إعلامسياسة

دايلي بيست: لأنه مصري .. باهر مراسل الجزيرة “سيتعفن” في السجن

 دايلي بيست: مصر أطلقت سراح مراسلي الجزيرة   ما عدا باهر محمد لأنه مصري ولا يجمل جنسية اجنبية

باهر محمد الأول من اليمين
باهر محمد الأول من اليمين

دايلي بيست – بل ترو

يبدو أن الصحفيين المحليين المحبوسين من قبل النظام المصري سيصبحون خارج دائرة الاهتمام رغم النوايا الحسنة لزملائهم المحررين.

مر 400 يوم منذ توقف عالم جيهان راشد عندما اقتحمت الشرطة بيتها في إحدى ضواحي القاهرة خلال منتصف الليل، وأطلقوا الرصاص على كلبها واعتقلوا زوجها. تجلس الآن جيهان زوجة باهر محمد صحفي قناة الجزيرة في انتظار عودته محاطة بتماثيل صنعها باهر لها من مخلفات السجن. حيوانات مصنوعة من الصابون، وكراتين ملصوقة ببعضها بالعسل، وقطعة من البلاستيك مزينة بالعصي.

وقد اتهم باهر المصري الجنسية، 30 سنة، ومعه 17 آخرين من ضمنهم زميله الاسترالي في قناة الجزيرة بيتر جريست، وزميله المصري الكندي محمد فهمي بمساعدة مجموعة إرهابية واختلاق الأخبار.  كانت المحاكمة عبثية ومثيرة للقلق حيث قدمت أغاني شعبية ومقاطع فيديو من قنوات تلفزيونية أخرى، وصور عائلية باعتبارها أدلة ضد صحفيي قناة الجزيرة التى مقرها قطر.

في يونيو الماضي، صدرت أحكام – روعت العالم – بحق صحفيي الجزيرة، وتراوحت من السجن سبع إلى عشر سنوات. واعتبر حينها أن المشادات الدبلوماسية بين مصر وقطر هي السبب في ذلك خاصة أن قطر استمرت في دعمها للرئيس الإسلامي المعزول محمد مرسي بعد سيطرة الجيش على السلطة في 2013.

نال باهر محمد أقصى عقوبة، وهي عشر سنوات خلف القضبان، حيث عثر بحوزته على غلاف رصاصة. وقد ألغت محكمة النقض الحكم في يناير، وأمرت بإعادة المحاكمة دون الإفراج عنه. لكن من المرجح أن يواجه باهر إجراءات إعادة محاكمته وحيدا.

أطلق سراح بيتر جريست من سجن طرة بالقاهرة، وسافر إلى قبرص في خطوة أذهلت وأسعدت في آن واحد محاميه وعائلته.حاولت حكومات عدة حول العالم من بينها الولايات المتحدة الضغط على السلطات المصرية لإسقاط القضية. وفي تسوية واضحة، أصدرت السلطات المصرية قرارا رئاسيا يسمح للمحتجزين الأجانب العودة لبلادهم ومواجهة محاكمة قضائية هناك.

يستعد محمد فهمي، مدير مكتب قناة الجزيرة في القاهرة، والحاصل على الجنسيتين المصرية والكندية، لرفع دعوى تتيح له التنازل عن جنسيته المصرية والموافقة على المغادرة إلى كندا إلى الأبد. لكن باهر لا يحمل إلا الجنسية المصرية وليس لديه بطاقة خروج من السجن كالتى يمتلكها بيتر وفهمي.

قالت جيهان، وهى تمسك بابنها هارون الذى ولد وباهر في السجن: “انهرت تماما عندما سمعت أن بيتر غادر (السجن) وفهمي سيلحق به.. نشعر بالسعادة من أجل عائلاتهم لكن الأمر ليس جيدا بالنسبة لنا”. وأضافت أن “بيتر الاسترالي خرج أولا، وفهمي عليه أن يتخلى عن هويته من أجل حريته بينما باهر مازال عالقا.. الرسالة واضحة: كونك مصري لا يمنحك إلا البقاء في السجن”.

تخشى أسرة باهر محمد من أن خروج “الأجانب” من المشهد سيؤدي إلى تلاشي الاهتمام الإعلامي بالقضية، وتراجع مواقف الحكومات الدولية، ما يعني أن باهر سيصبح منسيا وتدفن قصته بين العناوين المآسوية التى تحدث في المنطقة.

يوجد حاليا عشرة صحفيين قابعين في السجون المصرية، وكلهم من المصريين ومعظمهم منسيون ما يضع مصر ضمن أسوأ عشر دول تعتقل الصحفيين حول العالم وفقا للجنة الدولية لحماية الصحفيين.

المصور محمود أبو زيد، 27 سنة الشهير بشوكان، أحد أكثر المعتقلين الذين مكثوا في السجن منذ اعتقاله في صيف 2013 دون توجيه أي تهم حتى الآن. قابلته لفترة وجيزة قبل اعتقاله خلال فض الشرطة لاعتصام رابعة المؤيد لمرسي في 14 أغسطس من ذلك العام. كنا نأخذ بعض الراحة من صوت إطلاق النار من الأسلحة الرشاشة، وأزيز رصاصات القناصة التى تخترق الجدران.

 

وقتها قال لي المصور الشاب المتحمس الذى كان يعمل لوكالة ديموتكس، إنه ينوي دخول المستشفى الميداني وسط إطلاق النار حيث تم تجميع الجثث المشوهه في الممرات. مرتديا القليل من وسائل الحماية، تسلل شوكان إلى منطقة الاشتباك حيث انتهى به الأمر في سيارة للشرطة. لا يستطيع أحد إلا حراسه وعائلته أن يراه منذ اعتقاله. بدون محاكمة يتعفن شوكان في زنزانته ويظل عالقا في دوامة لا تنتهي من جلسات تجديد حبسه.

ويقول محمد أبو زيد، أخو شوكان، الذى تحدث معه بعد الإفراج عن بيتر جريست: “انهار تماما بعد سماعه أخبار الإفراج عن صحفيين أجانب.. هو يعتقد أنه قد أفرج عنهم لأنهم أجانب بينما سيبقى كل السجناء المصريين إلى الأبد”. ويضيف أن شوكان “إنهار ذهنيا ويجلس في أحد أركان زنزانته وحيدا رافضا التحدث إلى بقيه الـ11 سجينا المحشورين معه في نفس المكان.. هو بالكاد يأكل ولا يمارس أي رياضة.. هو ميت يمشي على قدمين”.

يمكث شوكان في نفس مجمع السجون الذى سجن فيه جريست وفهمي لكن في مكان أقل راحة وأكثر قسوة حيث اعتقل باعتباره مثير للشغب وليس صحفيا. لا يسمح للسجناء باقتناء الكتب أو الجرائد أو وسائل مشابهة ما يعني أنه قضى 540 يوما لا يفعل أي شىء. ويعلق أخوه: “الأمر وكأنك اختطفت شخصا وحشرته في صندوق”.

وفي شمال غرب القاهرة، تحكي جيهان وهي تبكي كيف كان أطفال باهر يرجونه أن “يتوقف عن العمل ويعود للمنزل” خلال زيارتهم الأخيرة له في السجن حيث سمح لهم بـ45 دقيقة للعب مع والدهم.

الظروف الصعبة والممل القاتل في سجن طرة الذى يشبه سجن “شاتو إيف” الفرنسي قديما، يمكن وصفها بالسيئة بل والمريعة أيضا.

وتشرح جيهان أن السجناء وضعوا خلال أول شهر في العزل الانفرادي، وهو عبارة عن زنزانة صغيرة مساحتها 2 ×2متر ومليئة بالحشرات، ويستطيع السجين فيها بالكاد أن يقف على قدميه. وتقول: “خلعوا عنهم ملابسهم وتركوهم ينامون على الأرضية الاسمنيتة الباردة للغاية، وفي الصباح كانوا يلقون عليهم مياه مثلجة”.

نقل باهر من الوحدة شديدة الحراسة في السجن إلى الجزء الأكثر راحة حيث يمكث بيتر جريست بعد ضغوط قوية من الحكومات الأجنبية وجمعيات حقوق الإنسان العالمية. ورغم ذلك لم يكن مسموحا لهم إلا بنصف ساعة لـ”التريض” حيث يسمح لهم بالجري في ممر ضيق. وتقول جيهان: “لم ير زوجي السماء لمدة عام كامل.. وعندما تظهر أشعة الشمس من إحدى النوافذ فإنهم يتصارعون على من سيحصل على بعض الوقت تحت أشعة الشمس”.

وفي أول مقابلة بعد الإفراج عنه يصف بيتر جريست زميله محمد باهر بـ”رجل الأسرة الرائع” الذى طالما كان يعاني من أجل زوجته وأطفاله. ويقول أثناء حديثه على الهاتف من قبرص مع رئيسه في العمل: “محمد كان متحمسا لأني سأخرج لكن أيضا كان قلقا لأننا نحتاج أن نبقي التركيز عليه”. وأضاف جريست: “أشعر ببالخوف على زملائي الذين تركتهم خلفي، ووسط كل هذا الاحساس بالأمل مازلت أشعر بالقلق.. إذا كان من الصحيح أن اكون حرا فهم أيضا يحق لهم أن يصبحوا أحرارا”.

وتتساءل جيهان: “ما الثمن الذى يجب علينا أن ندفعه لأننا مصريون؟.. من المفترض أن يكون الوضع خلاف ذلك، وأن تهتم بنا حكومتنا لا أن تُعرض عنا”.

مازال هناك أمل، فـ”الجزيرة” تعهدت باستمرار حملتها الدولية للإفراج عن كل طاقمها وإسقاط الاتهامات، والاتحاد الاوروبي الذى رحب بالإفراج عن جريست طالب بالإفراج عن بقيه الصحفيين. رغم ذلك فإن القلق من عدم معرفة مصير العشرة صحفيين المحبوسين مثل شوكان، يقتل عائلاتهم التى تعبت من الوعود الجوفاء.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى