ترجمات

“ذا جارديان”: هل يمكن لولي العهد السعودي الإفلات من “مقتل خاشقجي”؟

"الضربة" لم يسبق لها مثيل في تاريخ المملكة الحديث

المصدر: The guardian – 

في أوائل 2016، عندما كان محمد بن سلمان لا يزال نائبا لولي العهد، وكان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مرشحًا للرئاسة الأمريكية، استدعى الأمير السعودي البالغ من العمر 30 عامًا كبار المسؤولين البريطانيين إلى الرياض لرؤيته.

حينها كان في ذهنه شيء واحد- بحسب مسؤولين اثنين حضرا في ذلك اليوم- وهو كيفية التعامل مع فلاديمير بوتين، الرئيس الروسي، حيث توسع دور الرئيس الروسي في الشرق الأوسط فجأة، وتنامى تأثيره في أوروبا والولايات المتحدة بنفس السرعة.

وبدا الأمير الشاب فضوليًا بشأن ما كان عليه بوتين المتقلب: الاحتلال، والترهيب، والانحراف، وإنكار الحقائق الموضوعية. لكنه استمر في العودة إلى تساؤل واحد، حسبما تذكر المسؤولان: كيف أفلت من كل هذا؟.

وقال أحد البريطانيين عن سلمان لـ”Observer”: “كان مفتونًا به. بدا وكأنه معجبًا به. كان يحب ما فعله”. وبعد عامين، تورط الأمير في أزمة لا مثيل لها باعتباره أقوى صاحب نفوذ بالعالم في الثلاثينينات من عمره، إذ اُتهم بإصدار الأوامر بالقتل الوحشي لأحد النقاد البارزين على أرض أجنبية- وهي ضربة لم يسبق لها مثيل في تاريخ المملكة الحديث، لكنها ليست مجهولة تماماً في روسيا.

الأحداث، كما وصفها مسؤولون أتراك، مُذهلة، وهزت الثقة في الأمير محمد حتى بين حلفائه المقربين، الذين كانوا حتى الأسبوع الماضي صامدين في دعمهم لبرنامجه الإصلاحي الطموح.

 وتصر الاستخبارات التركية ومسؤولون كبار على أن الصحفي السعودي جمال خاشقجي قُتل داخل القنصلية السعودية في إسطنبول على يد مجموعة مكونة من 15 شخصًا وصلوا من الرياض في اليوم نفسه، ثم قطعوا جثته.

ومنذ ذلك الوقت، أباحت السلطات تسريبات محدودة: لقطات فيديو تظهر خاشقجي يدخل المبنى بعد ظهر يوم 2 أكتوبر، وأسماء الـ 15 سعودياً الذين وصلوا- وجميعهم مرتبطون بأجهزة أمن الدولة- وسجلات الطيران من الطائرات الخاصة التي طارت إلى وخارج البلاد، وكانت الطائرات مستأجرة من شركة الرياض التي تستأجر الطائرات بشكل روتيني للحكومة السعودية.

وأبلغ ضباط المخابرات التركية نظرائهم في وكالة الاستخبارات المركزية “سي آي إيه” بأن لديهم تسجيل صوتي وشريط فيديو غير مكتمل للحظة مقتل خاشقجي، واقترحوا أن نهاية حياة خاشقجي قد تم التقاطها على ساعة آبل التي كان يرتديها والتي كانت متزامنة مع جهاز آي فون حملته خطيبته، خديجة جنجيز، في الخارج.

ولم يُشاهد خاشقجي منذ دخوله المبنى، ولم تتمكن الرياض من تقديم أدلة تدعم ادعاءها بأنه خرج حرًا بعد إنهاء أوراق طلاقه.

وفي مواجهة الأدلة، قدم المسؤولون السعوديون إنكارًا وانحرافًا شديدًا، كما يقولون إن هذه كانت مؤامرة بقيادة عدوهم الإقليمي “قطر” مدعومة من حلفائها في أنقرة.

حتى أن قناة العربية قد أثارت دفاع روسيين اتهما باستخدام غاز الأعصاب ضد العميل الروسي السابق المزدوج سيرجي سكريبال وابنته في إنجلترا، مدعية أن السعوديين الـ15 الذين جاءوا وذهبوا في غضون ساعات، كانوا “سائحين” – تمامًا مثل القتلة الروس الذين اتُهموا على نطاق واسع بتسمم العميل المزدوج الروسي سكريبال وابنته يوليا بغاز الأعصاب من صنع الدولة في مدينة الكاتدرائية في ويلتشير.

وأُجبر ترامب- الذي يقترب من عامه الثالث في المنصب وقَبَل بحماس الرجل المعروف في جميع أنحاء واشنطن باسم “إم بي إس” (محمد بن سلمان)- على استخدام لغة حذرة على نحو غير معهود عند التعامل مع الادعاءات، حتى لو حذر من أنه سيكون هناك “عقاب شديد” على الرياض، إذا اتضح أن خاشقجي قد قُتل بالفعل في القنصلية.

وجود صوت إقليمي قوي كحصن ضد إيران.. كان الخط الرئيسي لسياسة ترامب الخارجية. وحتى الآن يبدو أن الزعيم الأمريكي ينظر إلى المزاعم على أنها إزعاج.

وفي الأسبوع الماضي بدا مستشار الأمن القومي الأمريكي، جون بولتون، وكأنه يدعم مزاعم التآمر على الرياض، موحيًا بأن أنقرة والرياض كانتا منذ فترة طويلة خصمتين، وأنه ربما حدث نوع من العمليات.

وتمتد روابط عائلة ترامب مع “إم بي إس” إلى ما هو أبعد من وجهة نظر مشتركة حول إيران.

إذ أقام صهر ترامب،جاريد كوشنر، علاقات شخصية ومهنية دافئة، مثل أعضاء رئيسيين في شبكة أعمال أمريكية مهمة ووزير الخارجية مايك بومبيو الذي أمضى عشرات الساعات مع ولي العهد في الديوان الملكي، أو خيمة في الصحراء، حيث غالبا ما يقضي عطلة نهايات الأسبوع.

ويقول مسؤولون أوروبيون في الرياض ومناطق أخرى في المنطقة إن “إم بي إس” استمد إلهامه من حقيقة أن ترامب، خلافًا لمعظم القادة الأمريكيين المعاصرين، قد تنصل من جعل الاهتمامات الإنسانية دعامة لسياسته الخارجية، واعتنق الاستبداد علنًا.

ويزعم ترامب مرارًا وتكرارًا أن الولايات المتحدة لم تعد تضع النظام العالمي- باستثناء إيران- وقد خففت بشكل واضح من الضغط على الدول التي ادعت الإدارات السابقة أنها أخفقت لفترة طويلة في مجال حقوق الإنسان والحكم.

وأوضح سفير غربي يقيم في الرياض أن النتيجة كانت فراغ القيادة العالمية مما شجع الزعماء الذين ربما غيروا سلوكهم.

وقال السفير: “يتم إعادة تعريف العلاقات. يعلم الناس أنه لا توجد حدود. إذا كان هناك أي دراسة لحالة للشرق الأوسط بعد الواقعة، فها هي. هناك إفلات من العقاب في كل مكان”.

داخل المملكة، حيث تركت حملة القمع ضد المعارضة الكثير من المجتمع غير راغب في التحدث علنًا، هناك اعتقاد شائع بأن اختفاء خاشقجي كان في الواقع مؤامرة دبرها أعداؤه. ومع ذلك، فإن بعض المسؤولين الأمنيين السابقين يشعرون أنه قد يكون بمثابة تصدع في النظام الجديد.

وقال أحد مستشاري أحد المسؤولين: “إعادة تنظيم [جهاز المخابرات الوطني المسؤول مباشرة عن نظام إم بي إس] كان بمثابة كارثة. لقد أصبح أداة سياسية مفرطة للديوان، التي أزالت أي شكل من أشكال المساءلة وشجعت على إساءة استخدام السلطة على نطاق لم أشهده من قبل في العصر الحديث. كان هناك الاستبداد. ودمر القمع أي بذور جنينية للمجتمع المدني والحوار، لا يوجد حد حقيقي لعواقب الخلاف المهذب، فما بالك بالمعارضة”.

ومع الكشف علانية عن الكثير من الأدلة التركية ضد السعودية، تتجه أنقرة والرياض إلى واشنطن لإيجاد مخرج من الأزمة ذات أبعاد لا نهاية لها على ما يبدو.

ووافقت تركيا، يوم الجمعة، على إجراء تحقيق مشترك مع الرياض في ما حدث – وهو ترتيب تم التوصل إليه بوساطة كبار المسؤولين- مما يوحي بأن سياسات القوة قد تكون لها الأسبقية على الحقيقة وراء اختفاء خاشقجي.

لا تحتاج تركيا إلى مساعدة استقصائية لتحديد مصير خاشقجي. أجهزة التنصت ولقطات الكاميرا، التي لم تكشف عنها بعد، تقدم أدلة إدانة. ومع ذلك، فإنها تحتاج إلى غطاء سياسي لاجتياز مشكلة يمكن أن تكون لها اعتبارات تجارية واستثمارية كبيرة.

وتواجه الرياض ضربة وشيكة لأجندتها التجارية، مع تعرض المؤتمر الاستثماري الذي سيعقد في 23 أكتوبر لخطر المقاطعة من قبل الشركاء الإعلاميين والشركات العالمية رفيعة المستوى، احتجاجًا على عدم وجود إجابات من المسؤولين السعوديين.

وقال أحد المسؤولين البريطانيين، الذي كان حاضرًا في اجتماع عام 2016 مع ولي العهد: “لقد أدركوا متأخرًا المخاطرة في هذا الأمر. لقد صُدم عندما علم أن السلطة المطلقة التي يملكها في الداخل لا يملكها في الخارج. حتى في تركيا هناك قواعد، تعلم بوتين نفس الشيء في المملكة المتحدة. وإذا نجا الرجل من هذا، فسيكون مدينًا لأنقرة وتركيا التي ستحجب الحقيقة الصادمة عن الجميع”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى