ثقافة و فنمنوعات

أليس..خارج بلاد العجائب ..القصة الكاملة

 

كيف تحولت الطفلة أليس ليديل إلى “أليس في بلاد العجائب”؟

 

أليس في بلاد العجائب، كما قد تعرف، مستوحاة من واقع شخصية حقيقية ونزهة صيف: ولكن كيف تحول عالم رياضيات تقليدي اسمه تشارلز دودجسون إلى لويس كارول ذائع الصيت ومؤلف أكثر كتب الأطفال شهرة- وكيف استطاعت “أليس ليديل” أن تدلف إلى بلاد العجائب التي لا يعرف مكانها أحد؟
كتبت – ريم الدفراوي


حكاية على قارب

قبل مئة وخمسين عاما، في 4 يوليو 1862، كان عالم الرياضيات الإنجليزي الشاب تشارلز دودجسون، والمعروف باسم لويس كارول، على متن قارب مع مجموعة صغيرة في طريقهم من “أكسفورد” إلى بلدة مجاورة لتناول الشاي على ضفة النهر. كانت

المجموعة تضم كارول، وصديقه القس “روبنسون داكويرث”، بالإضافة إلى ثلاث فتيات (إديث وعمرها ثمانية، أليس في سن العاشرة، ولورينا في الثالثة عشر) كن شقيقات أحد أصدقاء كارول المقربين ويدعى “هنري ليديل”. وعدنما بدأت الصغيرات في التململ، شرع “دودجسون/كارول” يقصّ عليهن ما كان من أمر فتاة مغامرة تتجول في عالم سحري غريب الأطوار. وأختار
“دودجسون” لبطلة القصة اسم “أليس”.
بعد أن فرغ “دودجسون” من الحكاية، طلبت إليه أليس الحقيقية أن يكتب لها قصة أليس العجيبة لتحتفظ بها. ووفقا ل”داكويرث”، فقد ظل “دودجسون” مستيقظا طوال الليل يرسم الخطوط العريضة للقصة. وفي وقت لاحق، قام “دودجسون” بإضافة بعض المغامرات التي كان قد حاكها في مناسبات أخرى. وسمّى المخطوطة “مغامرات أليس تحت الأرض”، وذلك قبل أن يتم تغيير الاسم إلى “أليس في بلاد العجائب” عند النشر، وقدّمها ل”ليديل” كهدية  عيد الميلاد في 26 نوفمبر 1864.

 

alica55
أليس ليديل بعدسة لويس كارول – 1860

 

 

علاقة “أليس” و”لويس”

كانت العلاقة بين “ليديل” و”دودجسون” مصدرا للكثير من الجدل. ويفترض العديد من النقاد أن “دودجسون” كان منجذبا إلى أليس جنسيا، ولكن ليس هناك دليل قطعي على ذلك، ومن المرجح أن تعلقه بأليس كان ضربا من ضروب المحبة الأفلاطونية.
في الحقيقية أن كارول كان كثيرا ما يتخّذ من الأطفال أصدقاءا وكان مصورا شغوفا، فكان يلتقط العديد من الصور لصديقاته الصغيرات، وفي بعض الأحيان كان يصورهن عرايا. وكان كارول يحتفظ بتلك الصور العارية في ظرف أغلقه بإحكام وكتب عليه “Honi Suit” وهي نسخة مختصرة من العبارة التقليدية الفرنسية “Honi Suit Qui Mal y Pense ” (أي، “عار على كل من يفكر في ذلك بسوء”.) (1)

 

صحيح أن كارول أحب الفتيات الصغيرات. أو كما كتب ذات مرة: “أنا مغرم بالأطفال (باستثناء الأولاد).” (2)، و القرن الواحد والعشرين، لا يمكن أن ينظر أحد بعين العطف إلى رجل أعزب يفتتن بفتاة في السابعة من عمرها. وقد اتهمته ناشطات نسويات في أكثر من مناسبة بالإنحراف الجنسي وأدانوا الصور التي التقطها بدعوى أن “دودجسون” قام بتشيئ أجساد القاصرات.
وعندما عرضت بعض من تلك الصور في عام 1999، نقل أحد محرري “نيويورك تايمز” عن فلاديمير نابوكوف (الذي كان قد ترجم “أليس في بلاد العجائب” إلى الروسية) قوله أن هناك “تقاربا مثيرا للشفقة” بين المصور (دودجسون) والراوي عاشق الأطفال من رواية نابوكوف “لوليتا”. (3)

التقط “دودجسون” ما يقرب من 3000 صورة خلال حياته. كانت صور الأطفال تزيد قليلا عن نصف هذا الرقم ومنها حوالي 30 صورة لفتيات عارية أو شبه عارية. بعضا من صوره، حتى تلك التي لا عري فيها، قد تعتبر صادمة بمقاييس اليوم، ولكن التصوير الفوتوغرافي للأطفال في كنف الثقافة الفكتورية كان ينظر إليه بطريقة مختلفة حيث كان جسد الطفل العاري رمزا للبراءة. وعلاوة على ذلك، فلم يكن “كارول” يلتقط تلك الصور إلا بعد حصوله على موافقة أهل الفتيات.

ومع ذلك، فحين قام ابن شقيق دودجسون واسمه “ستيوارت كولينجوود” بكتابة سيرة خاله، خصص فصلين كاملين للحديث عن صديقات “دودجسون” الصغيرات. وفي الوقت الذي أشارت فيه تلك السيرة إلى معانقة “دودجسون” للفتيات القاصرات وتقبيلهن بشكل متكرر، أغفل “كولينوود” إلى حد كبير صداقات “دودجسون” العديدة مع نساء بالغات. (4)

وبين الدفاع والهجوم، استمرت الإدعاءات حول علاقة “كارول” -الذي لم يتزوج قط- ببطلة قصته الأشهر في التردد والانتشار لعقود من الزمن.
ختام العلاقة بين “لويس” و”أليس”
كان والد “أليس” عميد كلية “كنيسة المسيح” وهي أكبر كليات جامعة “أوكسفورد” حيث أتم دودجسون دراسته ثم عيّن مدرسا للرياضيات. وقد ساعد هذا على توطد العلاقة بين “دودجسون” وعائلة “أليس” لسنوات حتّى انقطعت بشكل غامض في صيف عام  1863عندما كانت أليس في الحادية عشرة. ويظل سبب هذه الفُرقة غير معروف، وقد تم تمزيّق بضع صفحات من مذكرات “دودجسون” يُعتَقد أنها كانت تصف ملابسات انتهاء علاقته بعائلة “أليس”، ولم يُعرَف أبدا من قام بنزع تلك الصفحات. ولم ترد “أليس” في مذكرات “دودجسون”  حتى الشتاء التالي. وفي مايو 1865، أشار “دودجسون” في مذكراته إلى أن “أليس” قد كبرت وأن صديقة أحلامه “قد ودّعت الطفولة وودعت معها صداقتهم الخالية من أي تعقيد..” (5)
وقد برزت العديد من التكهنات حول السبب وراء اختفاء الصفحات المذكورة من مذكرات “لويس”، منها أن أحد أقارب “لويس” قام بعد وفاته -حرصا على سمعة العائلة- بتمزيق تلك الصفحات ليخفي ما كان فيها عن تقدم “دودجسون” للزواج من “أليس ليدل” البالغة من العمر 11 عاما. ومع ذلك، ليست هناك أية أدلة قاطعة بهذا الشأن.
بعض التفسيرات الأخرى تقول بأن الصفحات تحوي كلام “السيدة ليديل” عن القيل والقال الذي أًثير حول علاقة مزعومة بين “دودجسون” ومربية العائلة، فضلا عن إدعاءات أخرى عن علاقة جمعت لويس ب”لورينا ليديل”، أخت “أليس” الكبرى. المثير للدهشة هنا أن عدد كبير من التفسيرات يشير إلى أن قطيعة “لويس” مع العائلة لم تكن ل”أليس” علاقة بها على الإطلاق.

alice11
أليس في بلاد العجائب بريشة توفي يانسون – 1966

إشارات إلى “أليس ليديل” في “بلاد العجائب”
يظل من الصعب تحديد إلى أي حد تشبه “أليس” الحقيقية نظيرتها الورقية. فالشخصيتان –بوضوح شديد- مختلفتان من حيث المظهر، ورسومات “دودجسون” نفسه للشخصية في المخطوطة الأصلية (تلك التي أهداها لأليس) تُظهِر بوضوح اختلافا في المظهر. وعلى الرغم من أن الجميع يفترض أن “أليس” الخيالية استمدت وجودها من “أليس ليديل”،إلا أن “دودجسون” أدّعى في سنوات لاحقة أن “أليس” شخصية وهمية تماما وليست مستوحاة من أي طفل حقيقي على الإطلاق.
ورغم ذلك، فهناك على الأقل ثلاث إشارات مباشرة ل”أليس ليديل” في كتابيّ “دودجسون”: “أليس في بلاد العجائب” و”عبر المرآة” الذي كُتب تكملةً ل”بلاد العجائب” حيث تبدأ قصته بعد ستة أشهر من الكتاب الأول. أول إشارة هي أن أحداث القصتين تقع في الرابع من آيار (عيد ميلاد ليدل) والرابع من تشرين الثاني (نصف-عيد “ليدل” و”نصف العيد” هو تاريخ مرور ستة أشهر منذ عيد ميلاد الشخص وقد استخدم “نصف العيد” في عدد من كتب الأطفال). الإشارة الثانية، هو إهداء دودجسون لكلا من الكتابين “إلى أليس بلازينس ليديل”. ثالثا، في نهاية “عبر المرآة”، هناك قصيدة لا عنوان لها ويشار إليها عادة بأول سطر فيها “مركب تحت السماء المشمسة”، إذا قُرِئَت تلك القصيدة أفقيا، تكوِّن الحروف الأولى من كل سطر فيها اسم “أليس” الثلاثي “Alice Pleasance Liddell”. (6)

 

 alice10

الحب والزواج

بمرور السنين، كبرت الطفلة لتصير شابة جميلة ومثقفة وسرعان ما استولت على قلب الأمير ليوبولد، الابن الأصغر للملكة فيكتوريا والذي كان وقتها يتم دراسته بكلية “كنيسة المسيح”. وقعا في الحب، ولكن الزواج أبدا لم يتم حيث أصرت الملكة أن ابنها يجب أن يتزوج من أميرة. وقد كان ما أرادته الملكة الأم، ولكن فقط بعد أن تزوجت أليس نفسها من “ريجنالد هارجريفز”، الذي كان أيضا طالبا في الكلية. وجرت مراسم الزواج في عام 1880 بكنيسة “وستمنستر”، في ظل غياب كلا من الأمير “ليوبولد” و”دودجسون” الذي أرسل لها هدية زواج مع أحد الأصدقاء.

تزوج ليوبولد في وقت لاحق من أميرة ألمانية في عام 1883 ورزق بابنة سماها “أليس”. وأصبح “ليوبولد” نفسه عرّابا لثاني أبناء “أليس” الذي سمته “ليوبولد”، وهكذا عاشت ذكرى الحب مخلدة في أسماء أطفالهم. (7)

 

 alice77

 

 

 

ماذا حدث للمخطوطة الأصلية وكيف أنتهى بها المطاف في المكتبة البريطانية؟
أبقت “أليس ليديل” على المخطوطة حتى 1928 عندما أُجبرت على بيعها لدفع رسوم الوفاة بعد وفاة زوجها. بيعت المخطوطة في مزاد علني في  “دار مزادات سوثبي” بمبلغ 15 ألف جنيه استرليني لتاجر أمريكي، وباعها الأمريكي بدوره إلى “إلدريدج جونسون” لدى عودته إلى أمريكا. وبعد وفاة “جونسون” في عام 1946، بيعت المخطوطة مرة أخرى في مزاد علني. وهذه المرة، تم شراؤها من قِبَل مجموعة ثرية من المحسنين الذين تبرعوا بها للشعب البريطاني (والمتحف البريطاني) في عام 1948 تقديرا لبسالة وصمود بريطانيا في مواجهة هتلر خلال الحرب العالمية الثانية. (8)

 

alice88
أليس في بلاد العجائب – سلفادور دالي (1969)

فصل النهاية
رحلت “أليس” العجيبة في 15 تشرين الثاني 1934، وبينما هي تحتضر، كانت الصحافة تبكيها وكانت غرفتها تعج بخطابات المعجبين. وفي صبيحة وفاتها، نشر نعي لها في صحيفة التايمز. حُرِقَت الجثة في “غولديرز غرين” بشمال لندن ونُثِرَ رماد “أليس” فوق مقابر العائلة في ليندهرست، هامبشاير. (9)

alice99

 

 

 

المصادر:

 

1- https://books.google.com.eg/books?id=3cr3BQAAQBAJ&pg=PT273&lpg=PT273&dq=honi+soit%E2%80%9D,+lewis+carroll.%E2%80%9D%29&source=bl&ots=H9_Rz2rs-J&sig=b8cmrIXCBCNulqerc0n1g0CETDc&hl=ar&sa=X&ved=0CDYQ6AEwA2oVChMIjfWVqPbzxgIVS-0UCh3DxgYN#v=onepage&q=honi%20soit%E2%80%9D%2C%20lewis%20carroll.%E2%80%9D%29&f=false

 

2- http://www.theguardian.com/world/2001/oct/29/gender.uk

 

 

3- http://www.smithsonianmag.com/arts-culture/lewis-carrolls-shifting-reputation-9432378/?no-ist

 

4- http://www.smithsonian.com/arts-culture/lewis-carrolls-shifting-reputation-9432378/?device=other&no-ist=&page=2

 

5- http://www.bbc.co.uk/oxford/content/articles/2009/05/21/alice_feature.shtml

 

6- https://books.google.com.eg/books?id=9Gh_siKUazMC&pg=PA47&lpg=PA47&dq=lidell+A+Boat+Beneath+a+Sunny+Sky&source=bl&ots=EVsWhTtAZb&sig=02tY38CTo_vNeO73nVbHgyNGVKE&hl=ar&sa=X&ved=0CF4Q6AEwCTgKahUKEwjLnLPz4_jGAhWI7nIKHZKABKI#v=onepage&q=lidell%20A%20Boat%20Beneath%20a%20Sunny%20Sky&f=false

 

7- http://www.alice-in-wonderland.net/alice1e.html

 

8- http://www.bl.uk/collection-items/alices-adventures-under-ground-the-original-manuscript-version-of-alices-adventures-in-wonderland#sthash.8aZcinR5.dpuf

 

9- http://www.alice-in-wonderland.net/alice1e.html

 

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى