اقتصادترجماتسياسة

“بلومبيرج”: رغم الضربة الأمريكية.. بوتين لا يزال مهتمًا بالتعاون مع ترامب

“مصادر مطلعة” أكدت أن النواب الروس سحبوا مشروع قانون “لعقوبات مضادة”

ترى روسيا أن العقوبات المفروضة على شركاتها من قِبل الإدارة الأمريكية لن تصل إلى حد أن تصبح “أزمة مالية”، كتلك التي شهدتها البلاد في 2014 إثر العقوبات الأمريكية السابقة، وفقًا لتصريحات نقلتها وكالة “نوفوستي” الروسية عن جيرمان جريف، رئيس مصرف “سبيربنك” الأكبر في روسيا.

وكانت وزارة الخزانة الأمريكية قد فرضت في مطلع أبريل الجاري عقوبات اقتصادية ضد 24 شخصية روسية و14 مؤسسة وشركة، تراجعت الأسهم الروسية على إثرها وانخفض سعر صرف العملة الروسية (الروبل)، ليصبح الدولار الأمريكي الواحد معادلًا لـ 61.5 روبل في آخر سعر له أمس الثلاثاء.

لكن وكالة “بلومبيرج” الأمريكية تأكدت في تقرير نشرته اليوم أنه برغم العقوبات الأمريكية والصراع المحتدم بين “القوتين النوويتين الأكبر”، فإن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يسعى إلى تخفيف حدة التوترات بين البلدين بعدما أنتجت العقوبات آثارًا عميقة على اقتصاد بلاده، محاولًا إعطاء نظيره الأمريكي دونالد ترامب فرصة ثانية لتحقيق تعهداته بتحسين العلاقات وتجنب التصعيد.

إليكم نص التقرير الذي تقدمه “بلومبيرج”.

الطبيعة المحدودة للهجمات الأمريكية على ما يُزعَم أنه منشآت خاصة بالسلاح الكيماوي في سوريا، حيث تدعم روسيا النظام الحاكم في حرب أهلية، كانت علامة إيجابية بالنسبة للكرملين، بالنظر إلى “تغريدات الإنذار” التي نشرها ترامب معلنًا أن القذائف ستنطلق في وقت قريب.

إيجور بونين، من مركز التقنيات السياسية بروسيا، قال إن بوتين مستعد لتقديم العديد من التنازلات “العميقة”، لكن عليه أن يبدو كما لو كان لا يخسر، مضيفًا: “هو يدرك أن روسيا لا يمكنها مواكبة الغرب اقتصاديًا، ولا يخطط للدخول في حرب مع الغرب”.

لا يزال الكرملين يواجه العقوبات الأمريكية “الأكثر عقابية على الإطلاق” منذ أول مرة فرضت فيها الولايات المتحدة عقوبات على روسيا قبل أربع سنوات من الآن، في أعقاب النزاع بين الدولتين في أوكرانيا. القياسات الأخيرة، التي اعتبرتها وزارة الخزانة الأمريكية “ثمن النشاط الخبيث” لبوتين بشكل عام، وجهت أقوى ضربة إلى أحد أكثر رجال الأعمال الروس قوةً، وهو أوليج ديريباسكا.

انهارت أسهم ديريباسكا في شركة “روسال” العملاقة بمجال الألومنيوم بنسبة 70% في بورصة هونج كونج، منذ حظرتها الولايات المتحدة بشكل أساسي في السادس من أبريل الجاري، لتمحو نحو 6 مليارات دولار أمريكي من قيمة الأسهم وتهدد أصحاب 100 ألف وظيفة بالشركة؛ في القت الذي تخرج فيه روسيا منهكةً من أطول ركود اقتصادي في تاريخها خلال عقدين من الزمن. ويسعى بوتين، الذي ينتظر أن يؤدي اليمين الدستورية لفترته الرئاسية الأخيرة الشهر المقبل، إلى تجنب أن تتعرض شركة كبرى أخرى إلى نفس المصير.

قد يكون الوقت قد تأخر كثيرًا بحيث لا يسمح بعكس تأثير الدوامة التي انحدرت بالعلاقات بين البلدين إلى أدنى مستوياتها خلال عقود؛ فبينما لا يمانع ترامب في محاولة تحسين العلاقات، فإن البرلمان الأمريكي (الكونجرس) ومعظم إدارة الرئيس بإبقاء الأمور محتدمة مع دولة يراها الكثيرون على أنها العدو الأول للولايات المتحدة بعد اتهامها بالتدخل في انتخابات الرئاسة الأمريكية 2016.

ما يجعل اللعبة الدبلوماسية أكثر تعقيدًا هو الإشارات التي عادةً ما تدل على الرغبة في النزاع من جانب الولايات المتحدة. القرار المنقول عن ترامب بتخفيض العقوبات على روسيا حقق صعودًا قصيرًا لسعر الروبل الروسي، الذي شهد أكبر انهيار له الأسبوع الماضي منذ انهياره في 2015. وبالأمس أصاب المستشار الاقتصادي لاري كودلو الأسواق الروسية حين قال إن الولايات المتحدة تفكر في عقوبات جديدة.

رغم ذلك، لا يزال الكرملين يعلّق تصعيده الأوضاع، ففي الإثنين الماضي تخلى مشرّعون – حتى الآن على الأقل – عن مشروع قانون يقيّد نطاقًا واسعًا من التجارة مع الولايات المتحدة، بدءًا من منتجات المزرعة والأدوية وحتى الملاحة والفضاء؛ وفقًا لشخصيتين مطلعتين.

نائب رئيس الوزراء الروسي ديمتري روجوزين، وهو أحد أكثر الناقدين لوزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) صراحةً، أن الحظر المقترح على بيع محركات الصواريخ لبلاده “سيؤذي روسيا أكثر من الولايات المتحدة”، تبعًا لاعتماد موسكو على الولايات المتحدة في هذا المجال. وحتى قبل الهجمات الأمريكية على سوريا، أخبر الكرملين مسؤولين بتهدئة تهديداتهم بالانتقام من الولايات المتحدة، بحسب شخصية مطلعة أخرى.

يبدو أن السفير الروسي في لبنان ألكسندر زاسيبكين لم يدرك الرسالة حيث قال إن روسيا لن تترد في إطلاق قذائفها والهجوم على أية منصات يطلق منها الأمريكان قذائفهم إذا تم تهديد قواتها، وذلك في لقاء تليفزيوني مع محطة محلية أثارت عناوينه الجدل في العالم أجمع. ووفقًا لأحد المسؤولين، فقد كان الكرملين حانقًا على هذه التصريحات، ومن بعدها لم يصدر عن مسؤول ما يستدعي أن يكرر تحذيره.

مع مرور وقت طويل على النشوة المبدئية التي شعرت بها روسيا عقب الفوز المفاجئ لترامب في الانتخابات الأمريكية، يقول سياسيون إن ترامب لا يملك الكثير ليفعله للتغلب على التحيز المتجذر ضد روسيا وسط مؤسسة الرئاسة المصممة على الحفاظ على الهيمنة العالمية بأي ثمن.

موجة طرد الدبلوماسيين الروس من الدول الأوروبية الشهر الماضي، عقب الهجوم بغاز الأعصاب على جاسوس روسي مرتد في بريطانيا، سارعت من انهيار العلاقات التي كانت تُبنى على مدار سنوات. لكن المسؤولين لا يزالون يأملون أن يتمكن ترامب من إيقاف الانزلاق إلى هذا المنحدر، لا سيما بعدما هنأ بوتين على إعادة انتخابه رئيسًا في مارس الماضي ولوّح باحتمالية عقد قمة رئاسية لهما بالبيت الأبيض.

لكن، بالنظر إلى المناخ السياسي الحالي في الولايات المتحدة، فلا يُرجح أن يفضي أي تنازل يقدمه الرئيس الروسي إلى ذوبان حقيقي في الجليد بين البلدين؛ حيث تظل العديد من نقاط الخلاف موجودة، بما فيها الاختراق والتصيُّد والأشكال الأخرى من العدوان الإليكتروني المُتهمة به روسيا.

وكان مسؤولون أمريكان وبريطانيون قد أطلقوا تحذيرًا مشتركًا هذا الأسبوع مما أسموه “التجسس الروسي المتصاعد على أنظمة الحواسب الآلية الخاصة بالحكومات والشركات في دول الغرب”، حتى أن سياران مارتن، الرئيس التنفيذي للمركز القومي للأمن الإليكتروني في بريطانيا، وصف روسيا بأنها “أكثر الخصوم العدائيين قوةً في الفضاء الإليكتروني”.

لكن الدبلوماسي الروسي السابق فلاديمير فلوروف، والذي أصبح محللًا للشئون الخارجية في موسكو، رأى أن مثل هذه الهجمات عادةً ما لا يكون لها وزن في المفاوضات على المستوى الدولي، طالما أن جميع الدول تمتلك نفس الإمكانات. وتابع: “التجسس الإليكتروني يُعتبر عملًا مشروعًا، ولا يجب أن يؤثر فعليًا على علاقات ثنائية بين بلدين”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى