرك بل ثلاث شخصيات رمزية تتفاعل مع بعضها البعض، تتعامل وفقًا لشخصيتها الفريدة، ودوافعها ورغباتها واحتياجاتها. رأى بعضهم أطفال تلعب، والبعض الآخر رأى شجارا بين محبين.. من الصعب أن لا ترى قصة في الأمر.

لنكن واضحين، لا أعني أننا مخطئون في رؤية أشكال صغيرة كهذه. في النهاية، حركة الأشكال ليست عشوائية، تم تصميم حركاتها بعناية لتمثل حركات متعمدة. وفي بحثهما، وصف هيدر وسيمل الحركة في المشهد بأنها تجسد قصة وتصرفات بشرية منها المطاردات، ومشاهد العراك، ونهاية تجسد ذروة الأحداث.

القصد هنا هو أننا باستمرار نبحث عن إشارات على “النوايا” في العالم من حولنا، ونتجه إلى أدنى تلميح من تصرف متعمد ثم نستبق الأمور بشكل كبير. تستطيع عقولنا أن تستحضر الشخصيات والدوافع، الأبطال والأشرار، حتى مع متابعتنا فقط لفيلم رسوم متحركة بدائي لمثلثين ودائرة تتحرك جميعها حول مستطيل.

وبشأن الطائرة المنكوبة ونظريات المؤامرة حولها، يمكن أن يساعدنا هذا الفيلم الذي وصل عمره إلى 70 عامًا.

فخلال تجربة حديثة لكيرن دوجلاس وزملائه، تابع مئات قليلة من الناس فيديو هيدر وسيمل. وبدلًا من أن يطلبوا منهم أن يصفوا ما تابعوه بلا تقييدات، طلب الباحثون من المتابعين أن يقيّموا فكرة أن يكون هذا الفيلم وتحركات الأشكال به هادفة أو متعمدة. وفي استطلاع غير مرتبط ظاهريًا، قيّم كل شخص مدى وجود نظرية المؤامرة. وكلما كانت إجاباتهم لها علاقة بالأمر رأى شخص ما الأشكال كإنسان حي، وزادت احتمالية إيمانهم بنظرية المؤامرة.

كما قدمت دراستان حديثتان أخريان دليلا على أن انحيازاتنا الداخلية تدفعنا نحو نظرية المؤامرة. فاستخدم جان فان دير تمبل وجيمس ألكوك استبيانا بسيطا وطلبا من المشاركين تخيل 18 حدثًا افتراضيًا يحدث لهم. على سبيل المثال (صخرة تسقط من مكان مرتفع وتصيبك.) وتم تقييم تلك الإجابات حسب ما إذا كان الحدث ”لا هدف منه“ أم ”بشكل واضح له هدف“.

في النهاية، قمت وكريس فرينش، أستاذ بجولد سميث في جامعة لندن، بدعوة بعض الأشخاص لقراءة عبارات غامضة، كل عبارة منها تصف شيئًا ما حدث عن عمد أو بالصدفة، مثل (الفتاة ثقبت البالون. أو ركلت الكلب). وطلبنا من المشاركين وصف ما جاء بعقولهم عند قراءة كل جملة، ثم أحصينا عدد العبارات التي وجدوها أفعال متعمدة.

تشير هذه الدراسات جميعها إلى أن جزءا من تقبُّل نظريات المؤامرة، ربما يكون بسبب الطريقة التي تصل إلى عقولنا وتقبلها لفكرة التعمّد في كل شيء. يبدو منطقيا أنه كلما انغمسنا في التحيز صار تقبلنا لنظريات المؤامرة أكبر. نظرية المؤامرة تفترض التعمُّد من خلال تعريفها، ففي نظريات المؤامرة لا شيء يحدث بالصدفة.

تبقى الحقيقة حول طائرة مصر للطيران بعيدة، ونأمل أن يتم الكشف عن سبب الحطام قريبًا. ربما تسببت أعطال فنية في هذه المأساة، ربما كان هناك سوء تعامل مع الأمر. لكن ما دام طالت فترة عدم التأكد فليس من المفاجئ أن تبدأ عقولنا في الاتجاه إلى فكرة التعمُّد، وهناك خيط رفيع بينها وبين المؤامرة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى