اقتصادسياسةمجتمع

بي بي سي: كيف تنجح مشاريع السوريين في مصر؟

كيف تحولت  مدينة 6 أكتوبر إلى “دمشق الصغيرة”

سامي الأحمد

بي بي سي – فالنتينا بريمو – ترجمة: محمد الصباغ

هناك حوالي نصف مليون لاجىء سوري يعيشون في مصر لكنهم لا يقيمون في مخيمات. ويعود الفضل في ذلك إلى أسلوبهم المرن، الذي بسببه حصل كثيرون منهم على فرص عمل وفتحوا مجالات عمل جديدة.

في صيف 2012 وصل اللاجىء السوري سامي الأحمد إلى مطار دولة لا يعرف إلى أين سيذهب فيها. كانت الحرب قد بدأت  في سوريا، وكان أمام الأحمد البالغ 20 عاماً ويدرس طب الأسنان إما الرحيل أو الالتحاق بالقوات المسلحة السورية. لذا قرر المغادرة إلى القاهرة. وعندما وصل إلى مصر تحدث إلى السوري الوحيد الذي يعرفه في البلاد. فقال له صديقه ”تعال إلى مدينة السادس من أكتوبر، يوجد هنا مجتمع للسوريين“.

وبعد ثلاث سنوات، يدير الأحمد الآن، مشروعاً اجتماعياً بارزاً باسم (خطوة)، يساعد فيه حوالي 200 ألف طالب سوري في الحصول على التعليم الجامعي.

بدأت شركته في عام 2013 باستثمار صغير من والديه، وفي البداية كان مركزاً استشارياً وتدريبياً للشباب. ويكلف الأمر 500 دولار لانهاء إجراءات تسجيل الجامعة، لكن يقدم المركز في نفس الوقت الاستشارات المجانية للاجئين من السوريين والعراقيين وغيرهم من الطلاب العرب.

ويقول: ”عندما وصلت إلى مصر، كان الأمر شديد الصعوبة لإكمال دراستي، لذا عقب تسجيلي بالجامعة، فكرت في مساعدة الآخرين الذين يمرون بنفس التجربة“. وفي يناير الماضي، حصلت شركته الناشئة على جائزة أفضل المشاريع للسوريين بالخارج. كما حصل مشروعه (خطوة) على تمويل بقيمة 15 ألف دولار من مؤسسة جسور للأعمال الرائدة ومقرها بالولايات المتحدة.

ومع إغلاق الأحمد لباب مكتبه، يتوجه إلى شارع يطلقون عليه علاء الدين، حيث يجلس اثنان من أصدقائه رجال الأعمال يدخنون الشيشة بإحدى المقاهي الموجودة بممرات المشاة. كل شئ في تلك المنطقة له نكهة سورية، بداية من الموسيقى في المحلات إلى بائعي الشوارع الذين يبيعون الزيتون الحار للمارة.

عرفت منطقة علاء الدين بمدينة 6 أكتوبر بأنها دمشق الصغيرة، حيث يسكنها معظم اللاجئين السوريين البالغ عددهم 500 ألف. هؤلاء وجدوا مصر ملجأ لهم من الحرب، رغم أن حوالي 350 ألف منهم ليسوا مسجلين رسمياً في المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.

حسام مرديني

وعلى بعد أمتار قليلة، لا يتوقف الطهي بمطعم (Rosto) الذي يقدم وجبة الدجاج المشوي الشهيرة للزبائن بالخارج. كان مالك المطعم، حسام مرديني – 36 عاماً، قد أسس خمسة أفرع لمطعم في سوريا بنفس الاسم. لكن مع شدة القتال في الشوارع، أجبر على تصفية أعماله والبدء مرة أخرى في مصر باستخدام ما تبقى معه من أموال.

في البداية، كان مرديني وسبعة من أصدقائه السوريين وحدهم من قرروا إيجاد مصدر للدخل. واليوم، يدير رائد الأعمال مرديني أربعة مطاعم ويوظف 120 عاملاً من المصريين والسوريين، ويعلمهم فن الطهي السوري. ويقول: ”المطاعم السورية ناجحة جداً بين المصريين لأن مطبخنا أكثر تنوعاً“.

يقوم مرديني يومياً بعد الانتهاء من عمله بالتحدث إلى والدته التي تعيش في دمشق. ويضيف: ”لا تريد الحضور إلى مصر، بشكل عام الكبار يريدون الموت في نفس المكان الذي ولدوا فيه“.

على العكس مما يحدث في دول كالأردن، لا تبق مصر اللاجئين في مخيمات، وتسمح لهم بالوصول إلى التعليم العام (الحكومي) والرعاية الصحية. ورغم أنه عقب الإطاحة بالرئيس محمد مرسي ووصول الحكومة التي يقودها الجيش إلى السلطة عام 2013، بدأت فوبيا كراهية الأجانب تزداد، وزعم مقدمو برامج تلفزيونية محلية أن السوريين أيدوا الرئيس الذي تم الإطاحة به.

أحمد الألفي

رغم البيئة العدائية، نجح السوريون أصحاب المشاريع في الاستفادة من طرق لم تكتشف من قبل. يقول مؤسس الجريك كامبس، أحمد الألفي: ”السوريون تجار بالطبيعة. دائماً كانوا في منطقة تتقاطع بها الطرق، لذا هم جيدون جداً في تأسيس الأعمال الجديدة“ ومع بداية الحرب الأهلية في سوريا عام 2011، قام بعض أكبر رجال الأعمال هناك بنقل مشاريعهم إلى مصر، باستثمارات تتراوح قيمتها بين 400 و500 مليون دولار.

ويضيف الألفي: ”يأتي إلى مصر نوعية مختلفة من اللاجئين السوريين غير الذين يفضلون أوروبا. من يأتون هنا ليسوا ممن يعبرون الحدود على الأقدام، وعادة يمتلكون بعض الأموال“.

عمر قشتاري

وأثناء سيره بمبنى الجريك كامبس، تذكر عمر قشتاري بدايته في سوريا. بدأ مشروعاً أثناء دراسته بالجامعة في 2003، فأسس شركة للتدريب المهني وأفرعها امتدت إلى حلب، وحمص، ودمشق وبيروت أيضاً. لكن في أغسطس 2012، دمرت أحد القنابل أحد مدارسه خارج المدينة، وهنا قرر المغادرة.

ويضيف: ”كخبير في تكنولوجيا المعلومات، كان يجب أن أختار الرحيل إلى دبي. لكنني فكرت في عائلتي، لن يحصلوا على تأشيرة إلى هناك“.

عاش قشتاري في صدمة لمدة شهرين بعدها قرر  أن يستثمر مدخراته في صناعة الشبكات، وهو مشروع صغير يقدم خدمات استشارية وتدريبية في مجال شبكات التواصل وتكنولوجيا المعلومات.

ومع ازدهار شركته، استقر مع زوجته وطفله الذي أكمل شهره الأول بمدينة الرحاب، المدينة التي بناها القطاع الخاص على أطراف القاهرة. ويعيش بها آلاف السوريين الأكثر ثراءً.

ويستثمر الألفي في مشروعه الناشىء (Flat6labs) في أفكار المشاريع الرائدة من الشرق الأوسط بداية من المغرب حتى السعودية. ويقول: ”المشاريع الصغيرة أحد أهم أركان مستقبل مصر، فلا الحكومة ولا المشروعات الكبيرة ستكون قادرة على التعامل مع الزيادة السكانية“.  ويضيف: ”الميزة التنافسية لأي لاجىء هي قدرته على العمل بقوة كبيرة لأنه ليس آمناً بعد. وهذا ما يبحث عنه المستثمرون في صاحب المشروع. نستطيع تعليمهم أي شىء عدا الرغبة“.

وفقاً للقانون المصري، على السوريين الراغبين في افتتاح أعمالهم أن يسجلوا أنفسهم رسمياً كعمال أجانب، لكن العملية أصبحت أكثر صعوبة خلال العامين الماضيين.

فمثلاً كان على الأحمد أن يذهب لإنهاء الإجراء أربعة مرات، لكن البيروقراطية والمعوقات القانونية لم تثنه عن المحاولة مرة أخرى. ويقول: ”أردت أن أصنع شيئاً ما يساعد الشباب السوريين في رؤية أنه باستطاعتنا فعل شىء“، وقال الشاب البالغ 23 عاماً الذي على وشك بدء مشروعه الثاني: ”لسنا صغاراً حتى لا نستطيع البدء في أعمال ومساعدة الآخرين“.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى