سياسة

هل تستطيع الصحف زيادة “الترافيك” دون إفساد “سمعتها”؟

 الصحف والمواقع الرصينة تواجه خطر فقدان سمعتها من أجل زيادة “الترافيك -عدد القراء” . وتستعين بعدد كبير من الهواة  ينتجون مواد غير مدققة من أجل زيادة المحتوى بأجور زهيدة.

newspaper

لورانس لاناهان – كولومبيا جورناليزم ريفيو

إعداد وترجمة – محمود مصطفى

في الأول من يوليو قرأت قصة على موقع “فوربس.كوم “لشخص يدعى “ريك أونجار”، وجدت القصة وقد نشرها أحدهم على فيسبوك،  ومثل معظم الأخبار التي تنشر على فيسبوك ترى صورة ورابطا قصيرا للمصدر، وهو في هذه الحالة “فوربس.كوم”، وعنوان يقول “هوبي لوبي تستثمر في العديد من منتجات الإجهاض ومنع الحمل في حين تزعم وجود اعتراضات دينية.”

لم أكن قد قرأت فوربس منذ فترة لكني أثق في تقاريرهم ، والعنوان بدا كخبر جدي مباشر لذا ضغطت على الرابط. “فيما قد يكون أحد أكبر الأمثلة الصادمة للنفاق الذي رأيته في حياتي…” بعد أربعة عشر كلمة فقط أدركت أن هناك شيئاً ما خاطئاً، استأنفت القراءة “كشف موقع ماذر جونز…” وبدأ الامر يتضح مع تراكم سخط الكاتب:  أونجار ليس من موظفي فوربس، هو كاتب رأي أغضبه شيء ما قرأه.

في لغة فوربس، أونجار هو “مساهم”. بجانب عنوان الخبر توجد صورة لأونجار  أسفلها سطر بليغ يقول “أكتب من اليسار عن السياسة والسياسات” يتبعه تنويه “الآراء التي يعبر عنها مساهمو فوربس هي آرائهم الشخصية.”

لكن هذا لم يمنع موقع سالون من الإشارة إلى ما كتبه أونجار بهذا السطر “وفي فوربس، ذكر ريك أونجار في تقرير…”. يمكنك أن تعثر على الكثير من المواقع التي تختبئ في وقار 97 عاماً من سمعة فوربس الصحفية. ويظهر في محرك جوجل للأخبار مقال لأونجار حول قانون الرعاية الصحية يقول فيه عن قضاة الاستئناف الفيدراليين الذين عينهم الجمهوريون إنهم “معتوهون.”

أونجار هو واحد من 1400 مساهم في فوربس.كوم، ومبدأ حشو الموقع بمحتوى حر بدأ مع منافذ الإعلام الجديد مثل “ذا هافنجتون بوست”. والمؤسسات الصحفية التي بنت سمعتها على التقارير والتدقيق التحريري، تحمل الآن محتوى يتطلب القدر الأدنى من التحرير ومن المقابل لمن ينتجونه، وفي بعض الاحوال ليس أياً منهما.

الإغراء واضح: مقابل قدر قليل جداً من المال تستطيع المطبوعة أن تملك تغطية أكبر وأوسع مما يستطيع موظفوها مدفوعي الأجر تقديمه، إضافة إلى عوائد الإعلانات المهمة جداً التي تأتي مع ذلك. ومن الممكن أن يقدم المساهمون خبرة أو إطلاعاً ينقص الموظفين ومن يدري فقد يصبح أحد هؤلاء المساهمين نجماً.

ويستطيع المساهمون أيضاً جذب جمهور جديد وخلق حس من المجتمعية يحافظ على القراء، وتقدم مواقع مثل ريديت وفيسبوك وتويتر ومواقع التواصل الإجتماعي الأخرى الآن هذه الخدمة وتطمح شركات الإعلام إلى أن تحظى بشيء شبيه في مواقعها.

فوربس كانت الرائدة في الإعلام السائد في هذا النموذج، لكن آخرين يدخلون على الخط،  فمجلة إنترتينمينت ويكلي تملك موقع “ذا كوميونيتي” وهو موقع تجريبي يكتب فيه جمهور التليفزيون ملخصات للحلقات ويناقشون أمور هذه الصناعة. وأعادت مجلة كوندي ناست ترافلر إطلاق موقعها الشهر الجاري في وجود عشرات من المساهمين مع خطط بإضافة المزيد.

بعض المطبوعات في الواقع لديها مساهمون أكثر عدداً من الموظفين. فوربس كمثال لديها 125 محرر و1400 مساهم وهذه مقامرة. مقالات كمقال أونجار يمكنها أن تضعف العلامة التجارية للمطبوعة عندما يأتي القراء بحثاً عن الصحافة التي اعتادت فوربس أن تقدمها.

وفي غياب التحرير، قد يحدث أي شيء من تضارب المصالح الفاضح إلى التلفيق والسرقة الأدبية والتشهير المباشر. إذا تجاوز حجم المحتوى المساهم به قدرة الناشر على فحصه سيقوم القراء بتحرير هذا المحتوى في قسم التعليقات وفي كل مكان.

الإنترنت قد يكون مصححاً ذاتياً وقد يكون غير مسامح، لكن هذا لم يمنع أبداً الكتاب عديمي الضمير من محاولة التسلل من وراء هذا.

“الأمر يتطلب فقط شيء واحد أو اثنين أو ثلاثة مشكوك فيهم” يقول بوب كوزاك رئيس تحرير صحيفة ذا هيل “إذا لم يكن لديك نظام للمراقبة، إذاً سيقوم الناس، ليس كل الناس ولكن بعض الناس، باستغلال ذلك.”

يقدم نموذج المساهمة للناشر طريقاً نحو تغطية أوسع وعوائد أكبر طالماً لم ينفجر هذا النموذج في وجهه أولاً.

حوالي 250 – 300 قصة تنشر يومياً على موقع فوربس، ولم تخبرني المتحدثة الأعلامية باسم فوربس ميا كاربونيل بحجم النسبة التي تأتي من المساهمين. لكن مع مسحي أنا لأربع وعشرين ساعة من المواضيع المنشورة وجدت أن 80% منها يأتي من المساهمين. وتقول فوربس أن 500 من مساهميها مدفوعو الأجر،  وأن ثلثهم صحفيون أحرار وهذا يعني أن معظم المساهمين من خلفيات غير صحفية ولا يتلقون أموالاً على الإطلاق.

لم تتبنى الشركة هذا النموذج بشكل طائش، حيث كتب لويس دفوركين كبير مسئولي الإنتاج الإعلامي في فوربس باستفاضة وبشكل غير اعتذاري عن عملية التجديد لفوربس في مواجهة تراجع عوائد الإعلانات.

وشدد دفوركين على إخلاص فوربس للشفافية في هذه الاستراتيجية، فالمساهمون يعرفون بهذه الصفة والمقالات التي يكتبها المعلنون تميز بملصق أحمر. يقول دفوركين “هذا خط ساطع وبراق يفصل بين الصحفي والمعلن.”

لكن الشفافية شيء ونقص الإشراف التحريري شيء آخر. ففي موضوع بمجلة فورتشن في مارس الماضي، فوربس كانت واحدة من العديد من المنافذ الإعلامية التي “نشرت مقالات لكتاب يُزعم أنهم تلقوا أموال للترويج للأسهم التي يكتبون عنها.” وفي العام الماضي اعتذرت فوربس للرئيس الأيرلندي مايكل هيجينز بعد أن وصفه الصحفي الحر ديفيد موناجان خطأ بأنه “معروف مثليته” في مقال على موقع فوربس.كوم.

ويقر دفوركين بأن بأن بعض مساهمي فوربس اخطأوا لكنه لا يشكك في النموذج، ومن الناحية الإقتصادية عليه ألا يفعل. في نوفمبر الماضي طلبت فوربس من بنك “دويتشه” أن يعرض الشركة في السوق آملين في بيعها مقابل 400 مليون دولار، وفق تقرير لنيويورك تايمز وقتئذ. بعد ثلاثة أشهر، تأزمت عملية البحث عن مشتري حيث تراجع ثلاثة مشترين أجانب، بحسب وكالة أنباء بلومبرج. ومع ذلك، في 18 يولوي أعلنت فوربس أن شركة استثمارات إعلامية من هونج كونج اشترت حصة الأغلبية وذكرت نيويورك تايمز وفقاً لمصدر أن الصفقة تكلفت 475 مليون دولار أمريكي.

وبينما يتقبل الإعلام السائد المحتوى الرخيص، يستمر البحث عن “البقعة الحلوة” أو النموذج الذي يوفر محتوى غزير لأصوات قوية ومستقلة وفي الوقت ذاته يسمح بقدر كاف من الإشراف التحريري لكي تظل العلامة التجارية غير ملطخة.

صحيفة ذا هيل” التي يبلغ عدد محرروها 45 وظفت 200 مساهم ليجلبوا “خبرات” من كل درجات الطيف السياسي. أُنشئ القسم الذي يكتب فيه المساهمون في مايو الماضي ويُنشر فيه بين خمسة وثمانية مواضيعفي اليوم ويتلقى السماهمون مقابلاً مادياً. ويشرف على المائتي مساهم محرر واحد يضيف لمسة تحريرية بسيطة على المحتوى الذي يقدمه المساهمون.

في بداية العام، قدمت صحيفة “ذا دالاس مورنينج نيوز” شبكة للمساهمين غير مدفوعي الأجر تسمى “إنسايدرز نيتورك” وتضم 59 شخصاً كل منهم يكتب لواحدة من خمسة مدونات في الموقع من ضمنهم اثنتان عن مدن الضواحي وواحدة عن الجعة وكوكتيلات الشراب وواحدة عن قضايا المثليين والمتحولين ومزدوجي الجنس.

وفي هذا المشروع الجديد تنشر دالاس نيوز مثل فوربس سيرة ذاتية مختصرة لكل مدون وتميز كونه “إنسايدر” لتمييز المساهمين عن المراسلين. يتم التصديق على المحتوى كله من قبل محرر وهو إجراء يحد من عدد المدونيين الذين يمكن للموقع التعامل معهم.

أي غرفة أخبار تفكر في نموذج المحتوى الهامشي ستجد سريعاً أن سؤالاً فلسفياً جوهرياً يظهر: هل نعتبر هؤلاء الناس مدونون مستقلون أم شيء أقرب إلى كتاب أعمدة الرأي؟

تقول مارييت دي كريتسينا، رئيسة تحرير مجلة ساينتيفيك أميريكان، إنها تعتقد أن المساهمون من الخارج هم مدونون بشكل رئيسي ويجب أن يظل المحتوى الذي يقدمونه غير محرر. وبالرغم من الجدل حول بعض مقالات المساهمين على موقعها العام الماضي، تقول “أظن بأنني من الناس الذين ينزعون إلى الاعتقاد بأن المدونون كانوا أكثر استقلالاً من كل شيء تم تحريره وتقصي حقائقه قبل النشر، وإلا سيكون ذلك “ساينتيفيك أميريكان” وليس شبكة تدوين.”

إلا أن دي كريستينا تعي المخاطرة، إذ أنها مرت بذلك. في أكتوبر الماضي نشرت المدونة بـ”ساينتيفيك أميريكان” وعالمة الأحياء دانيللا لي مقالاً تتهم فيه مسئولة بشبكة تدوين أخرى بأنها نعتت دانيللا بالـ”عاهرة” في رسالة بريد إلكتروني رفضت فيها عالمة الأحياء التدوين في ذلك الموقع بدون مقابل.

بالرغم من سياستها في نشر التدوينات بدون تحرير، كان لدى المجلة على الدوام محرر يعمل مع المدونين، أولهم كان بورا زيفكوفيتش الذي قدم من “خلفية تدوينية” تقول دي كريستينا “راقبنا كيف تجري الأمور وبمرور الوقت قررنا لصالح علامتنا التجارية أننا نحتاج إلى محرر من خلفية صحفية.”

وجاءت الفرصة للمجلة بعد أيام من مقال دانيللا لي حيث استقال زيفكوفيتش على خلفية اتهامات بالتحرش الجنسي واستعانت دي كرييستينا بكيرتيس برينارد الذي بدأ عمله في يناير الماضي.

يقول المدون أشوتوش جوجاليكر إنه تمتع بحرية كبيرة مع المحرر الأول وإن الإرشادات لم يبد أنها تغيرت عندما أتى برينارد “ظل هذا النموذج ثابتاً نوعاً ما بعد أن أتى.”

قرار “تحرير أو لا تحرير” هو الخطوة الأولى نحو سؤال أكبر يواجه الاصدارات الجديدة: هل تريد هذه الاصدارات لشبكات تدوينهم أن تكون منصات مرفوع عنها الأيدي أم جزءا من العلامة التجارية الصحفية الراسخة بالفعل؟

دالاس مورنينج نيوز مثال للنموذج الأخير حيث يتم تحرير كل الموضوعات وشبكة المساهمين أقل عدداً من محرري الصحيفة، وطالما ظل معدل المحررين إلى المساهمين خاضعاً للسيطرة يمكن الحفاظ على سلامة الموضوعات بشكل كبير.

مع ذلك فإن هذا النموذج له عيوب، حيث أن جاذبية المسهم به هي في كونه رخيصاً كما أن عدد المساهمين المحدود يحد من حجم عوائد الإعلانات التي يمكن أن يولدها. مشكلة أخرى هي المسئولية حيث أن تحرير محتوى لكاتب هاوي يجعلك تتشارك مسئولية ما كتب.

إلا أن نموذج المنصة المفتوحة يظل مقامرة أكبر حيث وإن كان يلقي بالمسئولية على المساهمين، نظرياً على الأقل، فإنه مع زيادة عدد المساهمين بدون تحرير تزداد فرص تدمير العلامة التجارية.

وليس فقط على الناشرين الاختيار بين خيار “الترافيك” العالي والمخاطرة الكبيرة وبين خيار “الترافيك” المنخفض والمخاطرة القليلة، لكن حركية هذه الصناعة تستمر في ليّ أعمدة الصناعة بينما يتم اتخاذ هذه القرارات.

الانترنت كان على الدوام مكاناً تعبر فيه الجماهير عن نفسها، وما كان يميز الصحافة هو ضمان للقارئ: ما تقرؤه ينتجه محترفون والمعلومات يتم التأكد منها والآراء يتم فحصها.

إذا لم يتم العثور على “البقعة الحلوة” من سيجدون أنفسهم في مأزق هم الصحفيون، حيث أنهم يحاولون أن يكسبون قوتهم في مهنة يعتقدون فيها أن سمعتهم تحددها نزاهتهم لا نزاهة الآخرين.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى