سياسةمجتمع

روبرت فيسك: قاعدة اللجوء الأولى..لاتكن مسلمًا

فيسك: نتعامل الآن مع اللاجىء على حسب عرقه ودينه والغرض من رحلته

refugees

الاندبندينت – روبرت فيسك –  ترجمة مريم كمال

نحن الآن نتعامل مع اللاجيء حسب عرقه، ودينه، والغرض من رحلته. لا نعامله كإنسان.

عاش أمريكيو القرن التاسع عشر على أرض آمنة عندما نقشوا كلمات “ايما لازاروس” على تمثال الحرية والتي تقول: “اعطني حشودك المُتجمعة، المُتعبة، الفقيرة ، التّواقة إلى التنفس بحرية”.

وكبلد جديد نسبياً يسعى إلى أن يصبح أكبر، احتاجت الولايات المتحدة إلى فقراء أوروبا الأيرلنديين، ويهود روسيا، ولم يُطرح سؤال يشير إلى الأيرلندي “الفقير” باعتباره “مهاجر اقتصادي” أو لليهودي “الباحث عن الحرية” باعتباره ” ساع لحق اللجوء السياسي” أو “مهاجر سياسي” هارب من إبادة روسيا القيصرية.

خلال العقود التالية، افترض العالم كله أن “الحشود المجتمعة التواقة إلى الحرية” سوف تعود بسلام إلى أرضها الأصلية، وهكذا قررت الولايات المتحدة وباقي الدول “المسيحية” أنه يجب أن يعود الناجون من مذبحة إبادة الأرمن إلى موطنهم “غرب أرمينيا” ( الأناضولي العثماني). ولذلك فقد تلكأ المئات من الناجين من المذبحة مفضلين الوقوف على حافة تركيا على أمل بأن يقوم المنتصرون في الحرب العالمية الأولى بإعادتهم إلى أرضهم بعد أن تكون قد تخلصت من وصاية الأترك العثمانيين القتلة.

كانت منظمة الشرق الأدنى الأمريكية هي أول منظمة إنسانية من نوعها ساهمت –من خلال جمعها ملايين الدولارات داخل الولايات المتحدة – في إنقاذ حياة أعداد لا تُحصى من اللاجئين الأرمن – خاصة الأيتام- المبعثرين في أنحاء العالم العربي.

ظهر الآن الكتاب المؤثر لأستاذ حقوق الإنسان بجامعة كاليفورنيا كيث واتينبو Keith Watenpaugh، الذي درس تاريخ الإنسانية في الشرق الأوسط من خلال ملفات عصبة الأمم، التي سبقت إنشاء الأمم المتحدة. وبعد سنوات من حرب ( 1914- 1918)، تخلى المجتمع الدولي عن “حق العودة” للأرمن. كما ركز كيث واتينبو في أبحاثه على ما يعرف بـ”دار إنقاذ حلب” – مركز انشأته عصبة الأمم لمساعدة الأرمن الفارين من مذابح العثمانيين – الذي كتبت مسئولته الدنماركية Karen Jeppe في العام 1922: “يمتلك الأرمن هدية رائعة فهم قادرون على خلق الخبز من الحجارة”. وهي مقولة مأخوذة عن “انجيل متى” – الإصحاح الرابع، وتفترض بها أن لدى الأرمن مرونة وقدرة على التعايش تجعلهم قادرين على صنع المعجزات.

وبحسب واتينبوفإن كتابه قد ُكتب وقت انحدار الشرق الأوسط الحديث نحو الكارثة الإنسانية التي كانت في درجتها من المعاناة وعدم الاكتراث الدولي، تساوي ما حدث خلال وبعد الحرب العالمية الأولى.

إلى أى مدى يبدو الكاتب محقا. بالطبع، تغير العالم. وأمريكيو القرن التاسع عشر الذين رحبوا بيهود روسيا كانوا أقل رغبة في إيواء اليهود من ضحايا هتلر. وقبل الحرب العالمية الثانية – فعلوا مثلما فعلت دول أوروبا- أشاحوا بوجوههم عنهم. وبعد الهولوكوست أصروا على أنه يجب على اليهود الناجين أن يعودوا إلى وطنهم الحقيقي في فلسطين بدلا من الاستقرار في الولايات المتحدة.

انهارت السلطة البريطانية في فلسطين، وهو وضع ساهم في خلق 750 ألف لاجيء عربي فلسطيني. وقد مثّل وجودهم “الحالي” هم وذريتهم كارثة إنسانية، لكن وفي مكان ما فإن تاريخ هذا “الحالي” قد انتهى وبدأت فضيحة جديدة في الظهور.

فقد أشار واتينبو إلى أنه مع تصدع الحاضر في الشرق الأوسط ، فقد توجه اللاجئون المسيحيون من العراق وسوريا ومصر – مثل الأرمن الذين توجهوا إلى أمريكا وأوروبا في العشرينيات- إلى دول مسيحية. لكن معظم لاجئي اليوم مسلمين يهربون إلى مسلمين مثلهم لكنهم لا يلقون نفس المعاملة الكريمة.

لقد تجولت في معسكرات هؤلاء اللاجئين في لبنان وسط القذارة والمرض، وتحدثت مع أمهات فقدن أطفالهن. رأيتهم الأسبوع الماضي بالمئات يتوافدون نحو حدود “مقدونيا” مع “اليونان”، يتصببون عرقاً، ويُضربون بواسطة رجال حرس الحدود، أثناء محاولاتهم الدخول إلى وسط أوروبا. وهم أقوياء، ولديهم عزيمة لكن يبدو أنهم ليسوا كالأرمن القادرين على “خلق الخبز من الحجارة”.

منح الأمريكيون أكراد العراق “ملاذاً آمناً” خلال العام 1991 بعدما ثار الأكراد ضد نظام صدام حسين بإيعاز أمريكي، لكن لم يعد هناك المزيد من الملاجيء الآمنة؛ إذ كفى ما حدث أثناء الإحتفال بالذكرى العشرين لمذبحة سربرنيتشا دليلا. وبينما نحن ننقذ الناس من الغرق في مياه المتوسط فإننا في الحقيقة لا نريدهم، ولكن لماذا؟

أخشى أن أقول أننا لا نريدهم لأنهم “مسلمون” وليسوا “مسيحيين” أو “غربيين”، كما نحب أن نلقب أنفسنا هذه الأيام.

لا تستطيع منظمات الإغاثة التابعة للأمم المتحدة أو “أطباء بلا حدود” أو “الصليب الأحمر” أو “أوكسفام” أو غيرها أن تمنحنا أملاً في تقديم الحماية للهجرة الجماعية الجديدة من الشرق الأوسط المُتَفتّت؛ فالإنسانية الدولية لا تستطيع التغلب على السيادة الوطنية.

وماذا إذا انهارت اليونان، ماذا نفعل مع ملايين اللاجئين اليونانيين إذا وقفوا على حافة قارتنا الأوروبية المنكمشة؟ هل نعاملهم باحتقار كما فعل وزراء الإتحاد الأوروبي أم نسمح لهم بدخول أرضنا لأنهم مسيحيون وليسوا مسلمين؟

نحن الآن نتعامل مع اللاجيء على أساس عرقه ودينه والغرض من هجرته، لا نعامله على أنه إنسان وبهذا فنحن نخون كل أدياننا وكل ثقافاتنا.

حتى الآن لم أتلق إجابة على المُعضلة الأخلاقية التي نعيشها اليوم.

ولكن هذا نص البيان المشترك لمؤتمر عام 1927 الذي عقد بدعم الولايات المتحدة، والذي تم خلاله الإعتراف بأن المساعدة الدولية تدار بانحياز للمسيحيين ضد المسلمين بعد انهيار الشرق الأوسط الأول: “الناس في هذا المجال يمتلكون أموالا أقل وبرامجا سياسية حكيمة وضعها رجل دولة، أكثر من مبالغ ضخمة لأهداف لم تتم دراستها بعناية”.

إن الأهم في هذا البيان هو التصرف كـ “رجل دولة”؛ إذ استطاع لاجئو الشرق الأوسط أن يجدوا هذا الرجل بعد الحرب العالمية، رجل يهتم بالفقراء والحشود التواقة للحرية ، رجل منح الإلهام بعمل ملف للسفر الدولي للاجئين ، اعترفت به 54 دولة كما في حالة مواطني روسيا (روسيين، وبولنديين ،وأوكرانيين ولاتفيين، وأتراك مسلمين) و 38 دولة كما في ملف الأرمن.

مكتشف القطبين، نسينا اسمه اليوم ، وربما نسينا أنه حاصل على جائزة نوبل ، رجل يدعى ” فريتيوف نانسين”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى