ثقافة و فنحيواناتمنوعات

دردشة مع “فتيات الديناصور”: حكاية الصحراء والكنز و”منصوراصورس”

زحمة يحاور الباحثات المصريات اللواتي شاركن في اكتشاف الديناصور “منصوراصورس”

الباحثات من اليمين لليسار: سناء السيد، سارة صابر ،إيمان عبد العزيز ومي الأمير

كان من أبرز ما لفت الانتباه في الاكتشاف العلمي الكبير الذي تحقق بالعثور على الديناصور المصري “منصوراصورس“، هو الوجود النسائي الكبير في فريق العمل الذي حقق هذا الاكتشاف الذي تحدث عنه العالم ونشرته المجلات العلمية المرموقة، وقررنا في زحمة أن نلتقي من صرن يعرفن باسم “فتيات الديناصور”، وهن الباحثات المصريات اللواتي لم يخشين الصحراء وشاركن بقوة في هذا الاكتشاف الكبير.

حاورتهن: شيماء الخولي

الأولى : سارة صابر: أول من رأى

لم تكن سارة صابر المدرس المساعد بكلية العلوم قسم الجيولوجيا جامعة أسيوط، وعضو مركز المنصورة للحفريات الفقارية، تعلم أن القدر اختارها لتكون أول من يرى عظام ديناصور جديد من نوعه يحل أخيرا لغز نهاية العصر الطباشيري الذي ظل مستعصيا على العلماء لسنوات عديدة.

تتذكر سارة هذا اليوم جيدا، حيث كان آخر أيام رحلة علمية في صحراء الداخلة بنهاية العام 2013، قادها الدكتور هشام سلام، مؤسس مركز المنصورة للحفريات الفقارية، وزميلاتها من المنتسبات للقسم الجديد، فقسموا الصحراء قدر استطاعتهم للتنقيب عن حفريات محتملة.

وجدت سارة قطعا عظمية صغيرة متفرقة، ولأن دكتور هشام سلام كان أخبرهم من قبل أن أي قطع صغيرة تعني بالتأكيد وجود أجزاء أكبر ستتكشف بالمزيد من البحث، فواصلت سارة البحث حتى وجدت عظاما أكبر بالفعل بكميات كثيرة، سارة وجدت عظاما شبه كاملة، وحتى قبل أن تعلم سارة أن هذه العظام تخص ديناصور عاش في هذه المنطقة قبل ملايين السنوات، غمرتها سعادة عارمة بكمية العظام التي بالتأكيد تخبئ كشفا علميا عظيما.

صاحت سارة وأخبرت رفاقها بكنزها الثمين، الذي تعرف عليه دكتور هشام فور رؤيته له، وبشر الفتيات بأن العظام التي يرونها أمامهن ما هي إلا لديناصور شبه كامل.

تخوفت عائلة سارة في البدء من فكرة التخييم في الصحراء لأيام، ولكن تقاليد المجتمع الصعيدي لم تكن عائقا كبيرا أمامها، إذ آمنت عائلتها بحلمها بعد فترة من الإلحاح والتمسك به، ليتحولوا فيما بعد إلى طاقة دعم كبيرة لحلم ابنتهم الطموحة.

“استخراج كل عظمة سليمة كان يوم عيد بالنسبة لنا” توضح سارة، معربة عن سعادتها التي لا تقدر بثمن عندما نشر اكتشافهم العظيم في مجلة “Nature” العلمية.

“أحلم أن أكمل الدراسة مع دكتور هشام، فهو يحلم لنا بأن نصبح أساتذة في هذا المجال ولنا طلابنا، دعمنا كثيرا علميا وشخصيا، وأتمنى أن أحقق حلمه”، مؤكدة أن زوجها يدعمها بشدة في مجال تخصصها، “يدعمي في كل لحظة”.

إيمان عبدالعزيز: خوف الأهل من الصحراء

كان دكتور هشام سلام عائدا للتو من الخارج، بعد حصوله على درجة الدكتوراة من جامعة أكسفورد في بريطانيا، وإنهاء جزء من دراسته في الولايات المتحدة، مفعما بالأمل والشغف الشديدين، راغبا في نقل ما تعلمه لطلاب مصر، وفي إحدى الكورسات الشيقة التي كان يقدمها في كلية العلوم جامعة المنصورة، تحمست إيمان عبد العزيز، الطالبة بالفرقة الثالة بقسم الجيولوجيا في كلية العلوم حينها لهذا المجال الجديد، فالتحقت بمعمل الحفريات الفقارية كمتطوعة لمساعدة دكتور هشام ولإشباع فضولها تجاه هذا العلم الجديد، فكلما تعمقت تعلقت بهذا المجال إلى أن حصلت على درجة الماجيستير في هذا التخصص في ديسمبر الماضي.

“ذهبنا في رحلات كثيرة للبحث عن حفريات لديناصورات، وما وجدنا إلا قطعا صغيرة أو قطعة واحدة في بعض الأحيان، الأمر الذي جعل سعادتنا لا توصف عندما رأينا عظام منصوراصورس”. تقول إيمان. موضحة أنه عندما نادت سارة عليهم التفوا حول موقع الاكتشاف وبدأوا ينقبون معها حتى تكشفت الكثير من العظام، مضيفة، “منصوراصورس من أول العينات التي عملنا عليها ونحن طلبة ماجيستير، لذا فكنا حريصين جدا في التعامل معه.. لا شيء يضاهي منصوراصورس”.

البحث أخذ الكثير من الوقت لإزاحة الستار عنه، ولكن بحسب إيمان فهي تعد مدة معقولة جدا لإخراجه في أحسن صورة، فهم وجدوا الديناصور في ديسمبر 2013، وعادوا لاستخراجه في فبراير 2014 كي تكون المعدات كاملة، فعملية الاستخراج وحدها تمت في حوالي 21 يوما، من بعدها نقلوه لمركز المنصورة لإعداده وتصويره وبدء العمل عليه.

“عملية الاكتشاف والاستخراج كانتا مصريتين خالصتين، ولكننا استعنا بخبراء أجانب لكتابة البحث”. تقول إيمان.

والدا إيمان تفهما شغفها وحبها الشديدين لهذا المجال الجديد، فقدما لها الدعم الكامل، وهو بالطبع أمر لم يخل من بعض الخوف من الصحراء، ولكنهما لم يضعا العراقيل أمام أحلام وطموحات ابنتهما.

تثمن إيمان أيضا دعم مؤسس المركز لها، فتقول إنه شغوف جدا ومحب لعلمه وعمله، فهو قائد فريق بامتياز منضبط في عمله مرح مع طلابه لكسر جمود الصحراء، فهو لم ينقل لهن العلم دون حب ما ينقله لهن.

رسم تخيلي لشكل الديناصور المصري منصوراصورس

مي الأمير: من الحيتان إلى الديناصورات

منذ رحلة مي الأمير طالبة كلية العلوم حينها لوادي الحيتان في عام 2011 ، قررت على الفور الاستمرار في مجال الحفريات، في البداية تخوفت عائلتها من سفرها وحدها للصحراء، ولكن الفتاة المتمسكة بحلمها الوليد استمرت في إقناع أسرتها بحبها وشغفها للحفريات، وأن الإقلاع عن هذا الحلم سيسبب لها الإحباط، فقبل الأهل.

لم يكن لمي حلم محدد بشأن مستقبلها أثناء دراستها الثانوية، ولكنها كانت تحب كل ما يتعلق بالطبيعة، مكتب التنسيق وضعها بين خياري الطب البيطري والعلوم، فاختارت كلية العلوم قسم الجيولوجيا الذي وجدت طموحها العلمي فيه، ومن بعده تخصص الحفريات الفقارية الذي تسعى لنيل درجة الماجيستير فيه حاليا.

توضح مي أن اكتشاف ديناصور مصري كان حلما قديما يداعب خيال “سلام” وتحقق أخيرا، مضيفة أن عملية الاستخراج كانت شاقة جدا ويجب أن تتم بدرجة كبيرة من الاستعداد والتأني، مؤكدة على سعادتها الشديدة منذ لحظة الاكتشاف وحتى لحظة النشر في مجلة “Nature” العلمية.

تحلم مي باكتشاف أهم وأكبر يضع اسم مصر على خريطة البحث العلمي للعالم كله، كما تتمنى إقامة متحف للتاريخ الطبيعي في مصر على غرار الموجودين بالخارج، “اسم مصر يتصدر على المستوى العلمي العالمي.. جميعنا فخورون ببلدنا أكثر من فرحتنا بإنجازنا”.

سناء السيد: كنز على هيئة ديناصور

كانت سناء السيد لا تزال طالبة في كلية العلوم قسم الجيولوجيا بجامعة المنصورة – التي التحقت بها حبا في هذا المجال – عندما درّس لها دكتور هشام كورسا عن الحفريات الفقارية، لتطلب منه بعدها العمل معه في المركز.

كزميلاتها، تخوفت العائلة قليلا من فكرة سفر سناء للصحراء خاصة وأنهم لم يروا نماذجا محيطة عملت في مجال الحفريات، ولكن سناء تشبثت بحلمها، ما دفع أسرتها للتواصل مع دكتور هشام، ليوافقوا بقلب مطمئن على ابنتهم.

“كأني وجدت كنزا للتو” تصف سناء المدرس المساعد وطالبة الدكتوراة بكلية العلوم جامعة المنصورة شعورها لدى اكتشاف الديناصور، “كنا نبحث عنه منذ سنوات وأخيرا تحقق الحلم، إنها لحظة لا يمكن وصفها”.

ترى سناء أن نشر اكتشافهم في مجلة الـ”Nature” العلمية العالمية بمثابة تكليل لجهود كثيرة بذلت، وإثبات أنها تسير في الطريق الصحيح الذي لا يجب أن تحيد عنه.

ورغم قلقهم الطبيعي في البداية، فإن عائلة سناء كانت أكبر داعم لها طوال سنوات عملها في مجال الحفريات.

سناء لها حلم شخصي، فهي تتمنى أن تحقق كل فتيات مصر ما يحلمن به، لأن ثقافة المجتمع في أغلب الوقت تكون أكبر عائق أمام الفتاة، كما تأمل أن يكون أهاليهن كأهلها الذين ساندوها ودعموها كثيرا، ولا تنسى أيضا دور مؤسس مركز الحفريات معها في توجيهها إلى بداية الطريق العلمي.

الزوجة واسم الديناصور

وكما كان “سلام” داعما لطالباته وسببا رئيسيا في إشعال الشغف في نفوسهن، فكانت خلفه زوجته التي دعمته بشدة هو وطالباته وصدّقت في حلمه وساعدته على الاستمرار فيه، فبشهادة المكتشفات مدت زوجة دكتور هشام – التي يختلف مجال دراستها تماما عن الحفريات – يد العون للجميع، فما كان منه ومن المكتشفات إلا وضع لقب زوجته “شاهين” جنبنا إلى جنبا مع “منصوراصورس” تقديرا وتكريما لها على وقوفها معهم جميعا.

الباحثات مع الدكتور هشام سلام

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى