إعلامسياسة

جون جريسون: 50 يومًا في سجن طرة

كيف كانت حياة بروفيسور كندي في سجن طرة؟  تورنتو لايف تروي قصة جون جريسون البروفيسور الكندي والناشط المثلي، الذي تم احتجازه  في سجن طرة، بدءا من اليوم التالي لفض اعتصام رابعة، ولمدة لخمسين يوماً، قبل أن تنجح الضغوط في إقناع المسؤولين بإطلاق سراحهم. وهنا أهم اللمحات من التجربة.

جيسون ماكبرايد – تورنتو لايف

ترجمة وإعداد – محمود مصطفى

جون جريسون
جون جريسون

جون جريسون المخرج والناشط المثلي والأستاذ المشارك بجامعة يورك الكندية تعرض لتجربة الحبس مرتين في حياته قبل زيارته لمصر، وكلتا المرتين لم تتجاوزا إمضاء ساعات قليلة في الحبس ثم إطلاق سراح  ذلك دون توجيه تهم لأن إزعاج الشرطة أو تقبيل الرجال في الشارع ليست جنايات في كندا، تجربة جريسون مع الحبس ومع الحياة اختلفت تماماً بعد زيارته لمصر الصيف الماضي.

جريسون كان في طريقه   إلى قطاع غزة رفقة صديقه طبيب الطوارئ الكندي ذي الأصل الفلسطيني طارق لوباني، لتوصيل مساعدات لمستشفى الشفاء في القطاع، والتي تطوع لوباني بالعمل فيها من قبل، إضافة إلى أن جريسون كان يرغب في تصوير بعض المشاهد ليستخدمها في فيلم كان يقوم بالعمل عليه ويدور جزء من أحادثه أثناء الحرب في غزة عام 2009.

الصديقان الكنديان وصلا إلى القاهرة مساء 15 أغسطس 2013، وفي ذهنهما التحرك نحو الحدود في اليوم التالي لكن ما لم يكن في الحسبان ولا في درايتهما، أن قوات الأمن المصرية، التي أطاحت بالرئيس السابق محمد مرسي، قتلت بوحشية المئات من مؤيديه في اعتصامات بالقاهرة.

القاهرة كانت في وضعية جمود ولم يكن باستطاعة جريسون ولوباني الذهاب إلى غزة. علم الاثنان بأن هناك مظاهرة صباح اليوم التالي ستنطلق من ميدان رمسيس القريب من الفندق الذي يقيمان فيه. ذهب الاثنان لتفقد المظاهرة وبعد أن بدأت قوات الجيش في استخدام الغاز المسيل للدموع ثم الرصاص، وبعد ظهور أول جسد مصاب عّرف لوباني نفسه للمتظاهرين كطبيب وبدأ المساعدة في مستشفى ميداني داخل مسجد وبدوره بدأ جريسون في تصوير المصابين والضحايا .

ألقي القبض على جريسون ولوباني وهما في طريق العودة للفندق ونقلا إلى قسم شرطة وتم ترحيلهم في الصباح التالي إلى سجن طرة دون توجيه اتهامات.

الرحلة

حشر الثنائي مع 40 متظاهراً مرهقاً داخل عربة الشرطة الخانقة وسط درجة حرارة تقترب من الأربعين مئوية، وظلوا لثلاثة ساعات داخل العربة وأغمى على عدد من المعتقلين من شدة الحر. (علم جريسون بعد أسابيع أن الشرطة ألقت بعبوة مسيلة للدموع داخل عربة ترحيلات بها 45 مسجوناً وأغلقوا أبواب العربة مما أدى إلى وفاة 37 من المساجين بالاختناق).

الوصول

ازداد الوضع سوءاً عند الوصول إلى طرة، حيث تم دفع جريسون ولوباني مع  باقي المعتقلين للمرور بين صفين من الحراس الذين  انهالوا عليهم ضرباً وركلاً، ثم ألقي بهم إلى كافيتيريا أجبروا فيها على الجثو على الأرض الإسمنتية وأيديهم خلف رؤوسهم. كان باستطاعة جريسون أن يسمع الحراس يضربون، بانتظام، المساجين الآخرين وراءه ، شاقين طريقهم ببطئ نحوه ولوباني ، إلى أن ضرب بقسوة جعلته يعجز عن الجلوس بشكل سليم لأيام،  وترك حذاء أحد الحراس أثراً في ظهره ظل باقياً لأسبوع. كعقاب أخير أغرقهم الحراس بدلاء من البول.

الزنزانة

زج بـ38 من المعتقلين في زنزانة مساحتها 3 × 10 أمتار خالية من الأسرة أو المراتب، فقط أرضية إسمنتية تعج بالصراصير وصنبور مياه وحيد للشرب والاغتسال ومرحاض. أخذت أموالهم وبطاقات ائتمانهم وحلقت رؤوسهم واستبدلت ثيابهم وأحذيتهم بزي قطني أبيض طبعت عليه كلمت “تحقيقات”.

حملات إعلامية عديدة طالبت بإطلاق سراح جريسون ولوباني
حملات إعلامية عديدة طالبت بإطلاق سراح جريسون ولوباني

الإنكار

أمر جريسون ولوباني بالتوقيع على نفس قائمة الاتهامات التي شملت كل شيء، من محاولة تفجير قسم شرطة إلى القتل، ولكنه لم يكن أكثر من إثبات لمعرفتهم بأنهم قيد التحقيق على خلفية هذه التهم. جريسون كان متأكداً من أنهم لن يتم احتجازهم لوقت طويل، لقد كانا يوماً وليلة وحشيين لكن الأمر بكل تأكيد هو سوء فهم فظيع. كان جريسون يقول لمحتجزيه إنهما كنديان، بروفيسور وطبيب، لا صلة لهم بالشأن السياسي المصري، يقول “طيلة الوقت كنت أفكر: سنخرج خلال 24 ساعة .. كم كنت مخطئاً.”

العيش

حياة جريسون داخل طرة اختزلت إلى مفاوضات حول صنبور الماء، حيث كل رفقاء حبسه مسلمين ملتزمين وضعوا منذ البدء نظاماً يسمح لهم بالصلاة ثلاثة مرات في اليوم (بدلاً من خمسة في المعتاد) والاغتسال قبل كل صلاة. غسل اليدين قبل وبعد الوجبتين اليوميتين كان ضرورياً أيضاً، ووجود 38 رجلاً وصنبور واحد ومنشفة صنعت من ساق رداء ممزق تطلب حرصاً لوجستياً شديداً.

 التعايش

لم يكن زملاء جريسون في الزنزانة مجرمين، كانوا بنائين وحدادين وأساتذة في الجامعات وطلبة جميعهم ألقي القبض عليهم في المظاهرة وكثير منهم يحبس لأول مرة. جريسون، 54 عاماً، كان الأكبر سناً في الزنزانة بالرغم من وجود أجداد ضمن المعتقلين. يتذكر جريسون أن الكل كانوا طيبين طوال الوقت، فبعد أن تم ضربه وعجز عن الجلوس مهد أحدهم حجره ليريح جريسون رأسه كما أن العائلات التي زارتهم فيما بعد شاركت الكل الطعام الذي كانوا يجلبونه، بالمقابل قام جريسون بتعليم زملاؤه الإنجليزية.

الخوف

ميول جريسون الجنسية جعلت ورطته أشد صعوبة باعتباره مثليا في بلد معروف بعدم تسامحه مع المثلية، وإضافة لذلك فأي شخص لديه اتصال بالإنترنت كان ليستطيع معرفة أن جريسون ارتبط في معظم فترات حياته بمجموعات سياسية تميل لليسار بل ومجموعات تعتبر مخربة. كما أن جريسون معروف بنشاطه مؤخراً في شأن التضامن مع الفلسطينيين، وفي مصر يبدو أن  كره حماس والميول الغير متعاطفة مع الفلسطينيين مسألة راسخة.

العنف

التهديد الوحيد بالعنف كان من الحراس، في كل مرة مرّ فيها الحارس الذي ترك حذائه أثراً في جسد جريسون كان جريسون يرتجف رغماً عنه. بين حين وآخر كان آخرون من الزنازين المجاورة يقتادون للتحقيق ويعودون وقد تم ضربهم بعنف شديد، وكذلك من كان يضبط بحوزته هواتف محمولة أو مخدرات.

الإضراب

بعد تمديد متكرر للاحتجاز القسري وفي اليوم الثلاثين لاحتجازهم، بدأ جريسون ولوباني إضراباً عن الطعام ولكن ولأن جريسون كان متخوفاً من الحبس الإنفرادي، العقوبة المعتادة في طرة لمثل هذا الإحتجاج، قرر هو ولوباني أن ينفذا إضراباً لا يشمل السوائل لأنه أسلم جسدياً وأقل استحقاقاً للعقوبة في أعين المسئولين في طرة.

الخروج

بعد تدخلات كثيرة ومحاولات تواصل مع المسئولين المصريين والكنديين من قبل أصدقاء جريسون في كندا والأهم بعد أن نجح والد لوباني الذي قدم إلى مصر في التحدث إلى جميع أعضاء الحكومة المصرية الهاتف بمن فيهم قائد الجيش المصري عبد الفتاح السيسي الذي وعد الوالد بأنه لن يغادر مصر سوى بصحبة ابنه وقد كان، أطلق سراح الرجلين بعد 50 يوماً من الإعتقال دون توضيح ولا اعتذار.

العدة
العدة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى