سياسة

“بلومبيرج: مهما حصل ..أمريكا لا تريد مصر “دولة فاشلة

بلومبيرج:  في مصر يدركون أن أمريكا يمكنها أن تتحدث كما تشاء عن حقوق الإنسان والديمقراطية لكنها في نهاية المطاف لن تدمر  علاقات البلدين بسبب تلك الأمور

بلومبيرج – أحمد فتيحة – ترجمة: محمد الصباغ

أرسلت إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما رسالة مزدوجة خلال الشهر الماضي عندما استأنفت مساعداتها العسكرية إلى مصر. ستتلقى الدولة العربية الأكبر في عدد السكان طائرات إف 16، وصواريخ هابون المضادة للسفن، ودبابات أبرامز المطورة، وتلك الأسلحة علقت امريكا تسليمها لمصر عقب إطاحة الجيش بالرئيس المنتخب في يوليو 2013.

بداية من عام 2018، لن يكون مسموحاً مرة أخرى للجيش المصري شراء الأسلحة وفقا للامتياز الذي تمتعت به مصر منذ معاهدة السلام مع إسرائيل عام 1979.

( اقرأ: أمريكا ستتحكم في الأسلحة المصرية)

ويقول مايكل دان، الذي يعمل في برنامج الشرق الأوسط بمؤسسة كارنيجي للسلام الدولي، ”إنها (المساعدات) عادت من جديد، لكن ليس بالطريقة المعتادة”.

يقول محللون إن الخطوة تعكس قرارا أمريكيا بدعم مصر في مواجهة المليشيات الإسلامية، فيما يظهر أن الدولة – مصر – لم تعد مركز اهتمام الولايات المتحدة كما كانت حينما توصل الرئيس الأمريكي جيمي كارتر إلى اتفاقية سلام لإنهاء الصراع المصري الإسرائيلي الذي استمر 30 عاماً. وتحاول الولايات المتحدة أيضا أن تبعد الجيش المصري عن الأسلحة التقليدية وتتجه به إلى المعدات التي تفيد في مواجهة الإرهاب.

يقول صامويل تادرس، الزميل البارز في معهد واشنطن: ”في السابق كان يُعتقد أن مصر قد تقود المنطقة إلى السلام، لكن لم يعد أي شخص يصدق هذا الوهم الآن. الأمر اليوم هو أننا نريد أن ندعم مصر لأننا لا نريدها أن تفشل“.

ويفيد تقرير صادر عن الكونجرس أن مصر تلقت مساعدات عسكرية أمريكية بقيمة 42 مليار دولار حتى عام 2013. وبجانب احترام معاهدة السلام مع إسرائيل،  سمحت مصر للولايات المتحدة باستخدام مجالها الجوي، وسرعت حركة الملاحة في قناة السويس وتعاملت كحليف موثوق به.

عقب الإطاحة بالرئيس حسني مبارك في عام 2011، توترت العلاقة بين البلدين. وبدأت واشنطن في بناء علاقات مع حكومة الإخوان المسلمين. واتخذت موقفا غامضا تجاه إطاحة الجيش بالرئيس محمد مرسي أول رئيس مصري منتخب ديمقراطيا وكانت الإطاحة به بقيادة الجيش.

لم تصل الولايات المتحدة إلى الحد الذي تصف فيه الإطاحة بمرسي بالإنقلاب. فيما أعلن الرئيس أوباما عن تعليق ومراجعة المساعدات العسكرية. في الشهر الماضي، انتهت المراجعة إلى استئناف المساعدات لكن مع إلغاء البند الذي يسمح لمصر بشراء الأسلحة التي ترغب بها، وهو الإمتياز الذي أصبحت تملكه إسرائيل فقط.

يمكن التراجع في تلك الخطوة بالتأكيد عندما تتولى حكومة أمريكية جديدة السلطة عقب انتخابات 2016. تدعم أيضاً الولايات المتحدة أعمالها الإقتصادية مع مصر بإرسال أكبر وفد تجاري على الإطلاق في نوفمبر بحضور رؤساء من شركات مثل أباتشي و كوكاكولا.

أما بالنسبة للمساعدات العسكرية، فكان هدف البيت الأبيض هو ”تحديث“ العلاقة. كما قال مسؤولون بالبيت الأبيض يمكن الآن أن يكون الأمر ”أكثر مرونة“  في إعادة صياغة شكل المساعدات. وأعلنت مصر عندما استانفت امريكا المساعدات أن ذلك يساعد في ”تحقيق المصالح المشتركة للبلدين، وخصوصاً تلك المتعلقة بمحاربة الإرهاب والتطرف“.

محاربة الإرهاب

حددت الولايات المتحدة المناطق التي تخطط للتركيز عليها في مواجهة الإرهاب وهي أمن الحدود والحدود البحرية والأمن في سيناء. والأخيرة تشير إلى شبه الجزيرة التي تحد إسرائيل وقطاع غزة.

طالبتنا الخارجية المصرية بالرجوع إلى وزارة الدفاع المصرية عندما طرحنا عليها أسئلة حول العلاقات العسكرية بين مصر وأمريكا، بينما لم يرد المتحدث العسكري المصري على طلباتنا بالتعليق على الموضوع. ويقول حسام سويلم، اللواء المتقاعد والمحلل العسكري المقيم بالقاهرة، إن ربط بعض الأمور بحجم المساعدات الأمريكية ”تدخل غير مرحب به في الشؤون الداخلية المصرية. يجب أن نحدد أولوياتنا بأنفسنا”.

يأتي التحول في العلاقات في الوقت الذي تعاني فيه مصر من أجل إصلاح وضعها كقوة وقيادة عربية، وهو الدور الذي تشغله الآن المملكة العربية السعودية والإمارات. تلقى الاقتصاد المصري عدة ضربات منذ الإطاحة بمبارك حيث ابتعدت الاستثمارات وغاب السياح، تاركين الحكومة تعتمد على المساعدة من حلفائها العرب الأغنياء بالنفط.

كان كثيرون قد رأوا تعزيز الولايات المتحدة للعلاقات مع مصر في ظل حكم الإخوان المسلمين المنتخبين عام 2012 كعلامة على دعم الإسلاميين، وتسبب ذلك في موجة من نظريات المؤامرة المعادية لأمريكا.

على سبيل المثال، ففي أغسطس 2013 نشرت جريدة الأهرام الحكومية في صفحتها الأولى خبراً عن مؤامرة أمريكية مزعومة لإحضار 300 مقاتل من غزة إلى مصر لينشروا الفوضى. وقالت الجريدة إن تلك المؤامرة كانت بجهود مشتركة بين السفيرة الأمريكة بالقاهرة حينذاك، آن باترسن، والإخوان المسلمين.

يقول ديفيد شينكر، مدير مشروع الدراسات العربية بمعهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، إن مصر ”كانت محبطة بسبب أداء  إدارة أوباما منذ عام 2011. بداية من قبولها ثم دعمها لجماعة الاخوان المسلمين، وتعليق المساعدات”.

و من ضمن العلامات على خيبة الأمل المصرية تجاه أمريكا، في أواخر عام 2011، أن داهمت السلطات المصرية مكاتب للمنظمات الأمريكية للديمقراطية، منهم المعهد الجمهوري الدولي، و أحيل 16 عاملاً أمريكياً إلى المحاكمة. وبعد أقل من عام على ذلك قال أوباما إنه لا يعتبر مصر ”حليفاً“ أو ”عدواً“.

وجه عبد الفتاح السيسي نداءات إلى واشنطن، وهو الذي قاد عزل مرسي كوزيراً للدفاع قبل الفوز بالانتخابات الرئاسية العام الماضي. فخلال لقاءات مع “فوكس نيوز” و “وول ستريت جورنال”، تحدث السيسي عن حاجة مصر الرهيبة إلى المعدات العسكرية.

قال السيسي في حوار “وول ستريت جورنال” الشهر الماضي: ”نحن نأمل في علاقة إستراتيجية مع الولايات المتحدة قبل أي شئ آخر. ولن ندير ظهورنا لكم .. حتى لو أدرتم ظهوركم لنا“.

يعني تغيير معايير المساعدات الأمريكية لمصر الذى تخطط له واشنطن أن الجيش المصري لن يكون قادراً على استخدام المساعدات العسكرية الأمريكية لتعزيز آلته العسكرية التقليدية. وبدلاً من ذلك، تريد الولايات المتحدة من القوات المسلحة ”البدء في شراء المعدات التي تساعد في قتال المسلحين في سيناء وحماية الحدود مع ليبيا“ كما يقول مايكل هورويتز، المحلل البارز بمؤسسة ماكس لاستشارات المخاطر الجيوسياسية.

أما دان فيقول: ”لم يكن هناك سعادة بالطريقة التي تدار بها العلاقات العسكرية بين مصر وأمريكا لسنوات. كان هناك شعور سيىء تجاه كيفية انفاق الحكومة المصرية للمساعدات التى تختارها”.

التمرد الإسلامي

تحارب مصر منذ عقد مضى حالة التمرد الإسلامي في شمال سيناء التي شهدت ارتفاعاً منذ 2013. في حين يقول الجيش إنه قتل المئات من المسلحين، تستمر الهجمات القاتلة على نقاط التفتيش بطريقة شبه أسبوعية.

من الجانب الأمريكي، قال مسؤولون رسميون، الشهر الماضي، إنهم قد يستمرون في مشاركة مصر في العمل على الإصلاحات السياسية المتعلقة بحقوق الإنسان.

لا يقتنع كل الناس بجدية هذا الأمر. يقول تادروس: ”سيكون مفهوماً في مصر أننا نستطيع أن نقول ما  نشاء فيما يتعلق بقضايا حقوق الإنسان والديمقراطية لكن في نهاية المطاف لن يتحرك أحد نحو تدمير العلاقة بين مصر وأمريكا بسبب تلك الأمور”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى