إعلامسياسة

حكاية فلسطينية: “الحرب” صدمة لا تنتهي

عايشت “عبير”حربين على قطاع غزة، لكنها تؤكد أنها حتى الآن ليست مستعدة للصدمة التي تنتج عن معرفتها ببداية أي هجمات عسكرية إسرائيلية ضد القطاع.

عبير أيوب ـ 972 Mag

ترجمة: منة حسام الدين

 إنها الثانية صباحاً، الكهرباء مقطوعة طوال الليل، ولا يمكنني النوم بسبب حرارة الطقس المرتفعة، ولنوم شقيقتاي بجانبي ليطلعا على الأخبار من خلال هواتفهما المحمولة.

تناقشت مع شقيقتاي حول ما إذا سيكون هناك هجمة إسرائيلية أخرى على القطاع بعد الهجمات الأخيرة بين الجانبين، حاولنا رفض الفكرة، لكن كل ما يحيط بنا يشير إلى إمكانية حدوثها.

قررنا النوم لمدة ساعة حتى موعد السحور، لكننا لم نستطع حتى نوم تلك الساعة، فالانفجارات العديدة التي حدثت من حولنا كانت كفيلة بأن تيقظنا.

” افتحي الراديو”، هكذا صرخت في أختى وهي تقوم بضبط الإذاعة المحلية. الآن، الأمر أصبح رسمياً، بدأت إسرائيل عملية عسكرية جديدة ضد قطاع غزة باسم ”  الجرف الصامد”.

بالنسبة لي، ليست جديدة عليّ أجواء تلك الليالي، لقد عايشت حربين والكثير من عمليات التصعيد، لكن حتى الآن لست مستعدة أبداً للصدمة.

 تتزامن عمليات التصعيد الإسرائيلية الحالية مع دخول شهر رمضان المبارك، ومع ما يشهده قطاع غزة من أزمة كهرباء سيئة، وفي ظل صيام 1,8 مليون فلسطيني لمدة 14 ساعة يومياً، لذا فإن سماعهم كل ساعة لصوت انفجارات هو آخر شيء يريدونه.

استيقظت وبدأت الروتين المعتاد الذي يرافق أي عملية تصعيد: ضبط الراديو على القنوات التي تقدم تقريراً عن كل تفجير، ثم متابعة موقعي “تويتر” و”فيسبوك” للتتعرف على حال الأصدقاء وللاتصال بهم في حالة معرفتك بوجود تفجير بالقرب من منازلهم.

ومن بين أصعب التحديات التي نواجهها في كل مرة تحدث فيها تلك الهجمات، هي كيفية التعامل مع الأطفال في منزلنا، الهجمة الحالية هي الأولى التي تعايشها ابنتاي أختى اللتان تعيشان معنا في المنزل نفسه ولا يتعد عمرهما الثلاث سنوات.

في الواقع، ليس بوسعنا عندما تبدءان في الصراخ بسبب الخوف سوى معانقتهما والقول لهما بإن تلك الأصوات صادرة عن الألعاب النارية.

الحياة وسط هجمات عنيفة، تجربة تعلمت عائلتي كيفية التأقلم معها: التأكد من أن مشغل الطاقة البديلة يعمل بشكل صحيح؛ التأكد من أن لدينا ما يكفي من الدقيق للأيام المقبلة؛ منع الأطفال من الخروج من المنزل سوى في الحالات الضرورية.

لكن من العواقب النفسية التي نفشل عادةً في التعامل مع، الشِجار الدائم على أبسط الأسباب، فقط لاخراج كمية الاجهاد الهائلة التي تكون بداخلنا.

الدمار الذي خلفته عملية “الجرف الصامد”

عند الاستماع إلى المتحدثين الرسميين الإسرائيليين لشرح أسباب شنهم للهجوم العسكري، لم أتمكن من العثور على أي شيء جديد، في كل مرة الأهداف نفسها: ” تدمير البنية التحتية لحماس ووقف اطلاق الصواريخ من غزة باتجاه إسرائيل”.

لكن كالعادة، ما يحدث هو أن المدنيين في كلا الجانبين هم من يدفعون ثمن الصراع الذي لا ينتهي.

إذا كنا نريد أن نعود إلى بداية القصة، فعندما تم قتل ثلاثة مستوطنين في الخليل أو حين تم احراق محمد أبو خضير في شعفاط، كانت الأمور أكثر وضوحاً.

وأنا دائما ما أدين العنف الذي يستهدف المدنيين، في أي مكان في العالم، بصوت عال وواضح، حتى عندما يهاجمني أصدقائي، ويصفوني بأني “مؤيدة لإسرائيل”.

حتى الآن، أدى التوسع الاستيطاني المستمر لإسرائيل ونقل اقامة آلاف المستوطنين الإسرائيلية بطريقة غير قانونية إلى الأراضي الفلسطينية،  إلى مثل هذه العواقب الرهيبة، التي وصلت إلى ضرب غزة بحجة مايسمى  “الدفاع عن النفس”.

وأتساءل كيف يمكن أن تقوم بتشريد الآلاف واحتلال أراضيهم، ومن ثم تأتي وتدافع عن نفسك بمعارضة حقوقهم؟

بالنسبة لي، عليّ التعامل مع الهجمات الإسرائيلية على “تويتر” كل يوم، بنشر آخر التحديثات حول ما يجري في غزة، ومن بين التعليقات التي تصلني دائماً هو أن الصواريخ الفلسطينية تقصف بشكل عشوائي وعبثي، فكان تعليقي الوحيد هو: “إذا كنت تعتقد أن صواريخ المقاومة الفلسطينية أصبحت سخيفة، إذن اطلب من الولايات المتحدة الامريكية  توفير طائرات F-16S  للفلسطينيين”.

* عبير أيوب: صحفية تعمل بشكل حر مع عدة وسائل إعلامية من بينها “الجزيرة” و “هآرتس”

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى