سياسة

تايمز أوف إسرائيل: متى نعود إلى شواطيء سيناء؟

تايمز أوف إسرائيل: تشكلت نواة جهادية تقريباً في كل قبيلة بدوية في سيناء وسبب ذلك شرخاً في المجتمع البدوي

تايمز أوف إسرائيل – آفي يسخاروف – ترجمة: محمد الصباغ

أصبح أمراً روتينياً. في كل يوم من الأيام الأربعة الماضية يقوم المتحدث العسكري للجيش المصري ،محمد سمير، بنشر تقارير لافتة عما حققه الجيش في عمليته الأخيرة في شمال سيناء والتي بدأت منتصف الأسبوع الماضي.

زعم سمير يوم الخميس أن الجنود المصريين قد نجحوا في قتل أكثر من 80 العناصر الإرهابية وألقوا القبض على حوالي 200. وذكر عدد العربات المدمرة، والدراجات النارية والأنفاق والمنازل التي تم تفجيرها من التي  يستخدمها الإرهابيون (معظمهم عناصر من أنصار بيت النقدس- والذين أصبحوا جزءا من ولاية سيناء التابعة للدولة الإسلامية) ،  وأكد أيضاً على أن تلك العملية هي الأكبرعلى الإطلاق التي ينفذها الجيش المصري في مدن شمال سيناء، والواقعة في مثلث الموت بين مدن رفح والعريش والشيخ زويد.

من الصعب عند تلك النقطة تحديد ما إذا كانت مزاعم المتحدث العسكري المصري حول حجم العملية دقيقة. سمعنا مزاعم مشابهة خلال العامين الماضيين حول العمليات العسكرية ”الأكبر على الإطلاق“ في شبه جزيرة سيناء. لكن لو كانت تلك العملية تنتوي –وفق مزاعم الجيش- تطهير تلك المدن من الإرهاب، فإن ذلك يعد تغيراً واضحاً في سياسة الجيش.

حتى الآن، يفضل الجنرال السابق والرئيس الحالي  عبدالفتاح السيسي التركيز على منع الهجمات داخل مصر وبطول سواحل سيناء على البحر الأحمر. بينما تم إهمال وسط شبه جزيرة سيناء وأقصى الشمال الشرقي للبلاد بشكل كبير.

بالفعل أرسل الجيش تعزيزات إلى الشمال الشرقي المضطرب أكثر من مرة، وقامت القوات بعمليات هناك. لكنه كان واضحاً أن اهتمام مصر الكبير مركزاً على تأكيد الهدور والنظام في الخط الساحلي بين طابا وشرم الشيخ.

هل جعل الخطر الكامن في تلك الاستراتيجية، وهو احتمالية تهديد الخطر في شمال سيناء لقناة السويس، صناع القرار في مصر ينتهجون مواقف أكثر شدة في تلك المنطقة؟

كان الساحل بين طابا وشرم الشيخ لعقود هو المفضل بالنسبة للشباب الإسرائيليين فيما يتعلق بقضاء الإجازات. جذبت الاكواخ، ومراكز الغطس والأسعار المنخفضة، والهدوء وحتى مشروب السحلب الشهير عشرات الآلاف من الإسرائيليين كل فترة إجازة، وفضلوا هدوء سيناء على أماكن صاخبة ومعروفة في إسرائيل لتقضية الإجازات.  استمرت الحشود في الوصول حتى بعد انسحاب إسرائيل من شبه الجزيرة عام 1981، وبعد الانتفاضة الثانية عام 2000. حتى الهجمات القاتلة داخل سيناء نفسها خلال العقد الماضي لم تمنع الإسرائيليين من القدوم، وإن كان ذلك بأعداد أقل.

لكن سقوط نظام مبارك عام 2011، وصل بالسياحة الإسرائيلية واقتصاد سيناء إلى طريق مسدود. تحولت سيناء في يوم وليلة إلى مركز للأنشطة الإرهابية التي جذبت النشطاء الإسلاميين من كل أنحاء الشرق الأوسط، وأدت إلى التحاق العديد من المواطنين المحليين إلى جماعات التطرف الإرهابي التي عملت ضد الحكومة المصرية، حتى أثناء فترة حكومة محمد مرسي الإخوانية.

شهدت الثورة المصرية الثانية في يونيو 2013 تغييراً في توجه حكومة القاهرة، بالاتجاه نحو الحرب ضد الإرهاب، و قرر إسلاميو سيناء والبدو والمقاتلون الأجانب تصعيد حربهم الخاصة ضد النظام الجديد.

وخلال تلك الفترة المضطربة في الأربع سنوات الماضية، عمل الجيش المصري على إبقاء حالة من السلام النسبي على ساحل البحر الأحمر. وكان آخر عمل إرهابي استهدف منطقة في هذا المكان منذ حوالي عامين.

ويعود نجاح الجيش في الساحل الجنوبي لشبة جزيرة سيناء إلى عدة عوامل. الأول، تؤخذ العمليات في تلك المنطقة بجدية. تم إرسال وحدات أكثر من القوات الخاصة، ومنذ أشهر قليلة تم تعيين قائد إقليمي برتبة أعلى من أي مثيل له في منطقة أخرى مشابهة. والأمر الثاني، هو توصل الحكومة المصرية إلى اتفاق مع القبائل البدوية التي تعيش بجوار شاطئ البحر الأحمر. وهذه الطريقة في التعاون بين الجيش والقبائل تم التأسيس لها وتسير بشكل جيد. ونتيجتها واضحة لا جدال فيها: هدوء على الخط الساحلي.

لكن على الحافة الأخرى من شبه الجزيرة، وبشكل رئيسي في الشمال الشرقي، يختلف الأمر جذرياً. كانت القبائل البدوية هناك قوى عاملة وممولي أسلحة لخلايا الإرهاب الإسلامي في المدن، والتي تكتظ بالسكان من الفلسطينيين والمصريين والبدو. يتحمل البدو المحليون ،وليس المقاتلين الأجانب من دول إسلامية أخرى، مسؤولية الهجمات الأخيرة ضد الجيش المصري في تلك المنطقة. وعلى سبيل المثال، كانت جماعة أنصار بيت المقدس التي تأسست عام 2008، هي المسؤولة عن هجوم صيف 2011 بالقرب من وادي نتافيم والذي قتل فيه 8 جنود إسرائيليين.

نمت جماعات السلفية الجهادية بين قبائل البدو في تلك المنطقة، وجزء من ذلك يعود إلى زيادة الحماس الديني في سيناء خلال السنوات الأخيرة. ليس كل من تديّن يصبح إرهابياً، بالطبع، لكن من بين هؤلاء المتدينين الجدد كان هناك داعمون أكثر من أي وقت مضى للأيدولوجيات الإسلامية المتطرفة.

تشكلت نواة جهادية تقريباً في كل قبيلة بدوية في سيناء من بين هؤلاء الداعمين الجدد، وعادة ما ينفصل عن بقية القبيلة ويؤسس معسكرات ومساجد وأنظمة تحكيم منفصلة. أدت تلك الظاهرة إلى شرخ عميق في المجتمع البدوي بسيناء وقسمت قبائل وحتى عشائر. ويتجنب كل الأعضاء الصغار من تلك النواة السلفية بشكل واضح الزواج من غير السلفيين في قبيلته.

لا تكمن جذور نجاح الأيدلوجية السلفية فقط في التشدد الديني لكن أيضاً في الوقائع الاجتماعية في المنطقة. وجعلت الصعوبات الإقتصادية تلك المناطق الضيقة و المليئة بالسكان خلفية رائعة للتجنيد، وأرض مثالية لمعركة ضد جيش نظامي.

من الجدير بالذكر أن الجيش المصري يستثمر موارد كبيرة خلال تعامله مع الأنشطة الإرهابية في المنطقة. وتعد المنطقة العازلة مع مدينة غزة ،والتي اتسعت إلى قرابة 1،2كيلومتر، دليل على ذلك. تم محو مئات المنازل في فرح من على الأرض، وتغير شكل المدينة بشكل درامي.

مع ذلك وبرغم تلك الجهود والحقائق الاقتصادية والجغرافية في المنطقة، لو أرادت مصر إرسال قوة عسكرية أكبر للتعامل مع تلك الزاوية المزعجة في شبه الجزيرة، من الآمن أن نفترض أنها قد تكون قادرة على تغيير الواقع الحالي.

في بداية يوليو، بدأت ولاية سيناء هجمات متزامنة على 15 موقعاً عسكرياً مصرياً في الشيخ زويد ورفح والعريش. بدا أن الهجوم انجازاً كبيراً للجماعة لكن بثمن ثقيل.

كان ذلك الهجوم الأكبر على الإطلاق من نوعه في شبه جزيرة سيناء، وقتل عشرات الجنود المصريين. وأظهر حجم الهجوم الكبير المعنويات المرتفعة والقدرات العسكرية الكبيرة.

لولاية سيناء، لكن  كانت النتائج مخيبة لآمالها. فلم يتحول الموقف على الأرض إلى صالح الإرهابيين. في الواقع، العكس هو ماحدث. كانوا ينتوون انتزاع الجيش المصري تماماً من المثلث وفشلوا تماماً. وخلال ساعات قليلة، عاد الجيش المصري وبدأ عرضاً لحضوره المستمر في المنطقة، بالرغم من الخسائر الكبيرة في قواته. وفي الوقت نفسه تكبدت ولاية سيناء خسائر هائلة بالنسبة لصغر حجمها: من 200 إلى 250 قتيل. وبسبب الهجوم وعلى الرغم منه أيضاً استمر الرأي العام المصري في دعم السيسي.

بشكل جوهري، قد يكون هذا الهجوم هو ما  غيّر من رؤية الجيش المصري نحو العمليات في سيناء. أدرك أن هؤلاء المئات القليلة من الإرهابيين في العريش والشيخ زويد ورفح، والذين شاركوا في الهجوم قد يجدوا طريقهم إلى البحر الأحمر، وينفذون هجمات مماثلة قد تمثل ضربة للاقتصاد المصري عامة وليس السياحة فقط.

هل ستغير العملية الجارية الموقف على الأرض في سيناء، وتسمح للإسرائيليين وأموالهم بالعودة إلى الأكواخ والشواطئ؟ من المبكر الإجابة على ذلك. لكن طالما مصر تعاني، سيقضي الإسرائيليون إجازاتهم في مكان آخر.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى