سياسةمجتمع

“تجار الشك”.. علماء في خدمة شركات التبغ والنفط

فوكس: علماء يخفون نتائج علمية مهمة تتعلق بصحة الإنسان لصالح كبرى شركات النفط والسجائر

Vox – جوليا بيلوز – ترجمة: محمد الصباغ

كانت شركات التبغ الكبرى، بحلول الخمسينيات، على دراية بأن التدخين يسبب السرطان. وفي الستينيات لاحظت تلك الشركات أن النيكوتين مادة تسبب الإدمان وأن التدخين يؤدي إلى أمراض القلب. ومع ذلك بعد ثلاثة عقود وقف أصحاب شركات التبغ أمام الكونجرس، ورددوا القسم ثم انكروا كل تلك الحقائق.

تتكرر نفس القصة هذه الأيام في قضايا علمية رئيسية بداية من تغير المناخ إلى تأثر الصحة بالكيماويات المختلفة. وبينما يُجمع العلماء على تلك القضايا تحاول الشركات إخفاء ما يثبته العلماء وتحول النقاشات إلى جدل مصطنع.

يظهر الفيلم الوثائقي (تجار الشك –Merchants of Doubt) كيف أن الساعيين لتحقيق الأرباح يشكلون وعي الناس تجاه الأسئلة العلمية الكبرى في الوقت الراهن. ويوضح الفيلم أن المعركة حول التغير المناخي، والتدخين، والمواد الكيميائية البيئية، تتعلق فعليا بأيدولوجية سياسية ويشرح أيضاً الأمور المتعلقة بالطريقة التى يجب أن يعيش بها الناس ويحكمون أنفسهم.

جاءت فكرة الفيلم من بحث لناعومي أوريسكس، مؤرخة العلوم بجامعة هارفارد. وكانت أوريسكس قد شاركت في تأليف كتاب (تجار الشك –Merchants of Doubt) عام 2010 بعد العثور على اكتشاف مذهل، وهو أن كل الأبحاث المنشورة عن تغير المناخ العالمي بين عامي 1992 و2002، تظهر إجماع الباحثين على أن ارتفاع درجة حرارة الكوكب  قد سببها الإنسان.  ولكن تلك الأبحاث لم تغادر الحوليات والدوريات البحثية إلى عالم الواقع . أرادت أوريسكس أن تفهم سبب حدوث ذلك.

ناعومي أوريسكس

تحدثت معها في الحوار التالي عن كيف يمكن أن يتطابق بحثها مع الجدل العلمي الحالي، وما يمكن أن يعلمه منها العامة والعلماء والصحفيون حول كبرى شركات التبغ والنفط وكيف يمكن تجنب تكرار ما حدث في الماضي.

جوليا بيلوز: في بحثك، ركزتي على وجود إجماع تام بين العلماء. هذا أمر مثير جداً خاصة في نطاق الجدل الدائر حول تغير المناخ وتأثير التبغ لأن الكثير من الاشخاص الذين حاولوا إيصال هذا الإجماع إلى العامة في وقت سابق تم السخرية منهم ومهاجمتهم وعوملوا كالمجانين المهمشين وسط حملات منظمة من قبل الشركات الصناعية. ما هو الدرس من ذلك؟

ناعومي أوريسكس: لو شكك أحدهم في العلم، فهناك سؤالين يجب أن نطرحهما. الأول هو مَن هؤلاء المشككين؟ وهل لديهم اهتمام بتحدي المعرفة العلمية لسبب ما ليس له علاقة بالعلم؟ والسؤال الثاني هو: ما المدة التي استغرقها المجتمع العلمي في دراسة هذا الأمر المشكك فيه؟ ففي حالات كثيرة، يغير العلماء آرائهم وخاصة في المرحلة الأولى من الاستقصاء. ولذلك من المهم النظر إلى الطريقة التي توصل بها العلماء إلى نتائجهم وكيف حدث ذلك.  ولو تحدى شخص ما هذا الإجماع في الآراء يجب أن نتسائل من هو هذا الشخص وما هي مصلحته.

جوليا بيلوز: نحن في الإعلام يتم تشجيعنا على إيجاد الدراسات الجديدة غير المتوقعة، والأدوية المعجزة. لكن في أحيان كثيرة، هذه النتائج لا تعكس ما حقيقة البحث. ماذا تعرفين عن الاختلاف بين ما يقوله العلم وما يصوره الاعلام؟

ناعومي أوريسكس: هناك فارق كبير جداً بين كيفية رؤية الإعلام للأخبار ورؤية العلماء لها. بالنسبة لك، ما يجعل الخبر خبراً هو كونه جديداً، ويخلق ذلك تحيزاً في الإعلام حول كيفية تصنيف نتائج الأبحاث بالجديدة. أما رؤيتي فهي أن تصنيف نتائج الأبحاث بالجديدة قد يكون خطأ بشكل كبير. يمارس الناس (العلماء) كل أنواع الأعمال المثيرة للاهتمام، وعلى سبيل المثال يتوصلون إلى حلول لمسائل  معينة في قضية المناخ. لكن لا “جديد” هناك في ذلك. لذا لا يقوم الاعلام بتغطيتها لأنها ليست جديدة. لا عجب في أن العامة يصابون بالإرتباك.

 جوليا بيلوز: هل يرجع ذلك إلى عدم دراية العامة بالطريقة التى يعمل بها العلماء؟

ناعومي أوريسكس: في العلم الحديث، هناك “أسطورة ” تقول إن المعرفة العلمية تعتمد بالأساس على لحظات  تجل لأشخاص عباقرة، حين يتوصل عالم إلى شىء ما جديد.  معظم الإنتاج العلمي لا يأتي من تلك اللحظات بل من العمل الجاد. وعندما يصل فرد إلى تلك اللحظة فهو فقط يمتلك فكرة ما لكن عليه أن يعالجها ويطورها. الأمر مختلف فالعلماء يعقدون اجتماعات، ويتبادلون الأسئلة، ويطرحون أعمالهم للمناقشات وبمجرد نشر البحث العلمي، يبدأ الناس في قراءته وعمل المتابعات. فهي عملية طويلة ولا تحدث كل ليلة. وفي عملي، رأيت مزاعما علمية مهمة أخذت عقوداً حتى تخرج إلى النور.

 جوليا بيلوز: في كتابك (تجار الشك – Merchants of Doubt) أظهرتِ أن كثيرا ممن هاجموا العلم بسبب التدخين هاجموا أيضاً تغيير المناخ. ما الذي يحركهم؟

ناعومي أوريسكس: معظم العلماء لا يتناولون قضايا غير مرتبطة ببعضها. كل عالم لديه مساحة واحدة من التخصص. لا يمكن لأحد أن يكون عالما في الأورام والمناخ في نفس الوقت. وذلك كان المفتاح للوصول إلى أنها لم تكن مناقشة علمية. يفترض بعض الناس أن القصة تتعلق بشخصيات تم إفسادها بواسطة الشركات الصناعية الكبرى. وكتابي هو القصة الأصلية، حول كيف حدث ذلك منذ البداية. أردنا أن نعرف لماذا بعض الأشخاص كالعلماء الحاصلين على جوائز مثل (فريديريك سيتز) قد يغامرون  بسمعتهم العلمية عن طريق العمل لصالح شركتين من أكبر شركات التبغ والطاقة ويدمر العلم. من هنا جاءت تلك الايديولوجيا، وبدأنا في قراءة الخطابات التي كتبوها. وجدنا ايديولوجيا السوق الحر التى تقول للناس أن أي تدخل حكومي يعني التوجه نحو الإشتراكية. ووصل الأمر إلى حد الحرب الباردة، ومعتقدات تلك الحرب التي تقول بأن الاتحاد السوفيتي كان إمبراطورية الشر ولذا يجب أن يكون الناس يقظين وحذرين.

فريد سينجر، عالم قرر العمل لصالح شركات النفط و التبغ الكبرى

جوليا بيلوز: سياسياً، ما هو الشىء المشترك بين التبغ وتغير المناخ الذي قد يجعل هؤلاء الباحثين الموقرين يعبثون مع العلم؟

ناعومي أوريسكس: كلاهما يقدم منتجات تسبب المشاكل، وهذه المنتجات قانونية. وبالتالي مسموح ببيعها واستخدامها. واكتشفنا مؤخراً مشكلة ضخمة وهي فشل السوق حيث خلق السوق مشكلة لم تحل بعد. هو مكان مشروع لتدخل الحكومة مثل الحصول على ضرائب الكربون وأنظمة تجارة الانبعاثات وأشياء أخرى، لكن كل ذلك يجب أن يقابله فعل من جانب الحكومة. ففي الولايات المتحدة، حتى بعد انتهاء الحرب الباردة، لجأ هؤلاء إلى معارضة الحكومة في السياسة والثقافة، ووضعوا مبدأ مفاده أن: الحكومات الجيدة هى التى تتدخل وتسيطر بشكل أقل (على السوق). وسبب جذب تلك الطريقة للكثير من الانتباه في الثمانينيات، هو أن الرئيس رونالد ريجان جاء إلى السلطة بتلك الطريقة.

جوليا بيلوز: أنت توصلت  إلى أن تحويل الاهتمام من العلم إلى السياسة هو ما تريده شركات التبغ والطاقة..

 ناعومي أوريسكس: الأمر مثالي ومناسب جدا للصناعة، فبدلاً من الحديث عن حقيقة أن التبغ يقتل الملايين من الأشخاص سنوياً، أو أن ارتفاع مستوى سطح البحر ناتج عن تغير المناخ، يمكننا أن ندخل في معارك سياسية. حتى لو كانت لدينا حكومة  تهتم بتلك المشكلة.

 جوليا بيلوز: ما مدى فشل المجتمع العلمي في مواجهة ذلك، ولماذا لم يستخدم نفس أساليب الاقناع التى تستخدمها شركات التبغ الكبرى؟

ناعومي أوريسكس: لن أقول أبداً أن العلماء يجب أن يتبنوا أساليب شركات التبغ الكبرى التي تحاكم بسبب  تآمرها لخداع الشعب الأمريكي. لكن هل هناك لوم يوجه للمجتمع العلمي؟ هذا سؤال مشروع. أعتقد أن هناك أشياء قد يقوم بها المجتمع العلمي بشكل مختلف. حتى وقت قريب، كان العلماء يعتقدون أنه ليس من واجبهم شرح العلم للناس. وأخذ ذلك وقتاً طويلاً حتى اكتشفوا خطأ ذلك. وعندما توصلوا إلى ذلك لم يقوموا بالأمر. ولا يقوم الصحفيين بشرح العلم للناس أيضا. لم يكن المجتمع العلمي على دراية بما هو قادم. أعتقد أننا مترابطون أكثر الآن ونبذل جهداً أكبر.

جوليا بيلوز: أثناء مشاهدة الفيلم، فكرت في أمر السجائر الإليكترونية  تلك الأيام. وفي كل وقت نقدم فيه مقالا ننتقدها نواجه هجوما في الكثير من الرسائل الإلكترونية والتغريدات. هل هناك مساحات تريها الآن يتم فيها تشويه العلم أيضاً؟

ناعومي أوريسكس: السجائر الإلكترونية تدمر قلبي. ما نراه يعد مأساة، كيف يتكرر التاريخ. عندما ترى تلك الحملات المليئة بالمعلومات الخاطئة في كل مكان، يسبب هذا  نوعا الاكتئاب، ويجعلك تشعر بالذعر والوهم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى