سياسة

رسالة من سعودي مجهول إلى الملك سلمان: لن نصبر أكثر!

salman

بولتيكو مجازين – ترجمة: محمد على الدين

عزيزي الملك سلمان..

أهنئك بتولي العرش بصفتي فردا يتمتع بالولاء للأسرة الملكية السعودية. وأنضم إلى السعوديين وقادة العالم، بمن فيهم الرئيس الأمريكي باراك أوباما في تقديم التعازي في وفاة الملك عبد الله متمنين لك كل خير يا ملكنا الجديد. وفي نفس الوقت أطرح هنا مخاوف زملائي من المستقبل. عندما تولى الملك عبد الله منذ عقد مضى، خرج السعوديون إلى الشوارع في كل أنحاء المملكة للتعبير عن سعادتهم. وقد ملأت سمعة عبد الله المعروف بكرمه وتسامحه نفوس السعوديين بالأمل. للاسف الوضع لم يكن كذلك في حالتك. آمل أن تثبت لنا عكس ذلك، لكنني خائف على بلدنا التى مازالت حتى الآن تقبع خلف بقية دول العالم في عدة مجالات، والتى قد تصبح أكثر جمودا في ظل حكمك.

لماذا؟.. دعنا نبدأ من تعيينك للأمير محمد بن نايف وليا لولي العهد، وهو ما يعني أنه سيكون ثان أقرب أمير للعرش بعد ولي العهد مقرن بن عبد العزيز البالغ 69 عاما. تعاظمت سلطات نايف البالغ 55 عاما – مازال شابا نسبيا – منذ أن تداعت صحة الملك عبد الله في 2010. وقد منحته صلاحياته كوزير للداخلية السيطرة على تنفيذ القانون والمحاكم والسجون، فأعطانا لمحة سريعة عن مستقبل المملكة تحت حكمه؛ وذكرنا بالأنظمة البوليسية كبشار الأسد في سوريا وصدام حسين في العراق. وكلما كانت تتراجع صحة الملك عبد الله، كان وزير الداخلية يسجن ويهدد المزيد من الناس.

مبدئيا، وجهت تهديدات عنيفة ودون سند قانوني إلى النشطاء الذين تحدثوا علنا وبصدق عن مطالبهم التى تتعلق بالحقوق السياسية والحرية. في 2012 على سبيل المثال، دانت محكمة سرية محمد البجادي وأصدرت بحقه أحكاما واتهمته بعصيان الحكام، والتحدث إلى وسائل إعلام أجنبية، والتظاهر وإقتناء كتب محرمة عن الديموقراطية. وفي 2013 حُكِم على محمد القحطاني بعشر سنوات في السجن لتوثيقه ظروف السجناء السياسيين ومناداته بملكية دستورية. كما صدر حكم بحق مخلف الشمري في نفس العام. أما رائف بدوي فقد أسس منتدى إلكترونيا اسماه “الشبكة الليبرالية السعودية” بهدف النقاش والنقد حول مفاهيم الإسلام الراديكالي التى تدرس في المدارس السعودية، وقد حُكِم عليه بعشر سنوات في السجن وألف جلدة. أما محاميه فقد حُكِم عليه بالسجن خمسة عشر عاما لتأسيسه منظمة مستقله لحقوق الإنسان. والقائمة مازال فيها الكثير.

في السنوات الأخيرة، ازدادت الأمور سوءً وأصبحت الاتهامات أكثر تشددا. وفي 2014 أصبح وزير الداخلية أقل صبرا، حيث صدر حكم بحق المحامي الإصلاحي بندر النقيثان الذى درس في هارفارد، بالسجن خمس سنوات وعُمل كإرهابي بسبب تغريدات انتقد فيها النظام القضائي وإعادة نشره لتغريدة تحوي رسما كرتونيا يظهر قاض يتفحص هاتفه الجوال فيما تغطي خيوط العنكبوت المتقاضين أمامه. وتقدر اليوم جمعيات حقوق الإنسان عدد السجناء السياسيين في السعودية بـ 30 ألف سجينن والعديد منهم في السجن دون تهم أو محاكمة، بينما يتعرض بعضهم للتعذيب سرا والبعض الاخر للجلد علنا. أشعر بالخجل عندما يقارن المجتمع العالمي سجل بلدي بسجل “الدولة الإسلامية” التى نشاركها في ممارسات الجلد وقطع الرؤوس.

ربما يكون رد فعل بن نايف على حملة النساء السعوديات لقيادة السيارات من أقوى الامثلة على كيف ستبدو الحياة صعبة ومحالة تحت حكمه. وعلى العكس من كل دول العالم، لا تصدر السعودية رخص قيادة للنساء. خلال العقود الثلاث الماضية، كانت الشرطة توقف السيدات اللاتي يتحدين هذا القانون لعدة ساعات. وفي العام الماضي تصاعد رد فعل الحكومة إلى مصادرة السيارات التى تقودها سيدات. أما رد فعل بن نايف فهو محاكمة تلك السيدات كإرهابيات. نعم المملكة السعودية تساوي بين تشغيل سيدة لمحرك سيارة، وأفعال العنف والإرهاب. في نوفمبر الماضي، حاولت سيدتان سعوديتان هما لجين الهذلول وميساء العمودي، جذب الانتباه بطريقة سلمية إلى عبثية منع النساء من قيادة السيارات، وقادتا سيارتهما من الإمارات – الدولة القبلية والإسلامية أيضا – إلى حدود السعودية. وبناء على أوامر من نايف، تمت مصادرة جوازي سفرهما وتوقيفهما ثم إرسالهما إلى المحكمة الجنائية السعودية المختصة  في قضايا الإرهاب. وهما في السجن فيما يحاول المحامون استنئاف قرار تحويلهما للمحاكمة.

أول قرار اتخذه الملك عبد الله عندما تولى السلطة كان العفو والإفراج عن معظم السجناء السياسيين المعروفين وآلاف السجناء الآخرين. ودفع بحقوق النساء إلى الأمام بتعيين سيدات في مجلس الشورى، المسؤول عن سن القوانين وتوجيه النصح للملك، كما أتاح العديد من فرص العمل. جوالي نصف مليون امرأة استفادت من قرار الملك عبد الله في 2011 الذى سمح للنساء بالعمل كبائعات وصرافات في المحلات التجارية. وقد ساد شعور بالحزن على مواقع التواصل الاجتماعي بعد وفاة الملك عبد الله الذى جاء متأخرا إلى السلطة ورحل مبكرا، وقد منعه تراجع صحته من دعم رؤيته على أرض الواقع.

أيها الملك سلمان، لقد عرفك الناس بدقتك وعملك لساعات طوال عندما كنت حاكما لمدينة الرياض. ارجوك ألا تسمح لفكرك المحافظ أن يصعب أحلامنا في مستقبل أفضل وألمع لمملكتنا. استحلفك بالله أن تحمل شعلة إصلاحات الملك عبد الله وتعفو عن السجناء السياسيين وترفع الحظر على قيادة النساء للسيارات.

كيف يفترض بنا يا عزيزي الملك أن نقتلع التشدد في بلادنا من جذوره وحكومتنا ترهب شعبها وتسجنه. كيف يمكننا أن نتحرك قدما في القرن الحادي والعشرين وأنا احتاج إلى استخدام اسم مستعار كي اطرح عليك هذه القضايا خوفا من العقاب إذا تحدثت بها علنا؟

إن اول خطوة في الاتجاه الحقيقي للإصلاح تكون باستبدال الأمير بن نايف، فلا يوجد لدينا نقص في الأمراء. ومن بين أبنائك يبدو الأمير سلطان كرجل لديه الفرصة أن يكون قائدا حكيما ومتوازنا.  إن أميرا يطمح إلى الديكتاتورية سيقود الشعب السعودي إلى نفس اليأس الذى أدى إلى الإطاحة بحسني مبارك وزين العابدين بن علي. ليس فقط من اجل الشعب السعودي بل من أجل استمرار الملكية، لابد من إبعاد هؤلاء الطامحين إلى الاستبداد.

ورغم أننا لا نمتلك أي حق في القول أو التمثيل في ذلك النظام الملكي الذى يحكم بلدنا إلا ان غالبية الشعب السعودي يبقى وفيا للملكية ولا يريد أن يرى نهايتها. نحن ممتنون لهولاء الذين وحدوا تلك الأرض العظيمة، لكننا لا نستطيع الانتظار أكثر من أجل المشاركة السياسية والحرية. نريد أن تحترم بلادنا الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وتمنح الشعب السعودي دستورا وبرلمانا منتخبا.

هل ستساعدنا أيها الملك في تحقيق هذا التقدم؟.. نعرف أن داخل هذا النظام الملكي من يطمح إلى ملكية دستورية. وفي الخمسينيات، عندما حاول أربعة من أنصاف أخوتك وأبناء عمك تشكيل حركة الأمراء الأحرار كانت لديهم رؤية مستقبلية للمطالبة بالمساواة للمرأة، والدستور، والبرلمان المنتخب. لاحقا قررت الأسرة الحاكمة نفيهم جميعا إلا واحد، ثم سمح لهم بالعودة بعد تقديم الاعتذار.

هل ستكون واحدا ممن يدعمون طموحنا بتنفيذ ما حاول أخوتك اقتراحه منذ نصف قرن؟.. يقول الناشط السياسي محمد سعيد طيب أنه تلقى مكالمة منك في 2012، ويزعم أنك أخبرته حينها بدعمك للملكية الدستورية. اتمنى أن يكون ذلك حقيقيا لأن الجيل القادم والأكثر تعليما في السعودية – 60% من السكان شباب تحت سن الـ21 – لن يصبروا أو يطالبوا بحقوقهم باللطف الذى اتسم بها أبائهم واجدادهم.

كاتب هذا المقال سعودي مقيم في الرياض، وتم إخفاء هويته من أجل حمايته.

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى