ثقافة و فن

دايلي بيست: موجز إحراق الكتب .. بابل والنازية وداعش

قال فرويد: في العصور الوسطى كانوا سيحرقوني والآن يحرقون كتبي فقط

الدايلي بيست – روبرت كورنريفر

ترجمة: محمد الصباغ

 إن السخط الذى يشعله تنظيم الدولة الإسلامية،تلك الحركة الإسلامية الإرهابية، لم يحدث نتيجة حرقهم للناس فقط بل حرقهم للكتب أيضاً. فقد أشعل أعضاء تنظيم داعش النيران في مكتبة مدينة الموصل العامة، ما أدى لاحتراق أكثر من 8 آلاف كتاب نادر ومخطوطة. وفي محافظة الأنبار في غرب العراق قال مسؤولون محليون إن حملات تنظيم الدولة الإسلامية أحرقت أكثر من 100 ألف كتاب.

و لم يقتصر ما يفعلونه على الكتب فقط، حيث دمر مجرمو التنظيم تماثيلا يعود تاريخها إلى 3 آلاف عام في متحف الموصل وموقع أثري، وحطموا بالمطارق الثقيلة آثارا لا تقدر بثمن. وتعود بنا تلك الحرب على الثقافة إلى تدمير تنظيم طالبان تمثال بوذا في باميان في مارس 2001.

هذه الأفعال البربرية التي ترتكب في مكان ميلاد وكتابة الحضارة تجعل الأمر أكثر مأساوية. ليست داعش – التى تحتاج إلى ألف عام كي تبلغ العصور الوسطى – وحدها التى تفضل ممارسة الرقابة على الكتب بإحراقها. ففي الماضي كانت الكتب ومؤلفوها يحرقون لتقديمهم أفكار مكروهة.

و يبدو أن هذا الأسلوب لن ينتهي. ففي تلك الفترة وتحديدا في الخامس من نوفمبر خلال يوم “جاي فوكس” في بريطانيا، يقيم ملجأ للنساء المعنفات في بريطانيا يوما عاما لحرق كتاب (خمسون درجة من الرمادي- fifty shades of grey) قائلين إنه كتاب مسيئ. و قام بعض الأزواج المحبطين في ولاية أوهايو بحرق نسخ من رواية (( mommy-porn التي انشغلت أزواجهن بقرائتها حتى في السرير.

تعد الأمثلة التاريخية على حرق الكتب أكثر من أن تذكر في مقال قصير، ويعود تاريخ ذلك إلى العصور القديمة.  وحرق البابليون وحلفائهم مكتبة الملك والباحث آشور بانيبال عام 612 قبل الميلاد، وذلك عندما اقتحموا العاصمة الآشورية نينوى. وفي 213 قبل الميلاد أمر الإمبراطور الصيني تشين شي هوانج بحرق كل كتب التاريخ والفلسفة التي كتبت في عصور غير عصر تشين، ودفن المثقفين المختلفين عن عقيدة الدولة. و تم جمع كل أعمال الفيلسوف اليوناني بروتاجوراس و حرقها في السوق أمام العامة بأثينا لأنه جرؤ على طرح سؤال حول حقيقة وجود الآلهة.

ولم يكن الدين فقط الذي يقود إلى حرق الكتب، فالاعتقاد بالقوى الخارقة كان يشعل النيران. في 168 قبل الميلاد، أمر أنطيوخس الرابع بجمع الكتب اليهودية في أورشليم (القدس) وتقطيعها وحرقها. وأمر أيضاً الإمبراطور قسطنطين بحرق كتب من لا يؤمنون بالثالوث المقدس. وفي عام 364 حرق الإمبراطور المسيحي جوفيان مكتبة أنطاكية، لأنها ظلت لفترة طويلة في قبضة الإمبراطور جوليان وهو ليس مسيحياً. وفي عام 392 تم نهب مكتبة الإسكندرية وحرقها بواسطة حشود من الغوغاء المسيحيين وقتلت الفيلسوفة هيباتيا.

واستمر حرق الكتب خلال الصراع الديني الذي قسم أوروبا في العصور الوسطى وما  قبلها. فقام البابا جريجوري التاسع في عام 1242 بالتأثير على الملك لويس  التاسع لتدمير كل نسخ التلمود في باريس. وحرق 12 ألف مجلد بعد “محاكمتها” و”إدانتها” من قبل الملك. وفي عام 1401، مرر البرلمان البريطاني في عصر الملك هنري الرابع قانوناً أطلق عليه ”حرق المهرطقين“ وأمر القانون بجمع كل الأعمال الكفرية وحرقها أمام العامة.

و في العقد الأخير قبل عام 1500، قامت محاكم التفتيش الإسبانية بحرق كل النصوص اليهودية والعربية. وعلى سبيل المثال في عام 1499، أحرق كبير أساقفة طليطلة أمام العامة 5 آلاف مخطوطة عربية في ميدان مدينة غرناطة العام. وبأوامر البابا، تم إحراق ترجمة مارتن لوثر الألمانية للإنجيل في عام 1624 في المناطق الأوروبية التي يحكمها الكاثوليك. ومن جانبه أحرق لوثر المراسيم البابوية.

بالطبع لم يكن الأمر مجرد حرق كتب، حيث تعّرض أصحاب الكتب لعقاب مماثل خاصة الكتب التى دعت للإلحاد و مثالاً على ذلك، قامت محاكم التفتيش في إيطاليا عام 1328 بإدانة كيكو داسكولي بالهرطقة، وأحرقوه بسبب كتابه ”دي سيفيرا“ . ومثل هذه الممارسات استمرت لمئات السنين. فمجلس مدينة جينيف الذي يسيطر عليه الكالفينيين أمر في عام 1553 بحرق ”ميجيل سيرفيت“ مع كتابه الذي قاموا بربطه في خصره. وكانت جريمته، الدعوة إلى غير الثالوث المقدس ومعارضة تعميد الأطفال.

وفي القرن العشرين كان حرق الكتب مرتبطا بألمانيا النازية التى أرادت أن يعرفها العالم من خلال ذلك. وفي 10 مايو 1933، قامت جماعة نازية من الشباب بحرق 25 ألف كتاب ”فاسد أخلاقياً“ في برلين. وقامت الإذاعة ببث الحدث للعامة الذين لم يتمكنوا من الحضور.  وأحرقت كتب لمؤلفين مثل ألبرت أينشتاين، وهيلين كلير، وكارل ماركس، وبرتولت بريخت، وسيجموند فرويد. وحدثت وقائع مشابهة كثيرة في مختلف أنحاء ألمانية في الثلاثينيات والأربعينيات، وحضر قرابة 40 ألف شخص خطابا لجوزيف جوبلز يشرح تلك الأحداث.

وسخر فرويد بعد ذلك: ”التقدم الذي و صلنا إليه أنه في العصور الوسطي كانوا سيحرقونني. أما الآن، اكتفوا بحرق كتبي”. لكن فرويد كان محظوظاً لأنه لم يبق في فيينا عقب ضم ألمانيا للنمسا حتى يتأكد إذا ما كانت سخريته حقيقية.

لا يرتبط حرق الكتب كثيراً بالولايات المتحدة الأمريكية، بفضل حماية الدستور الأمريكي. لكن حتى في هذه الدولة، مازال حرق الكتب هي طريقة مستقرة جيداً بين محبي الرقابة. ففي الفترة الإستعمارية، تم حظر كتاب (ثمن تضحياتنا المستحق- The Meritorious Price of Our Redemption ) للكاتب وليام بينشون في عام 1651 بسبب انتقاده للتطهيريين وتم إحراق كل النسخ التى تم التوصل إليها أمام العامة.

أصبح حرق الكتب ذا  طابع مؤسسي في آواخر القرن التاسع عشر بعدما أقنع أنتوني كومستوك الكونجرس الأمريكي باعتماد قانون الدعارة الفيدرالي في عام 1873. و لم يوضح كومستوك أي من أهدافه، و كان يترأس جمعية نيويورك لمكافحة الرزيلة. والختم الذي تعمل به مؤسسة نيويورك يظهر على أحد جانبيه شرطي يقود مجرم إلى السجن و من الجانب الآخر رجل يشعل النيران بمجموعة من الكتب.

وساعد قانون كومستوك على منع أي كتب أو مواضيع ترتبط حتى بالجنس، وكان من ضمن ذلك نشر المعلومات عن وسائل منع الحمل. ومع وفاته عام 1915، كثرت المزاعم أن كومستوك أحرق حوالي 15 طنا من الكتب و حوالي 4 ملايين صورة و284 ألف لوح طباعة عليها “نصوص مكروه”. وبينما لم يشعل النيران في المؤلفين كما فعل سابقيه، تفاخر كومستوك بأنه قاد العديد من الكتاب وبائعي الكتب إلى الإنتحار.

و بدأت ظاهرة حرق الكتب في الإختفاء عندما قامت المحكمة العليا بتعديلات قوية على القانون في أواخر القرن العشرين. لكن استمر حرق الكتب بطريقة غير رسمية.

وبالمثل، في عام 1966 بعض السكان المحليين في المجتمع الإنجيلي في جنوب الولايات المتحدة  أحرقوا بعض تسجيلات فريق البيتلز كرد فعل على الإقتباس المقتطع من حديث جون لينون الذي قال فيه إن فريق البيتلز ”أكثر شهرة من المسيح“. فقام بعض الإنجيليين مع بعض المتطرفين من جماعة “كو كلوكس كلان”، وأقنعوا الناس بإحضار تسجيلات الفريق وإحراقها  وسط مسيرات معادية لفريق البيتلز.

هل اختفى البيتلز بعد هذا الحادث، أو هل هم أشهر فعلا من المسيح؟ بالطبع لا، ورغم أن عام 1966 شهد آخر جولة غنائية لهم. لكن الحرق شكل غريب من أشكال الرقابة وفيه يكون الفعل نفسه رسالة موجهة. هذا هو سبب أن حرق الكتب يكون في مكان عام. هو حدث مصنوع لإظهار الغضب وبين جنباته يظهر أن هذه الأفكار الموجودة في الكتب أوالأعمال الفنية الأخرى يجب أن تمحى تماماً.

وفي الأوقات الظلامية، وفي الأماكن التى يتواجد تنظيم الدولة الإسلامية، كان من الممكن أن نعتقد أن الأفكار ستمحى مع مؤلفيها. لكن حتى في العصور القديمة، كانت سلطة الرقابة محدودة.

كان المفكر العربي ابن رشد، المسؤول عن الحفاظ على إرث أرسطو في الفكر الغربي، لم يعد مرغوب فيه من قبل السلطة في آواخر القرن الثاني عشر، و تم إحراق كتبه. وأثناء وقوف ابن رشد أمام ذلك المشهد،  قال لأحد تلاميذه الذي كان يبكي بشدة: ”اليوم أنا أبكي على وضعنا.. لكن الأفكار لها أجنحة”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى