مجتمع

سمانثا عادل: أفتحُ القلوب في الصباح وأعزف الطبول في المساء

سمانثا عادل جراحة قلب وعازفة درامز

سمانثا عادل في غرفة الجراحة
سمانثا عادل في غرفةجراحة القلب

زحمة

كتبت وصوّرت: فاطمة لطفي

“اللحظة التي أخرج فيها من غرفة الرعاية، إلى الممر الذي يضم أهل المريض الذي على وشك أن يرحل، أقف ولا أستطيع أن أخطو خطوة أخرى، أقترب حتى أتمكن من رؤيتهم لأجدهم يضحكون، أو ياكلون، وأنا بخطوة واحدة سأسلب منهم الأمل،  وأطلب منه أن يودعوا شخصًا يحبونه، وأن يروه للمرة الأخيرة. أقول لنفسي امنحيهم دقائق أخرى، ثم حين تنتهي الدقائق أمدها بأخرى، إحساس سيئ أن تشاهدي اللحظات الأولى للوجع على وجه الناس، حيث لا تجميل ولا تماسك، وحيث أنتِ عاجزة تمامًا”.

تبدو حياة مُرهقة وشاقة على المستوى النفسي والبدني، لكن لا يختار مهنة كهذه إلا مُحب حقيقي وشخص قادر على تكريس حياته للآخرين، كما أن ليس سهلًا أن تجد جرّاحة امرأة، ليس سهلًا أيضًا أن تجدها تجمع ذلك بموهبة أخرى نادرة أيضًا، وهي “عزف الطبول .. Drums

سمانثا عادل، الجراحة ذات الثلاثين عامًا التي اختارت قسمًا صعبًا للغاية، حذرها الجميع من أن جراحة القلب ليست سهلة وتستلزم جهدًا وإلتزامًا كاملاً، لكن وقوعها في حب الجراحة ساعدها أن تسلك طريقها بثقة، تبدأ حديثها وتقول:” أحببت جراحة القلب منذ اليوم الأول التي شاهدت فيه  Heart beats ، الجراحة شكل من أشكال الفن، تحتاج إلى موهبة وتركيز ومهارة، شأنها شأن الموسيقى، يجب أن تحبها كي تنجح فيها

احتاجت سمانثا مُتنفسًا ما بعيدًا عن ضغوط المستشفى اليومية،  فاختارت الموسيقى، تروي لنا حكايتها مع الموسيقى: ” في البداية تعلمت البيانو، ثم مللت الأمر، وقررت أن أتعلم “لعب الدرمز” بحثت فترة طويلة أثناء الجامعة ولم أجد، حتى مرت سنوات، وشجعني أخي أن أبحث مجددًا، ووجدت مكانًا وفرحت للغاية، هو مركز فنون للموسيقى والفن التشكيلي، ورغم أني كنت أظن الأمر صعبًا في بدايته، حيث الموسيقى من الأشياء التي تستلزم أن يبدأها المرء في سن صغير،  لكن وجدتني أتحسن سريعًا، كما أستعد لحفلة عما قريب”.

في بروفة الموسيقي
في بروفة الموسيقي


ساهم بشكل كبير في استمرار ونجاح سمانثا تشجيع ودعم عائلتها:”
أنا محظوظة بعائلتي، حيث ربانا أبي أن الولد زي البنت، كلاهما عليه واجبات وله حقوق، كما أنهم بعدما شاهدوني أعزف جيدًا سعدوا بي للغاية”.

ربما ليس مألوفًا أن نرى امرأة تلعب آلة إيقاعية “كالدرامز”،  خاصة لو كان في بلد عربي، يرى تامر عصام, عازف طبول، وأحد مؤسسي مركز “فنون” أن ربما كان الرجال أكثر تحملًا للتعب الذهني والعضلي الذي يصاحب عزف الآلآت الإيقاعية، لكن يعود ويؤكد :” البنات مجتهدات للغاية، وأحيانًا أكثر مهارة من الولاد، ونسبتهن تعادل الثلث في المركز، كما أن إلتزامهن ملحوظ عن الولاد، رغم عدم امتلاك معظمهن لألة في المنزل”.

ترسم سمانثا خطوط عالمها الموسيقي الذي يجلب إليها الطمأنينة والسلام النفسي الذي تنشده بعد أيام عمل طويلة مليئة بالضغوط والمشاعر السلبية.. تصف ذلك وتقول:” يجعلني عزف الطبول أكثر حياة وحرية، أرى آلة “الدرامز” مخلوق صامت غامض، ألمسه بعصايا السحرية، لينبع من داخلي كل السحر والنور والمحبة الممكنة لاحتمال الحياة”.

s3
تعتذر سامنثا أحيانا عن التدريب بسبب الجراحات

تعتذر سمانثا في أحيان عن درس الموسيقى بسبب ازدحام جدولها بالعمليات, :” في البداية كانت الأجازة المُتاحة هي يوم ونص في الأسبوع، وباقٍ الأيام نقضيها مبيت في المستشفى، تقول:” أكثر ما يوجع في الأمر، أنه في حالة مرض فرد من عائلتك لن تستطيع التواجد بقربه، فعليك أن تكون بقرب مرضى آخرين تركهم أهاليهم أمانة عندك،  وعليك بمرور الوقت تجاوز إحساس الذنب لكونك غائب على الدوام عن من تحبهم”.

حملت الجدران التي عاشت بينها سمانثا لسنوات حكايات كثيرة عاشتها، تروي حكاية “: أمل”، المريضة التي دخلت غرفة العمليات وحدها، تقول :” كانت أمل مُصابة “بثقب بين الأذينين”، ورغم أن العملية كانت عادية إلا أنها تحمل خطر عمليات القلب المفتوح في العموم، بعد أن جهزناها للتخدير، ظهر شاب ثلاثيني يطلب مقابلتي، خرجت إليه فوجدته يسألني بخوف” هي مدام أمل دخلت العمليات”؟ أجبته بنعم فطلب مني أن يرها، أخبرته أنها بدأت التخدير”، فجأة  انفجر في البكاء، وقفت عاجزة أمامه”.. تكمل سامنثا:” أخذت رقم هاتفه وجعلتها تحدثه من غرفة العمليات، جاء صوتها حنونًا،” متزعلش يا حبيبي أنا مش زعلانة منك أنا مقدرة ظروفك، متقلقش أنا هاشوفك آخر النهار بعد العملية ما تخلص”.. تقول سمانثا كان هذا أقصى ما يمككني فعله وقتها”.

لم تخرج أمل، حيث توفيت في غرفة العمليات، تروي سمانثا كيف جعلها هذا الموقف تفعل ما بوسعها إذا مرت بشئ مُشابه، ” حتى لا نحرمهم من الوداع الأخير”.

الموسيقى والجراحة يعتمدان كلاهما على مهارات اليد
الموسيقى والجراحة يعتمدان كلاهما على مهارات اليد

تود أن تنهي حديثها معنا بحكاية شريف، ذو 13 عامًا، بعد أن خرج من العمليات للرعاية كانت أقصى أمنياته أن يقضي العيد مع إخوته وأصدقائه في المنزل، تقول سمانثا” لكن حالته لم تكن تسمح لهذا”، وكان حزينًا ومُكتئبًا للغاية، فقررنا أن نجلب العيد إليه، أحضرنا زينة وبالونات ملونة وعلقناها في غرفة العناية أمامه، كان مندهشا ولم يصدق، جلبنا له أصدقائه وإخوته، شغلنا أغاني العيد وأحضرنا حلويات، وقمنا بدعوة كل طاقم المستشفى، العاملين والممرضات والأطباء، وحتى الأهالي والمرضى الذي اضطرتهم الظروف أن يقضوا العيد في المستشفى، كان شريف سعيدًا جدًا بهذا اليوم، وتحسنت حالته بسرعة وخرج بعد أيام”.. تكمل سمانثا:” رأيته بعد سنوات، كان في الثانوية العامة وأخبرني أنه يريد أن يكون طبيبًا”.

في غرفة الطبيبات بالمستشفى
في غرفة الطبيبات بالمستشفى

 هذه الحكايات والمشاهد المؤلم منها والمفرح، جعلت من سمانثا تذهب إلى الكتابة أيضًا:” في المنزل قبل عودتي إليهم، أحاول تفريغ ما بداخلي من مشاعر سلبية، هؤلاء من نغيب عنهم لأيام ينتظرون عودتنا سالمين ومهيئين لللإستماع إليهم، لرعايتهم، للضحك معهم، بشكل عام أن تعود لتمارس حياتك العادية برفقتهم، هذه الممارسات العادية جدًا تستلزم أن ألا أظهر تأثير ما أشاهده في عملي أمامهم”. لم تتوقف الكتابة عند حد الخواطر فقط، لكن نشرت سمانثا كتابا بعنوان: “ذات حنين” يحوي خواطر وقصص قصيرة.

سمانثا توقع كتابها في معرض الكتاب بفبراير الماضي

“الموسيقى والكتابة هما إمتداد ليدي”،  تفعل سمانثا ما بوسعها لجعل الحياة مُحتملة من خلال خلق عالم جميل، تنسجه من خيوط الحكايات الإنسانية التي كما تؤلمها تلهمها أيضًا في نفس الوقت.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى