سياسة

“زوّارة” الليبية.. جنّة اللاجئين قبل السفر

دويتش فيله: مدينة ذات أغلبية أمازيغية توفر ملاذا آمنا للاجئين رغم الصراع المسلح في ليبيا

zwuara

دويتش فيله – كارلوس زوروتزا – ترجمة: محمد الصباغ

سليمان وأحمد ومعهما رسول ليسوا مصابين بنقص المناعة المكتسبة. هكذا تقول الشهادات الطبية المعلقة على مدخل مطعمهم الصغير بوسط مدينة زوارة الليبية. جاء الإخوة النابلسيين من جربة التونسية بعد الزلزال السياسي الذي ضرب المنطقة بأكملها عام 2011. أجبرهم انهيار السياحة في بلادهم على نقل أعمالهم إلى الخارج، والذي أعيد افتتاحه على هذا الجانب من الحدود منذ عامين. جربة على بعد ساعتين بالسيارة، ولذلك زوارة لا تبدو غربية أو أجنبية بالنسبة لهم.

قال سليمان لدويتش فيله: ”انتقل الكثير من التونسيين إلى طرابلس بحثاً وظائف بعد الثورة، لكننا فضلنا البقاء هنا لأن جميع هنا من الأمازيغ مثلنا“.

يطلق عليهم أيضاً البربر، والأمازيغ هم السكان الأصليين لشمال إفريقيا، وينتشرون من المحيط الأطلنطي في المغرب غرباً إلى ضفاف النيل شرقاً.

تقع مدينة زوارة على بعد مائة كيلو متر غرب طرابلس الليبية، ويقطنها 50 ألف نسمة، وهي الجزء الأمازيغي الوحيد على الساحل الليبي. قطعت مليشيا معارضة اليوم الطريق الذي يربط المدينة بطرابلس، وهو نفس ما حدث على الطريق الذي يؤدي إلى جبل نفوسة –معقل الأمازيغ القوي في ليبيا.

بعد 4 سنوات من سقوط القذافي، هناك حكومتان في ليبيا؛ الأولى في طرابلس والأخرى في طبرق، ألف كيلومتر غرب العاصمة. وتنتشر الفوضى في أنحاء البلاد، لكن الأخوة النابلسيين لم يقرروا الرحيل بعد. يقول سليمان: ”لا توجد منطقة أكثر أمناً من تلك في ليبيا. لو ساءت الأمور دائماً أمامنا خيار الاتجاه غرباً وعبور الحدود“.

السلام في ليبيا

هناك بالتأكيد شعور بأن الحياة تسير بشكل طبيعي في تلك المدينة، حيث المقاهي تنتشر بشكل كبير. كان من الممكن أن تلتهم زوارة الأنقاض وبقايا الحطام لولا عمل فريق التنظيف. فمع الزي البرتقالي يبدو أن عمامة الطوارق المميزة أصبحت جزء من الملابس الرسمية لعمال النظافة بزوارة. خلال العام الماضي، وصل الكثير من الطوارق قادمين من المناطق النائية في الجنوب هاربين من الحرب مع قبائل التبو –من شعوب الصحراء الكبرى- بعد قرون من التعايش السلمي في الصحراء الكبرى.

جاء عيسى شابود من أوباري، منطقة يقطنها الطوارق جنوب ليبيا، في ديسمبر. ويبدو الرجل البالغ 71 عاماً بعيد كل البعد عن التقاعد.

قال عيسى لدويتش فيله: ”فقدت منزلي وتقريباً كل ما أملك في الحرب الدائرة في الجنوب. أخبرني أحدهم أن زوارة مدينة تنعم بالسلام، لذا لم أفكر في الأمر كثيراً“.

فيما قال إبراهيم عطوشي، العامل بالهلال الأحمر ورئيس لجنة الطوارئ بمنظمة غير حكومية، إن حوالي 3 آلاف عامل أجنبي مسجلين في المدينة، وأضاف: ”هم تونس، ونيجيريا، ومالي وجامبيا… ولم يأتوا فقط من إفريقيا بل هناك من قدم من بلاد بعيدة كباكستان وبنجلاديش.. نعلم أعدادهم لأننا نجري اختبارات طبية لهم“.

غير مسجلين

عدد لا يحصى من الجداريات التي تخلد ذكرى من رحلوا خلال حرب 2011 في زوارة وبالتحديد في ميدان الشهداء. إلى الغرب مسافة 200 متر، عشرات الأفراد على الطريق يقفزون نحو شاحنات توقفت من أجلهم. هم تونسيون أيضاً ومعهم اخرين من نيجيريا ومالي وجامبيا، وبنجلاديش.

لا يمتلكون شهادة طبية، وبالتالي لا وجود معهم لتصريح عمل. ينتظرون من الفجر حت وقت متأخر من الليل فرصة عمل في مجال البناء، ويعيشون في منازل متداعية وبعيدة عن الأعين.

وافق أحدهم على الحديث بشرط عدم الإفصاح عن اسمه، عمره 26 عاماً من نيجيريا وقال إنه فقد والديه وأحد أشقائه في الحرب ضد بوكو حرام. ثم غادر نيجيريا، لكن الكابوس لم ينته بعد. قال: ”ألقت إحدى المجموعات المسلحة القبض على في طرابلس وأعطوني هاتفاً للاتصال بعائلتي. كان علي أن أخبر خالتي أنهم سيقتلونني لو لم يحصلوا على 500 دولار“. ويكمل حديثه قائلاً، بعد شهر وصلت النقود، لكن تم إطلاق سراحه فقط ليقبضوا عليه مرة أخرى.

وأشار إلى اللاجئين قائلاً ”هؤلاء الذين لا يستطيعون دفع الأموال يقتلون أو يتم بيعهم كعبيد“. وقال الكثيرون ممن تحدثنا معهم إنهم مروا بتجارب مماثلة، لكن كل تلك الانتهاكات كانت بعيدة عن زوارة.

يقول أمين 21 عاماً من جامبيا: ”حياتنا هنا مازالت بائسة لكننا لا نجرؤ على الحديث معك في منتصف الطريق في أي مكان آخر بليبيا“.

يمكن أن يجمع أمين في يوم عمل جيد قرابة 15 دينارا ليبيا أي 5 دولارات. وبمبلغ يصل إلى 600 دولار سيكون قادراً على الصعود على متن قارب متجه إلى أوروبا. قام 600 ألف شخص بتلك الرحلة هذا العام، وأكثر من ضعف هذا الرقم حاولوا في 2014، فيما أطلق عليه أكبر عملية هجرة منذ الحرب العالمية الثانية.

مع ذلك لن يكون أمين قادراً على القيام بتلك الرحلة، مع قيام كتيبة محلية بزوارة بتفكيك شبكة المهربين بالمدينة منذ ثلاثة أشهر. يتساءل أمين: ”هل تستطيع إخباري من أين يغادرون الآن؟“ ومسح وجهه الذي مازال مليئاً بالغبار وأكمل: ”هل يمكنك إخبارنا إلى أين نذهب؟“

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى