سياسة

تورط السعودية؟ .. قصة 28 صفحة محذوفة من ملفات 11 سبتمبر

نيويوركر: تكشف أوراق مصنفة  “سري للغاية”  تفاصيل مثيرة عن تورط سعودي رسمي “محتمل” في هجمات 11 سبتمبر .

 8813_531

لورانس رايت – نيويوركر

ترجمة – محمود مصطفى

 في الطابق السفلي لمركز الزوار الجديد تحت الأرض بمبنى الكابيتول بالولايات المتحدة ، توجد غرفة آمنة تحفظ فيها لجنة الاستخبارات بمجلس النواب الأمريكي ملفات غاية في السرية.

أحد  هذه الملفات  يتألف من 28 صقحة عنوانه “البحث والمناقشة والسرد فيما يتعلق بمسائل أمن قومي حساسة بعينها”  . في عام 2002، أزالت إدارة الرئيس جورج بوش هذه الصفحات من تقرير تحقيق الكونجرس المشترك في هجمات 11/9، وقال الرئيس بوش وقتئذ إن نشر هذا الجزء من التقرير سيضر بعمليات المخابرات الأمريكية وسيكشف عن “مصادر وأساليب ستجعل انتصارنا في الحرب على الإرهاب أصعب.”

“لا يوجد بالملف شيء متعلق بالأمن الوطني” يؤكد والتر جونز عضو الكونجرس الجمهوري من ولاية كارولاينا الشمالية الذي قرأ الصفحات المفقودة. “إنه عن إدارة بوش وعلاقتها بالسعوديين”

أخبرني ستيفن لينش عضو الكونجرس الديمقراطي عن ولاية ماساتشوسيتس أن الوثيقة “صاعقة في وضوحها” وأنها توفر دليلاً مباشراً على تورط من جانب بعض الأفراد والمؤسسات السعودية في هجمات القاعدة ضد أمريكا، وواصل لينش “تروي هذه الصفحات الثماني والعشرين قصة محيت بالكامل من تقرير 11/9.”

عضو كونجرس آخر توجب عليه قراءة المستند قال إن دليل دعم الحكومة السعودية لهجمات 11/9 “مثير للانزعاج جداً” وإن “السؤال الحقيقي هو ما إذا كان ذلك بموافقة العائلة المالكة أم مستوى أدنى من ذلك وإذا ما تم تتبع هذه الأدلة أم لا.”

والآن وفي مثال نادر على التعاون بين الحزبين يدعم كل من جونز ولينش قراراً يطلب من إدارة أوباما نزع صفة السرية عن هذه الصفحات.

السعوديون طالبوا كذلك علناً بأن تنشر هذه المادة، وأعلن الأمير بندر بن سلطان الذي كان السفير السعودي للولايات المتحدة إبان هجمات 11/9 أن “الصفحات الثماني والعشرين المخفية يتم استخدامها للتشهير بدولتنا وشعبنا. المملكة العربية السعودية ليس لديها ما تخفيه، نستطيع التعامل مع الأسئلة في العلن لكننا لا نستطيع أن نرد على صفحات فارغة.”

الأمير بندر بن سلطان والرئيس الأمريكي السابق جورج بوش

وتأتي جهود نزع صفة السرية عن الوثيقة في وقت تتقدم فيه القضية، التي أقيمت قبل عشرة أعوام بالنيابة عن ضحايا الهجمات وعائلاتهم، وشركات التأمين التي دفعت بالإدعاء خلال النظام القضائي الأمريكي. وتستهدف القضية مؤسسات خيرية وبنوك وأفراد سعوديين.

في 2005، استُبعدت الحكومة السعودية من القضية بدعوى الحصانة السيادية، لكن في يوليو الماضي أعادت المحكمة العليا للولايات المتحدة المملكة إلى القضية كمتّهم. ويعتقد المدعون أن الثماني والعشرين صفحة المحجوبة ستدعم ادعائهم بان هجمات 11/9 تلقت مساعدة مباشرة من مسئولين بالحكومة السعودية في الولايات المتحدة.

ووفقاً لممثلين لعائلات ضحايا 11/9 وعد الرئيس أوباما مرتين بالإفراج عن الأوراق ولكنه حتى الآن فشل في فعل ذلك. “تنقيح الصفحات الثماني والعشرين أصبح متستراً عليه من قبل رئيسين والتستر يعني ضمناً التورط” تقول شارون بريمولي التي ترأست بالمشاركة مجموعة “عائلات 11/9 متحدون من أجل العدالة في مواجهة الإرهاب” “العائلات والناجون لهم الحق في معرفة الحقيقة الكاملة حول مقتل 3 آلاف من أحبائهم وإصابة آلاف آخرين.”

ويقدم الساعون لنزع السرية حجة قوية وعاطفية في أغلب الأحوال، لكن آخرين يقدمون أسباباً مقنعة لبقاء الوثيقة مدفونة تحت مبنى الكابيتول. فور انتهاء لجنة الكونجرس المشتركة للتحقيق من تقريرها في أواخر 2002 بدأت اللجنة الوطنية حول الهجمات الإرهابية ضد الولايات المتحدة والمعروفة باسم “لجنة 11/9” عملها تحت قيادة توماس كين، حاكم نيو جيرسي السابق، ولي هاملتون، عضو الكونجرس السابق عن ولاية إنديانا.

الأسئلة التي أثارتها الثماني وعشرين صفحة كانت جزءاً هاماً من أجندة اللجنة وبالطبع عين مدير اللجنة فيليب زيليكوف بالموظفين الذين عملوا على التحقيق المشترك في هذه القسم بالتحديد من أجل متابعة العمل على محتويات الصفحات.

وفقاً لزيليكوف، فإن ما وجدوه لا يقدم أدلة على حجج التحقيق المشترك وعائلات 11/9 في القضية ضد السعوديين. ووصف زيليكوف الصفحات الثماني والعشرين بأنها “تجميع لتقارير أولية لم يتم فحصها” متعلقة بالتورط السعودي. وقال “كانت اتهامات جامحة احتاجت إلى أن تفحص.”

 عجز زيليكوف وموظفيه في نهاية المطاف عن اثبات أي تواطئ سعودي رسمي في الهجمات، موظف سابق بلجنة 11/9 على دراية دقيقة بمحتويات الصفحات الثماني والعشرين يوصي ضد نزع السرية محذراً من أن تحرير معلومات محرضة وتكهنات قد “يجيش المشاعر” ويضر العلاقات الأمريكية السعودية.

يوافق ستيفن لينش على أن الصفحات الثماني والعشرين دفنت من أجل الحفاظ على العلاقات الأمريكية مع السعودية. قال لي “جزء من سبب كونها سرية أنها كانت لتخلق رداً عميقاً، كان ليكون هناك ردة فعل عنيفة. لكن بعد ثلاثة عشر عاماً، هل لا زال هذا سبباً لإبقاء الوثيقة سراً؟”

النظرية من وراء القضية المرفوعة ضد السعوديين تعود إلى حرب الخيج عام 1991، حيث كان وجود القوات الأمريكية في السعودية حدثاً مُحطِماً في تاريخ البلاد واستدعى اسئلة متعلقة الصفقة القديمة بين العائلة الملكية وبين رجال الدين الوهابيين التي سمحت مباركاتهم لآل سعود بالحكم.

عام 1992، أصدرت مجموعة من أبرز قادة رجال الدين “مذكرة النصيحة” التي هددت ضمناً بانقلاب من قبل رجال الدين. استجابت العائلة المالكة، مهتزة بفعل التهديد لحكمها، لمعظم مطالب رجال الدين مانحة إياهم سيطرة أكبر على المجتمع السعودي.

أحدى توجيهاتهم كانت الدعوة إلى إنشاء وزارة الشئون الإسلامية والتي ستمنح مكاتباً في السفارات والقنصليات السعودية. وبحسب ما كتب الصحفي فيليب شينون، مقتبساً تصريحات وزير البحرية السابق جون ليمان “كان معروفاً جيداً في الدوائر الاستخباراتية أن مكتب الشئون الإسلامية عمل كطابور خامس سعودي لدعم المتطرفين المسلمين.”

القصة المحكية في هذه الصفحات الثماني والعشرين تبدأ بوصول شابين سعوديين، نواف الحازمي وخالد المحضار، إلى لوس أنجلوس في يناير من العام 2000. الشابان كانا الموجة الأولى من خاطفي الطائرات في 11/9 وكلاهما لم يكن يتحدث الإنجليزية جيداً ولذا بدت مهمتهما، تعلم كيفية قيادة طائرات بوينج النفاثة، غير محتملة بشكل جنوني خاصة إذا لم يكن لديهم مساعدة.

بعد أسبوعين من وصول الحازمي والمحضار إلى لوس أنجلوس ظهر فجأة فاعل خير، عمر البيومي وهو مواطن سعودي بعمر 42 عاماً وكان موظفاً بشركة خدمات الطيران السعودية “دلة أفكو.” بالرغم من حصوله على راتب، لم يبد أن البيومي كان يؤدي أي عمل حقيقي لصالح الشركة خلال سبعة أعوام قضاها في الولايات المتحدة. كان البيومي على اتصال متكرر بالسفارة السعودية في واشنطن دي سي وبالقنصلية في لوس أنجلوس، وكان يعتبر على نطاق واسع في مجتمع المغتربين العرب جاسوساً سعودياً بالرغم من أن الحكومة السعودية أنكرت أنه كان كذلك.

قاد البيومي وصديق له سيارة من سان دييجو، حيث كانا يعيشان، إلى لوس أنجلوس ثم ذهب البيومي إلى القنصلية السعودية حيث أمضى حوالي ساعة في لقاء بمسئول في وزارة الشئون الإسلامية يدعى فهد الثوميري، وهو الشخص الذي كان يعتبره البيومي مرشده الروحي. (عام 2002 سحب من الثوميري جواز سفره الدبلوماسي وتم ترحيله للاشتباه في علاقته بإرهابيين.)

بعد هذا اللقاء تحرك البيومي وصديقه إلى مطعم يقدم الطعام الحلال في كولفر سيتي، وأخبر البيومي المحققين لاحقاً أنه بينما يتناول الطعام هناك حدث أنه استمع إلى حديث رجلين، الحازمي والمحضار، يتحدثان العربية بلهجة خليجية وبدأ محادثة معهما ثم ليس بعد ذلك بكثير دعاهم للانتقال إلى سان دييجو وأسكنهم في نفس مجمع الشقق الذي يقطن فيه.

خالد المحضار

ولأن الخاطفين تحت التمرين لم يكن لديهما حساب جار، دفع لهما البيومي عربون التأمين وإيجار الشهر الأول، وهي المبالغ التي سدداها له مباشرة، كما قادهم إلى أعضاء المجتمع العربي، ويحتمل أنه كان من ضمنهم إمام المسجد المحلي أنور العولقي الذي سيصبح فيما بعد أبرز المتحدثين باسم القاعدة في شبه الجزيرة العربية.

سعودي آخر كان في سان دييجو في ذلك الوقت هو أسامة باسنان الذي صادق الحازمي والمحضار كذلك. ما حدث أن زوجة باسنان كانت تتلقى صدقات من زوجة الأمير بندر، الأميرة هيفاء، وبلغت هذه الصدقات 73 ألف دولار على مدار ثلاثة سنوات وكان من المفترض أن تمول هذه الأموال علاج حالة طبية تعاني منها زوجة باسنان.

وفقاً للإدعاء في القضية ضد السعوديين ذهبت هذه الأموال لدعم الخاطفين في سان دييجو. ومع ذلك، لم يجد مكتب التحقيقات الفيدرالية (إف بي آي) أية أدلة على أن الأموال وصلت إلى أيدي الخاطفين ولم تعثر لجنة 11/9 على ما يربط بالعائلة الملكية.

شون كارتر أحد المحامين الرئيسيين في القضية قال لي “نحن نأكد أن “الصدقات” المزعومة التي وضعتها حكومة المملكة لنشر الفكر الوهابي الأصولي حول العالم، كانت المصدر الأساسي للتمويل والدعم اللوجيستي للقاعدة لأكثر من عقد من الزمان إلى أن حدثت هجمات 11/9. ليس من قبيل الصدفة، ما تسمى بالصدقات هذه تم تنظيمها من قبل وزارة الشئون الإسلامية والتي منذ تأسيسها عام 1993 تولت المسئولية بشكل أساسي في جهود المملكة لنشر الإسلام الوهابي.”

يتذكر توماس كين في النهاية الفرصة التي أتيحت له لقراءة هذه الصفحات الثماني والعشرين بعد أن أصبح رئيساً للجنة 11/9 “كانت الصفحات سرية للغاية لدرجة أني اضطررت إلى أن أجلب كل تصاريحي الأمنية وأن أذهب إلى دهاليز الكونجرس رفقة شخص يراقبني من خلفي.”

توماس كين

ويتذكر أيضاً التفكير وقتئذ في أن معظم ما كان يقرأه لم يكن يجب أبداً أن يبقى سراً. لكن التركيز على الصفحات الثماني والعشرين يخفي حقيقة أن كثير من الوثائق المهمة لا تزال سرية، يقول لي كين “أطنان من الأشياء” من ضمنها على سبيل المثال مقابلات لجنة 11/9 مع جورج بوش وديك تشيني وبيل كلينتون. وقال كين “لا أعرف شيئاً في تقريرنا لا يجب أن يصبح علنياً بعد 10 أعوام.”

قد يكون الحادي عشر من سبتمبر جزءاً من التاريخ الآن لكن بعضاً من الأحداث التي أدت إلى ذلك اليوم المفزع لا تظل محجوبة لاعتبارات سياسية في الحاضر. لا يريد المجتمع الاستخباراتي أن يلقي الضوء على إخفاقاته مرة أخرى وبلا شك لا ترغب إدارة أوباما في تقديم توترات جديدة إلى علاقتها بالسعوديين.

في الوقت ذاته تستجمع القوى التي أدت إلى الكارثة من قبل قواها مرة أخرى. قال لي توماس ماسي عضو الكونجرس الجمهوري من ولاية كنتاكي وداعم لقرار مجلس النواب لرفع السرية عن الوثيقة إن تجربة قراءة هذه الصفحات الثماني والعشرين جعلته يعيد التفكير في كيفية التعامل مع صعود داعش، جعلته أكثر حذراً فيما يتعلق برد عسكري، وقال “يجب أن نكون حذرين عندما نجري حسابات التصرف وماذا ستكون التداعيات.”

يرى تيموثي رومير عضو لجنة التحقيق المشترك ولجنة 11/9 “في بعض الطرق، هذا خطر اليوم. مجموعة من التهديدات تجتمع سوياً أكثر تعقيداً مما كان قبل 11/9 من ضمنها مقدرات داعش والقاعدة وإرهابيو الفضاء الإليكتروني. كلما عرف الشعب الأمريكي أكثر عما حدث قبل 13 عاماً كلما أصبح لدينا حوار مفتوح وذو مصداقية” عن احتياجاتنا الأمنية.

ويقول إن نشر هذه الصفحات الثماني والعشرين قد يكون خطوة للأمام “نأمل، بعد تجاوز الصدمة، أن يحسن نشرها من أسلوب عملنا، حكومتنا ملزمة بفعل ذلك.”

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى