سياسة

خطف وتحرّش وأسلمة .. مأزق مسيحيات مصر

عدسة خالد دسوقي . AFP
عدسة خالد دسوقي . AFP

“يجب أن اتقبل فكرة  أن ابنتي تم اختطافها”، تقول إحدى الأمهات القبطيات، فالخطف، والاجبار على تحويل الديانة، والتعرض للختان ،التحرش والتمييز المجتمعي، كلها مشكلات عديدة تواجهها النساء المسيحيات في مصر، وتتولى الكنيسة الكاثوليكية التصرف نيابةً عنهن.

أوليفر ماكسان –   ACN  News

ترجمة: منة حسام الدين ومحمود مصطفى

 

إنها ظاهرة نادراً ماتكون معروفة في الغرب: خطف واغتصاب النساء المسيحيات وإجبارهن على اعتناق الإسلام.

“قبل عام 2011، ربما تعرضت ست او سبع فتيات فقط في جميع أنحاء مصر لتلك الظاهرة، لكن الآن قد  ازداد الرقم حتى وصل إلى الالاف”، يقول فايز، المحامي القبطي والناشط في مجال حقوق الإنسان لجمعية “عون الكنيسة المتألمة” “ACN”.

الفتيات الصغيرات هن تحديداً هدف المسلمين المتطرفين، وعلى سبيل المثال حالة، نادية مكرم، التي تبلغ من العمر 14 عاماً، وتم اختطافها عام 2011 أثناء وجودها في الخدمة الكنسية، ومنذ حينها  فقدت عائلتها جميع طرق التواصل معها.

وعلى الرغم من  أن أسرة “نادية” تعرف من اختطفها إلا أن الشرطة لم تساعدهم، وتقول والدة “نادية” المتالمة :” إنهم حذرونا من الاستمرار في متابعة الواقعة والتساؤل، وإنه عليّ تقبّل فكرة أن ابنتي تم اختطافها”.

العواقب الوخيمة للاختطاف تتمثل في  التحول القسري إلى الإسلام والذي يتم  إجبار النساء المختطفات عليه،  ويشير المحامي “فايز” إلى واقعة جاكلين ابراهيم التي تم اختطافها واجبرها بعض السلفيين على إعلان إسلامها.

“مثال للتجاهل التام لديانتها وقناعاتها”، يضيف “فايز” الذي يؤكد ان الكنيسة الكاثوليكية تحاول حالياً توفير ملاذ  آمن للفتيات والنساء اللواتي تعرضوا لتلك الحوادث.

في المنيا، تدير الأبرشية القبطية الكاثوليكية ملجأ للفتيات اللواتي تعرضن للاختطاف، بحيث تصبحن في ذلك المنزل في مأمن عمن قاموا بتعذيبهن، خاصةً وأنهن تستطعن البقاء في ذلك الملجأ لمدة 6 أشهر أو أكثر.

وفي السياق نفسه، يقول الأب بولس ناصيف، الذي يدير ذلك المنزل لـ”ACN” إن بعض الفتيات اختبئن في الملجأ للهروب من الاختطاف :” هنا يتم رعاية الفتيات والحديث معهن في كل ما حدث لهن، نحن نحاول تأهيلهن حتى يجدن أماكنهن في المجتمع مجدداً”.

وفي سياق متصل، تواجه العديد من السيدات المسيحيات المصريات مشكلات مكثيرة ليست فقط بسبب  الإسلام الراديكالي، ولكن أيضا مع مجتمعهن.

وتظهر زياره “حي القمامة” بالقاهرة ذلك جلياً؛ الرائحة هنا فظيعة ؛ الشاحنات والعربات التي يجرها الحكمار هي وسيلة نقل القمامة التي تخرج عن أكبر مدين’ بأفريقيا.

 الماعز والكلاب والدجاج تبحث عن بقايا الأكل المتاحة بين أكوام القمامة التي ينتشر بها الذباب؛ هنا تجد الناس جالسين وسط أكوام من النفايات المتعفنة، وزجاجات البلاستيك والاطارات والنفايات الأخرى، ليفرزوا القمامة.

صور مادونا، وصور الصلبان و القديسين القبطية تؤكد أن المسيحيين يعيشون هنا.

 ومنذ عدة أجيال ماضية، قام المسيحيون بالتخلص من جزء من القمامة الناتجة ربما عن مخلفات 20 مليون نسبة من سكان المناطق الكبرى في القاهرة، لذا تك اطلاق عليهم لقب “زبالين” لقدرتهم على  كسب عيشهم جيدا من عملهم، وعلى الأقل وضعهم  أفضل من هؤلاء لذين ينتمون لقرى صعيد مصر، الذين ياتي أغلبهم إلى المدينة.

رانيا ومارينا اللتان تبلغان من العمر 17 و14 عاماً، صديقتان قبطيتان، نشأتا هنا  في المقطم، في الحي الذي يعيش فيه بشكل حصري تقريباً المسيحيون العاملون في جمع القمامة، حيث يعمل والداهما في الأعمال التجارية المتصلة بالقمامة.

مارينا ورانيا

تقول رانيا:” نتعرض باستمرار لمضايقات جنسية، وتقريبا كل الفتيان والرجال يقومون هنا بتلك الافعال ، لذلك في معظم الحالات اتجاهل الواقعة واذهب في طريقي، لكن ذات مرة عندما تعرض لي شاب يبلغ تقريباً 18 عاماً  ويسكن في الحي المسلم المجاور لنا ، صرخت فيه وتجمع الناس حولي وانضموا ي  وقاموا بتوبيخه، حينها شعرت بالسعادة “.

لكن الشجاعة التي تحلت بها رانيا لا يتم دائماً تقديرها، وتؤكد ذلك مارينا استناداً على خبرتها الشخصية :” تحدث معي جارنا المسيحي الذي يبلغ خمسين عاماً بطريقة غير لائقة، وعندما دافعت عن نفسي وتعاملت معه ذهب إلى والدي اشتكى من سوء تربيتي، فاتخذ والدي موقفاً يداعماً له وقام بضربي، وقال:” الفتاة يجب الا تتصرف بطريقة غير محترمة”، وقد اذاني عدم فهمه للموقف اكثر من ضربه لي”.

 سوزي مجدي قبطية أورثوذكسية تعمل كإخصائية إجتماعية في إرسالية كومبوني الكاثوليكية على دراية بكثير من مثل هذه الحالات وهي بدورها تسكن في المقطم، تقول: “الناس هنا يأتون من المناطق الريفية في صعيد مصر ويفكرون بطريقة شديدة التقليدية. الفروقات بين المسلمين والمسيحيين هناك ليست كبيرة .. من المهم جداً أن لا تجلب العار للعائلة،” وبالتالي فإن الغالبية العظمى من حالات الإنتهاك الجنسي تبقى طي الكتمان.

تضيف سوزي: “الكثير من الفتيات تم التحرش بهم وحتى اغتصابهم من قبل إخوتهم أو ابناء أعمامهم وأخوالهم أو أعمامهم وأخوالهم أنفسهم، لكن الأمر يشبه التابو داخل العائلة حيث لا يذهب أحد للشرطة ولا حتى للكاهن،” موضحة أنه “لا أحد سيصدقهم، سيقال أن الفتاة أو المرأة هي من بدأت بالاستفزاز.”

ويلعب العنف الجسدي دوراً مهماً أيضاً، تقول مارينا، 14 عاماً، إن أباها يضرب أمها وإن الامر يتكرر كثيراً، في الوقت الذي تشعر فيه سوزي بتفاؤل تجاه هذا الشأن حيث تقول: “العنف الجسدي في هذا الحي يتراجع، وهو بشكل أساسي مشكلة الأجيال الأكبر. في الماضي كان من المقبول إجتماعياً أن يضرب الزوج زوجته، لكن الحملات التي قمنا بها وغيرنا من المنظمات خلال السنوات القليلة الماضية بدأت في الإتيان بثمارها هنا.”

عالم آخر مختلف على بعد كيلومترات قليلة هو وسط المدينة، ففي المدرسة الكاثوليكية الألمانية للفتيات بالقرب من ميدان التحرير ترسل العائلات الأرقى بناتهم لحضور الدروس بواسطة حافلات تقلهن من منازلهن في الأحياء  المعتنى بها.

ندى ، هيليلنا، شيري، ندى

ندى تبلغ من العمر 17 عاماً وهي قبطية أرثوذكسية، ستدخل امتحان القبول في الجامعة العام المقبل وهي ترغب في دراسة الأدب أو علم النفس حيث لم تقرر بعد، لكنها ترغب بالتأكيد في السفر للخارج لبعض الوقت.

تقول ندى: “بالنسبة لنا نحن النساء، الكثير من الأشياء تغيرت للأفضل منذ الثورة في 2011. طريقة الناس في التفكير تغيرت. في عصر مبارك، لم يكن للمدافعات عن حقوق المرأة الفرصة في التعبير عن أنفسهم بحرية.. الوضع الآن تغير.”

ندى، مثل سوزي، ترى أن وضع المرأة في مصر يعتمد بشكل كبير على وضعها الإجتماعي أكثر من معتقدها الديني، مؤكدة على وجود هوة واسعة بين المدينة والريف.

تقول ندى: “لا أشعر بأية قيود سواءاً من أبي وأمي أو من أصدقائي المقربين سواءاً لكوني إمرأة او لكوني مسيحية، كلهم متعلمين ومتفتحي العقول والمثل هنا في المدرسة.” بالمقابل تشير زميلتها البروتستانتية نادين، 16 عاماً، إلى تجربة والدتها السيئة حيث تتعرض للمضايقات في المدرسة التي تعمل بها كمدرسة لكونها لا ترتدي الحجاب.

يسبب عدم ارتداء النساء المسيحيات للحجاب الكثير من المضايقات في الشوارع لهن “الكثير من الأولاد والرجال يظنون أننا فريسة سهلة”، تقول شيري، 15 عاماً، وتضيف صديقتها هيلينا، 16 عاماً، إنها مشكلة تزداد سوءاً حيث ترى أن “التحرش الجنسي مرتبط بالتليفزيون والإنترنت، حيث الجنس موضوع دائم التواجد.”

وتفرض العادات الإجتماعية في بلد محافظ كمصر قيوداً حتى على النسوة المتعلمات، تقول ندى: “أخي بإمكانه ركوب الدراجة في الحي بدون مشاكل، لن يكون باستطاعتي ذلك. في بعض المناطق في القاهرة قد ترجم المرأة بالحجارة لو ركبت دراجة. أتمنى أن يأتي يوم أركب فيه الدراجة أينما أريد  .. مثله.”

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى