سياسة

سجون 5 نجوم للمتهمين بالإرهاب في السعودية

واشنطن بوست: جناح فاخر للزيارات الزوجية  في سجن “الحاير” شديد الحراسة

واشنطن بوست – كيفن سوليفان – ترجمة: محمد الصباغ

بعيداً عن الأسلحة الآلية وأبراج الحراسة، فإن سجن “الحاير” شديد الحراسة يبدو تقريبا كفندق،  وخاصة الجناح المخصص للزيارات الزوجية. خلف بوابة معدنية ثقيلة ملونة قضبانها باللون القرمزي المبهج، تمتد سجادة حمراء بطول الردهة. وفي  كل زنزانة خاصة من الـ 38 يوجد سرير كبير وثلاجة مع جهاز تليفزيون و حمّام.

وفي هذا المكان، بجانب ماكينة النقود الآلية، يمكن للسجناء المتزوجين أن يقضوا من ثلاث إلى خمس ساعات مع زوجاتهم على الأقل مرة في الشهر، مع ملاءات سرير نظيفة وشاي وحلوى على منضدة بجوارهم.

يتواجد في هذا السجن حوالي 1100 سجين درجة خطورتهم عالية وجميعهم سجنوا باتهامات تتعلق بالإرهاب. وسجن “الحاير” الواقع على بعض أميال قليلة جنوب الرياض هو الأكبر بين خمسة سجون شديدة التأمين تم تأسيسهم في العقد الأخير للتعامل مع التهديدات الإرهابية المتزايدة بداية من القاعدة ومؤخراً الدولة الإسلامية.

كانت السجون السعودية لوقت طويل بعيدة عن أنظار الصحفيين ومراقبي منظمات حقوق الإنسان. لكن مسئولين رسميين قالوا إن وزير الداخلية، محمد بن نايف، نائب ولي العهد، أمر بالسماح للصحفيين بالزيارة آملاً في أن يجهض ذلك مزاعم منظمات حقوق الإنسان بأن السعودية تعذب السجناء. قادني بعد ظهر يوم الأحد مأمور السجن محمد الأحمد، في زيارة داخل سجن الحاير.و قال لي ”لا نملك شيئاً لنخفيه، أشر إلى أي مبني أو أي زنزانة. يمكنك أن ترى أي شئ”.

كنت قادراً لمدة ست ساعات على تحديد مسار جولتي وكان المأمور يصحبني بسعادة إلى أي مكان أريده. رأينا الزنازين، والمستشفى، وزنازين الحبس الإنفرادي الفصول وأيضاً مناطق الترفيه. ولم يقل أبداً على شئ أنه غير مسموح به، ورغم ذلك كان غير مسموح لي بالتقاط الصور.

بدأنا كالعادة في السعودية بكوب من الشاي وشاهدنا عرضاً بـ”الباوربوينت” يشرح استراتيجية الحكومة بتوفير امتيازات للسجناء بدلاً من احتجازهم في أماكن قاسية مثل ما يحدث بمعتقل جوانتانامو.

ترعى الحكومة السعودية أهالي السجناء جيداً، وتوفر لهم الأموال لشراء الطعام ومصروفات الدراسة، كما تدفع ثمن نفقات الطيران و الإقامة عند الزيارة ويحدث ذلك أيضاً للمسجونين الأجانب الذين تعيش عائلاتهم بالخارج. ويسمح للكثير من السجناء، الذين لم يسجنوا بتهمة القتل، بحضور جنازات وأفراح أفراد عائلاتهم المقربين وذلك بمصاحبة حراسة، ويتم إعطائهم ما قيمته 2600 دولار لشراء هدية زواج.

من زيارة لمركز تأهيل للإسلاميين بالسعودية ..http://www.tuxboard.com/prison-terroristes-arabie-saoudite/prison-luxe-terroriste-al-qaida/?uta_source

بعد العرض، ذهبنا لزيارة المكان المخصص للقاء العائلات، وهو فندق داخل السجن يستخدم لمكافأة المسجونين أصحاب السلوك الجيد. يحتوي الفندق على 18 جناحاً واسعاً يمكن أن يستوعب تسعة أفراد من العائلة وبالفندق الكثير من الورود وبوفيه معد جيداً وأيضاً ملعب للأطفال.

و قال مسئولون إن الحكومة أنفقت 35 مليون دولار على تلك الإمتيازات. ويقول مأمور السجن: ”ليس لأن شخصا ما مجرم سنعاقب عائلته أيضاً. فاستراتيجيتنا هي أن نرعى هؤلاء الأشخاص ليصبح المجتمع أفضل. هذا ما علمنا الإسلام“.

3500 سجين يمكثون في خمسة سجون سعودية شديدة الحراسة، وأغلبهم أدين بجرائم مرتبطة بالإرهاب منها هجمات للقاعدة وقعت داخل المملكة قبل بزوغ نجم تنظيم الدولة الإسلامية العام الماضي.

يقول اللواء منصور تركي، المتحدث باسم وزارة الداخلية القوية التى تدير السجون الخمسة بواسطة الشرطة السرية “المباحث”، إن رعاية عائلات السجناء هو جزء من استراتيجية المملكة لإعادة تأهيل المتطرفين.

تمتلك السعودية برنامجاً طويلاً يوضع فيه المدانين بأعمال عدائية إرهابية ضمن برنامج تعليمي وديني دقيق تم إعداده لمحاولة تعديل أفكارهم و سلوكهم. بدأ السجناء في الخمسة سجون شديدة الحراسة بدورات مكثفة لمدة شهور في السجون. وعند إنتهاء مدة عقوبتهم يتم نقلهم إلى اثنين من أكبر مراكز التأهيل الموجودة في الرياض وجدة لعمل دراسات إضافية.

ويضيف تركي: ”لو خسرنا هؤلاء المسجونين وهم في السجون سيخرجون أكثر تطرفاً“، وبتشجيع عائلاتهم سوف يساعدنا ذلك في التأكد من أنهم ”لن يسقطوا في أيدي الإرهابيين“.

وأكد تركي أيضاً أن حوالي 20% من الذين مروا ببرنامج إعادة التأهيل عادوا إلى ممارسات مرتبطة بالإرهاب. ويعتقد ناشطون حقوقيون أن نسبة الفشل أكبر مما تعترف به السعودية رسمياً.

وتوجه عادة انتقادات إلى السعودية بأنها تدعم أو على الأقل أغنياء سعوديون يدعمون المتطرفين الإسلاميين منتهجي العنف، وأيضاً أن تركيز الحكومة على برنامج إعادة التأهيل يمثل تعاطفاً مع الإرهابيين.

ويرد مسئولون رسميون من المملكة أن السعودية تعد أكثر دولة مهددة من تنظيم الدولة بعد سوريا والعراق. ويضيفون أن نهجهم تجاه المتطرفين المدانين أكثر برجماتية وتأثيراً من إلقائهم في السجون ببساطة لعقود والأمل في أن أصدقائهم وعائلاتهم لن يصبحوا متطرفين.

يقول بروس هوفمان، مدير مركز الدراسات الأمنية، بجامعة جورج تاون: ”لا أعتقد أن رد فعلنا الطبيعي يجب أن يكون معارضة تلك البرامج. لن نستطيع إعادة تأهيلهم المتشددين المتعصبين، لكن الحل الذي يقول بأن جميعهم متشابهين ويجب أن نسجنهم جميعاً بعيداً للأبد غير مؤثر أيضاً”.

ويضيف هوفمان أن 20% كمعدل للعودة للجريمة هو أفضل من 70% أو 75%، وهو معدل جرائم العنف في الولايات المتحدة. ويؤكد أن السجون بدون مراكز تأهيل قد تصبح ”جامعات للإرهاب“ التي تحول المجرمين العاديين إلى متشددين. وقال أيضاً إن السجناء الذين تم إثنائهم عن التفكير المتشدد قد يكونوا مصدراً لمعلومات قيمة حول المجموعات الإرهابية. ويضيف: ”مثل تلك البرامج يمكن أن تكون شديدة التأثير”.

و لنكن أكثر وضوحاً، المملكة العربية السعودية تمتلك سجلاً فقيراً في مجال حقوق الإنسان وحقيقة أنه لم يتم تعذيب أي من السجناء أمامي ليس دليلاً على عدم حدوث ذلك.

حسب وزارة الخارجية الأمريكية ومنظمات حقوق الإنسان، تمارس السعودية الحبس التعسفي، ومزاعم التعذيب منتشرة. وأعدمت المملكة 79 شخصاً بقطع رؤوسهم  في 2013، وتطبيقها المتطرف للشريعة مازال يسمح بعقوبات من العصور الوسطى مثل بتر الأعضاء ورجم الزناة.

ومؤخراً، قضت المحاكم السعودية بحبس المدون رائف بدوي عشر سنوات وجلده ألف جلدة أمام العامة ، وكان رائف قد تساءل عن هيمنة السلطات الدينية السعودية على الحياة اليومية. وقد دانت منظمات حقوق الإنسان هذه العقوبة ووصفتها بالبربرية.

زعمت منظمة “هيومان رايتس ووتش” وآخرين أن حكومة المملكة استخدمت قوانينها الصارمة ضد الإرهاب لحبس المئات من الأشخاص لفترات غير محددة، وأحياناً فقط بسبب انتقادهم للحكومة، وأدين آخرون في محاكمات سرية وغير عادلة.

ودانوا أيضاً السجون السعودية بسبب الإزدحام وأنها أماكن خطيرة لكن تلك المزاعم عادة تكون قلقة من نظام السجن بالنسبة لمن تم إدانتهم بجرائم ليست متعلقة بالإرهاب. تدير الحكومة السعودية حوالي عشرين سجناً محلياً، وهو عدد يساوي تقريباً عدد السجون في ولاية أمريكية. وتدير أيضاً حوالي 90 قسم احتجاز مثل سجون مدينة أمريكية. تتضمن تلك الأماكن حوالي 50 ألف سجين وتقريباً نصفهم من الأجانب.

ونقلت تقارير حقوقية عمليات عنف بين السجناء وحالات يقوم فيها حراس السجن بتعريض السجناء إلى أضواء شديدة وموسيقى مزعجة ودرجات حرارة باردة مع حبسهم إنفرادياً لفترات طويلة.

ونفى المتحدث باسم الداخلية تلك المزاعم. وقال إن أكثر من 11,500 شخصاً قد قضوا مدتهم في الخمسة سجون شديدة الحراسة منذ 2003 ومنهم 8 آلاف تم إطلاق سراحهم. ويضيف: ”هل رأيتهم يقولون أمام العامة أنه تم تعذيبهم؟ هناك الآلاف و الآلاف من السجناء. فلو كنا نعذب الناس كانوا سيقولون ذلك”.

ومع استمرار جولتي داخل سجن “الحاير”، قادني مأمور السجن إلى ساحة كبيرة في المبنى الرئيس للسجن، حيث مررنا من خلال أبواب معدنية ضخمة وعبرنا عبر كاشف المعادن ومررنا أيضاً ببوابتين حديديتين. وسألني: ”ماذا تريد أن ترى؟“

اخترت ردهة بشكل عشوائي، وأمر هو الحراس بفتح البوابة. كانت مساحة الردهة على الأقل 50 ياردة، مع رسومات لصحراء معلقة على الجدران بين أبواب الزنازين. وفي منتصف الطريق، اخترت زنزانة عشوائية وطلبت أن أتحاور مع السجناء بالداخل. ظهر ستة من الشباب المندهشين في منتصف العشرينيات يرتدون ملابس السجن الرمادية وقاموا بتحيتي.

كانت الزنزانة مشابهة لما رأيته بعد ذلك، فكانت عبارة عن مكعب طولة 20 قدما وعرضه 20 قدما أيضاً وهو نفس ارتفاع السقف. وكانت هناك أربع نوافذ في أعلى الحائط تملأ الزنزانة بالضوء الطبيعي.

كان الرجال الستة يجلسون على وسائد ويشاهدون تلفزيونا معلقا على الحائط، والأرضية مفروشة بسجاد. الحجرة كانت بسيطة لكن نظيفة، مع حمام كبير ومساحة للاستحمام. و كانت علب البسكويت والحلوي مع بعض الفاكهة كالتفاح والموز معلقين على الحائط.

أخبرني سجين شاب يدعى فهد أنه كان ينتظر محاكمته في قضية إرهاب. وقال إنه سافر إلى سوريا العام الماضي للإلتحاق بتنظيم الدولة الإسلامية لأنه كان يريد القتال ضد الرئيس السوري بشار الأسد. وأضاف: ”عندما وصلت هناك، لم يكن الأمر كما أخبرونا عنه”.

وقال الشاب البالغ 25 عاماً إن الدولة الإسلامية لم تكن تقاتل الأسد بل قاتلت ضد مجموعات معارضة أخرى. وأضاف أن مسلحي تنظيم الدولة أخذوا جواز سفره، لكن بعد شهرين، استطاع الهرب والوصول إلى السفارة السعودية في أنقرة بتركيا. وهناك قام بتسليم نفسه، وأعيد إلى الرياض وأرسل إلى سجن “الحاير”. ويضيف: ”نحن لسنا سعداء لوجودنا في السجن، لكننا في ظروف جيدة هنا”. مع وجود مأمور السجن، ماذا يمكن أن يقول الشاب غير ذلك؟ مازلت متشككاً.

واتصلت بسيفاك كيشيشيان، باحث في منظمة العفو الدولية، وأخبرني أن مزاعم سوء المعاملة والتعذيب في السجون السعودية منتشرة. وأضاف أن المعاملة الجافة تحدث غالباً في السجون المحلية المزدحمة، لكنه قال أيضاً إن التعذيب قد يحدث في السجون ذات المظهر الجيد عندما لا يفتش أحد.

تحدثت أيضاً مع “جاري هيل”، الذي يعمل في الاتحاد الدولي للإصلاحيات والسجون (ICPA) وهي منظمة غير ربحية تابعة بالأمم المتحدة. وزار هيل خلال عمله السجون في 80 دولة.

وقال هيل، من نبراسكا، إنه زار المملكة العربية السعودية منذ 20 عاماً لمساعدة المسؤولين السعوديين على تصميم برامج تدريب للعاملين في السجون. وحين أخبرته عما رأيت في سجن “الحاير” قال: ”لم يفاجئني ذلك على الإطلاق”. وأضاف: ”يتم معاملة السجناء بشكل جيد، هذا هو دينهم. من خلال تعاملاتي عبر السنين، هم يؤمنون بذلك و يفعلونه”.

لم يزر كل من هيل وكيشيشيان أي من السجون السعودية من قبل. لذلك رتبت لمكالمة تليفونية مع محمد القحطاني، الإقتصادي السعودي الذي سجن لعشر سنوات بسبب انتقاده للحكومة في 2013. ويقضي القحطاني مدة حبسه في سجن عام قريب من الحاير.

وقال القحطاني إن الكثير من عائلات السجناء يتلقون أموالا من إدارة السجن، من ضمنهم عائلته التى تعيش حالياً في أمريكا، لكنهم رفضوا المال بسبب مبدأهم.

و أضاف أنه مسموح له بالجرائد والكتب والتليفزيون، وأيضاً مكالمات يومية مع عائلته. وقال أيضاً إن العديد من رفقائه السجناء تم إدانتهم بجرائم عنف أو تجارة مخدرات، وقال إن هناك عنف منتظم بين السجناء. وأتم حديثه قائلاً إن أحد السجناء أقدم على الإنتحار عقب حبسه انفرادياً لأكثر من شهر.

ويشعر القحطاني بالغضب بسبب حبسه لتعبيره عن رأيه، لكنه قال إنه لا يملك أي شكاوى خطيرة ضد ظروف حبسه. ويقول”الأمر ليس سيئاً”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى