إعلامسياسة

جارديان: مصر “تتأمرك” في مواجهة الإرهاب

روزينا علي في الجارديان تلاحظ علامات استلهام مصر للنموذج الأمريكي في الحرب على الإرهاب

gard

الجارديان– روزينا علي

ترجمة – ملكة بدر

اليوم، تستأنف مصر محاكمتها لصحفيي الجزيرة الثلاثة المحبوسين منذ ديسمبر بتهمة أن تغطيتهم تهدد الأمن القومي، وقد نددت وسائل الإعلام والجماعات الحقوقية والحكومات الأجنبية، ومنها حكومة الولايات المتحدة، باعتقال الصحفيين وانتقدت الإجراءات التي اعتبرت خطوة سياسية صريحة لقمع المعارضة. وبالفعل، حتى عندما تنأى واشنطن بنفسها عن الانتخابات الرئاسية المقبلة، إلا أن وزارة خارجيتها أصرت على ضرورة وجود “حرية رأي في وجهات النظر السياسية دون وجود أي ترهيب أو خوف من العقاب”. والشهر الماضي، أدانت الولايات المتحدة وعدة دول أخرى في بيان لدى الأمم المتحدة مصر بسبب قمعها العنيف للمعارضة، الذي يشمل الصحفيين.

لكن الخطاب السياسي الوقح في القاهرة لم يتغير، أن صحفيي الجزيرة الإنجليزية: بيتر جريست، ومحمد فهمي وباهر محمد مدانون بمساعدة الإخوان المسلمين، وأن الإخوان جماعة إرهابية، وأن سياسة الحرب على الإرهاب مهمة للديمقراطية بغض النظر عن كل شيء، حتى لو كان ذلك يأتي على حساب حرية الصحافة، وهي القلب النابض للديمقراطية.

هذا الخطاب ليس جديدًا، ويبدو أن مصر تستلهم مسارها من نفس البلد التي تنتقدها الآن، من الولايات المتحدة الأمريكية.

وعلى مدار العقد الماضي، لم تقم الولايات المتحدة فقط باعتقال صحفيي الجزيرة بل عذبتهم أيضًا بدعوى مكافحة الإرهاب، والآن بينما توزع حرب الولايات المتحدة على الإرهاب دعمها على عدد من الحروب على الإرهاب، السرية منها والعلنية، المحلية منها والعالمية في كل مكان، يبدو أن أسلوب حبس الصحفيين هو الأكثر شيوعًا.

فمنذ أكثر من 10 سنوات، بررت الولايات المتحدة الأمريكية أيضًا احتجازها لصحفيي الجزيرة واعتقالها لهم، بزعم أنهم يمثلون “تهديدًا على الأمن القومي”. لم يكن يمكن إخفاء الاعتقالات تحت غطاء الضرر الحتمي في حرب مهلهلة فوضوية، كانت الولايات المتحدة آنذاك تفعل ما تفعله مصر الآن، تتخيل روابط بين شبكة الأخبار تلك والميليشيات، وتستهدف بالتحديد هؤلاء الذين لم تتوافق تغطيتهم للأخبار مع مصالح وآراء الجيش. وكان ديك تشيني قد حذر أن الجزيرة تخاطر بوضع نفسها في موقع “صوت أسامة بن لادن إلى العالم”، أما دونالد رامسفيلد فقال عن تغطيتها لحرب العراق إنها كانت “خبيثة، غير دقيقة، غير مبررة”.

وعلى مدار السنوات العديدة بعدها، ألقت القوات الأمريكية القبض على صحفيين للجزيرة منهم سامي الحاج وصلاح حسن نصيف جاسم العجيلي واعتقلتهم. وقد قامت قوات الجيش الأمريكي بذلك في واقعتين منفصلتين، يجمع بينهما أن الصحفيين كانا يؤديان عملهما في ذلك الوقت، ثم قامت بتعذيبهما أثناء محاولتها إيجاد روابط بين الجزيرة وتنظيم القاعدة. ولم يتم تعويض الحاج أو العجيلي عن فترة اعتقالهما الخاطئة. وبعد سبع سنوات من السجن في جوانتانامو، أطلقت الحكومة الأمريكية سراح الحاج وسلمته للسلطات السودانية، دون أي تعويضات. وفي الوقت نفسه، رفع العجيلي قضية على المتعهد العسكري الخاص في السجن، زاعمًا بالتآمر لتعذيبه وارتكاب جرائم حرب، لكن محكمة المقاطعة رفضت القضية وأمرت العجيلي والمدعين الآخرين بدفع نفقات القضية لهؤلاء الذين قاموا بتعذيبهم. ولا تزال القضية قائمة بانتظار الطعن عليها.

مازالت أصداء هذه الحرب المضللة على الإرهاب تتردد حتى الآن، حتى لو كان مسار الحرب قد تغير: إذ مالت إدارة أوباما أكثر نحو تفعيل قانون التجسس أكثر من أي إدارة سابقة لرئيس أمريكي آخر، في محاولة منها للسيطرة على تسريبات الصحافة بأساليب وصفت بأنها “الأقسى والأعنف منذ عهد إدارة نيكسون”.

ومن الحرب على الإرهاب إلى الحرب على التسريبات، يظهر تأثير الولايات المتحدة واضحًا على الحرب العالمية التي يتم شنها الآن على الصحافة. وعندما قللت الولايات المتحدة من مساعداتها إلى مصر بعد قيام الحكومة بفض الاحتجاجات المناهضة للدولة بالعنف، كانت في الوقت نفسه مستمرة في إمداد نفس الحكومة بالدعم من أجل جهودها لمكافحة الإرهاب، وهي نفس الجهود التي استخدمت لتبرير اعتقال صحفيي الجزيرة من البداية.

ولا عجب إذن في أن يقوم وفد مصر للأمم المتحدة بالتشكيك في الدول التي وقعت على بيان الأمم المتحدة الأخير بشأن قمع المعارضة، إذ نطالب الدول الموقعة على هذا البيان بالنظر بعين الاعتبار إلى مصداقية وضعها، إذ تتحدث هذه الدول عن حرية الصحافة بينما يتم اعتقال النشطاء والصحفيين ويلقى بهم في معسكرات الاحتجاز والسجون السرية دون حتى محاكمتهم وكل ذلك بحجة الحرب على الإرهاب.

الآن يقبع مصير الصحفيين الثلاثة في أيدي حكومة تطبق سياسات الولايات المتحدة، لا يمكن أن يكون تأثير حملة القمع الأمريكية على الإعلام أوضح من ذلك. وفي غياب الالتزام بحرية الصحافة ومسائلة من وجهوا اتهامات كاذبة لهؤلاء الصحفيين وقاموا باعتقالهم وتعذيبهم، سيستمر نفاق السياسة الأمريكية وسيتفاقم في تبرير إلحاق أي أضرار مستمرة في المستقبل. وفي الوقت الذي ستنتهي فيه الحرب على الإرهاب، إذا انقشع دخانها فعلا، سيصبح من المرعب تخيل ما الذي سيظهر آنذاك بعدها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى