سياسة

دويتش فيلة: قصص الموت في السجون المصرية

دويتش فيلة:  قصص عن تعذيب وموت آلاف السجناء في مصر

fella

دويتش فيله – كريستين مكتيجه ترجمة: محمد الصباغ

قضى الصحفي المصري عبد الله الشامي أكثر من 300 يوم في السجن، وأكثر من شهر في زنزانة إنفرادية بسجن العقرب سيىء السمعة. بعدها – وبشكل غير مفاجىء – مات اثنين من قيادات الإخوان المسلمين في السجن خلال أقل من شهر.

يقول الشامي: “كل قيادات الإخوان المسلمين في سجن العقرب يقبعون في الحبس الانفرادي دون أي اتصال مع السجناء الآخرين”. كان احتجاز الشامي قد أثار اهتماماً دولياً بعد تسريب صور له من داخل السجن تظهر هذا المراسل الضخم الذي يعمل للجزيرة في جسد واهن وهزيل بعد إضراب طويل عن الطعام. ويضيف: “لو حدث أي شىء، لن يعلم إلا الله عدد الساعات التي تمر حتى يكتشف أحد الأمر”.

ويستمر في حديثه لدويتش فيله قائلاً: “في السجن كل شىء غير إنساني، ويفتقر إلى أي كرامة إنسانية”.

أسفرت الحملة الموسعة ضد المعارضين عن وجود آلاف المعتقلين السياسيين في السجن، وزيادة أعداد الوفيات في سجون مصر المزدحمة كما زادت المزاعم حول مراكز الإحتجاز وظروفها غير الآدمية والإهمال الطبي بها.

وبينما تصر الحكومة على أن ظروف السجون تتطابق مع القانونين المصري والدولي، فإن شهادات المسجونين توضح حقيقة مختلفة جذرياً.

وفي بيان المجلس الثوري المصري المنتمي للإخوان المسلمين جاء أن “تعمد الإهمال الطبي والفشل في تقديم الرعاية الطبية من قبل إدارة سجن الإنقلاب تسبب في وفاة عضو الإخوان السلمين المحترم محمد الفلاحجي”.

إهمال طبي؟

أعلن المحققون المصريون أن الفلاحجي، 58 عاماً، قد اعتقل في مدينة دمياط الساحلية في يناير من عام 2014 باتهامات تتعلق بالإرهاب، وتوفى في مستشفى السجن الأسبوع الماضي نتيجة غيبوبة كبدية وتم الأمر بدفنه عقب تأكيد عدم وجود “شكوك جنائية” تتعلق بالوفاة. جاءت وفاة النائب البرلماني السابق عن حزب الحرية والعدالة بعد أسابيع فقط من وفاة القيادي الإخواني الآخر فريد إسماعيل، 59 عاماً، في مستشفى سجن العقرب. كان فريد يقضي فترة حبسه لمدة سبع سنوات بسبب اتهامات بأعمال عنف. وقالت وزارة الداخلية المصرية إن إسماعيل توفى أثناء تلقيه علاج القصور الكبدي.

نفى المسؤولون المصريون مزاعم أن تعمد الإهمال الطبي كان وراء حالتي الوفاة، وأصروا على أن كل السجناء يتم معاملتهم وفق “معاهدات حقوق الإنسان الدولية”. فيما قالت منظمات حقوقية إن الإهمال والاعتداءات في أماكن الاحتجاز أصبحت أمرا طبيعيا.

أما نيكولاس برياتشو، مدير منظمة العفو الدولية بمصر، فيقول لدويتش فيله: “استمرت تلك الأعمال دون ضابط منذ حكم مبارك، إنها طريقة أمن الدولة الفعالة”. ويضيف أن الحكومات المتعاقبة ومنها حكومة الإخوان المسلمين قاموا بالقليل من أجل تحسين ظروف الإحتجاز ومحاسبة المسؤولين عن الاعتداءات.  وأضاف: “ما نراه الآن هو وجود الكثير من السجناء السياسيين مع خروج تلك الشهادات إلى النور وما تحمله من روايات مرعبة”.

الظروف الداخلية

أحمد برسي، 27 عاماً ويعمل مهندساً، ألقى القبض عليه في مظاهرة في 30 يونيو 2013 وقضى حوالي عامين بزنزانة بسجن طره قبل الإفراج عنه منذ أربعة أشهر، هو أحد تلك القصص.

يقول أحمد عن زنزانته (مساحتها 4*5 متر) ويعيش فيها 15 رجلاً آخرين “كانت الزنزانة قذرة ومليئة بالحشرات، لكننا نظفناها واستطعنا الحياة”. و في الزنزانة المظلمة توجد حفرة يجلسون فوقها القرفصاء و يقضون حاجتهم. علق السجناء ستارة لفصلها عن باقي الزنزانة، و استمرت الرائحة الكريهة بالطبع.

كان شباك الزنزانة عبارة عن تصدع في السقف، وأضاف أحمد أن حرارة الصيف كانت لا تطاق وكذلك برد الشتاء. وعند سؤاله عن الرعاية الصحية لمن يحتاجون لها، قال إنها لم تتوافر لهم.

خلال أحد فترات سجنه كان أحمد رفيق زنزانة لمحمد سلطان، الأمريكي المتنازل عن الجنسية المصرية، والناشط السياسي وابن القيادي البارز في الإخوان المسلمين. كان قد قبض عليه من منزله بالقاهرة بعد أيام من إصابته بطلق ناري أثناء الفض العنيف لاعتصام رابعة العدوية عام 2013. خضع سلطان لجراحة قبل أيام من احتجازه وتفاقمت إصابته بعد ضربه من قبل الشرطة بالعصيان والهراوات وأجبروه على الدخول إلى زنزانة ضيقة. ويضيف أحمد: “لم تقدم إدارة السجن شيئا لمساعدته”.

قضت سمية حلاوة، الأيرلندية المصرية البالغة 28 عاماً، ثلاثة أشهر بسجن النساء بالقناطر في القاهرة، واشتكت من الظروف القاسية وغياب الرعاية الصحية. ألقى القبض على سمية في أغسطس 2013 مع شقيقتيها وأخيها الأصغر بالقاهرة بعد لجوئهم إلى مسجد عقب فتح الشرطة النار على مظاهرة معارضة للإنقلاب. وادعت الشرطة أن المتظاهرين أطلقوا النار أيضاً.

مكان للموت

تقول سمية عن مستشفى سجن القناطر: “مستشفى السجن كانت بالكاد مستشفى.. كانت مكاناً لموت الناس”.

بعد إطلاق سراح سمية وشقيقاتها في نوفمبر 2013، رحلن إلى إيرلندا، بينما بقى أخيها إبراهيم في السجن ينتظر حكماً على تهم قد توصله إلى الإعدام رغم كونه قاصراً لحظة القبض عليه. أصيب إبراهيم بطلق ناري خلال الاحداث وبعد عامين في السجن دون رعاية طبية أصبح غير قادر على تحريك يده حركة كاملة كما تقول شقيقته.

و تضيف سمية حلاوة: “أمر صعب أن اتعامل مع ما رأيته شخصياً في السجن وأخي مازال يمر بتلك التجربة”. وزعمت سمية أن شقيقها جرد من ملابسه وضرب وصعق بالكهرباء في فترة احتجازه. وقالت: “لا أشعر بالحرية حيث روحي مازالت هناك مع أخي”.

رفض مسؤلو وزارة الداخلية المصرية، الذين يديرون 42 سجناً رسمياً، الرد على مزاعم الإهمال الطبي، والظروف غير الآدمية والاعتداءات.

ومع ذلك، قام المجلس القومي لحقوق الإنسان، التابع للحكومة المصرية ومسؤول عن مراقبة حقوق الإنسان، بإصدار تقرير في 13 مايو عقب زيارة المجلس لسجن أبو زعبل، قالوا فيه إن السجناء تعرضوا “لظروف غير آدمية شملت عدم استخدام الحمامات، والافتقار إلى الطعام وقلة جودة الطعام المقدم، والمياه غير القابلة للشرب وغياب وسائل التهوية، فيما تعرض البعض للضرب والتعذيب”.

وفي تقرير صدر في مطلع مايو عن مركز النديم للعلاج والتأهيل النفسي لضحايا العنف، قال إن المركز وثق 10 وفيات بسبب نقص الرعاية الصحية أو التعذيب في شهر إبريل، وهو الشهر الأول للواء مجدي عبد الغفار كوزير الداخلية. وقال المركز الذي وثق أكثر من 100 حالة وفاة في السجون خلال عام 2014 إن معدل الوفيات ازداد في عام 2015.

كما أضاف التقرير: “تمثل الأرقام فقط ما يمكن نشره أو توثيقه، و ليس المشهد كاملاً. تعكس الأرقام أن حالات التعذيب ليست انتهاكات فردية، لكن طريقة منهجية من مؤسسات الدولة ومخالفة للدستور”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى