ثقافة و فنسياسة

بعد المذبحة..ماذا جاء في العدد الجديد من شارلي إيبدو؟

أهم ما جاء في عدد  “ما بعد المذبحة” من “شارلي إيبدو” الذي وزع أكثر من 5 ملايين ننسخة

 charlie7

الدايلي بيست: تريسي مكنيكول

ترجمة: محمد الصباغ

لا أحد بمأمن من سخرية الرسامين الفرنسيين، فهذا الداعية الإسلامي قلق لأن “شهداء شارل إيبدو” سيكون لهم نصيب مما يملكه من الحور العين، أما البابا فيظهر -في رسوم المجلة – وهو  يهين النساء بألفاظ بذيئة.

قبل نزول المجلة للأسواق يوم الأربعاء، انهالت الطلبات على عدد شارل إيبدو الجديد “عدد الناجين” من كل أنحاء فرنسا. ولازالت المطابع تعمل بعد محاولة المجلة إنتاج 5 ملايين نسخة بدلاً من 60 ألفا.

وسط ظروف استثنائية، قرر من نجا من هجوم شارل إيبدو من صحفيي المجلة إنتاج عدد يتسم بالتحدي والعناد مع بعض المرح الممزوج بالألم لكن بشكل كبير من الميلودراما. وكما كان يحب كل من قتلوا في الحادث، لم ينج أحد من السخرية.

الغلاف

كرر الرسام “لوز” رسماً لمحمد في الصفحة الأولى، و هو السبب الذي كان قد جعل المجلة هدفا للهجمات الإرهابية. ولكن الرسول في تلك الصورة كان متعاطفاً وليس غليظا. ظهر متسامحاً يحمل هو الآخر نفس الشعار “أنا شارل إيبدو” وفوق رأسه تظهر لافتة كتب عليها “كل شئ تم غفرانه”.

و قال لوز للصحفيين يوم الثلاثاء، إنه بكى وهو يرسم تلك الخطوط. وأضاف: “لم يكن الغلاف الذي أراده العالم أن نرسمه، ولم يكن ما أراده الإرهابيون. لقد رسمنا غلافنا، لقد رسمنا محمداً مرة أخرى. آسف، لكن محمدا الذي رسمناه هو رؤوف يبكي”. ويقول رئيس التحرير جيرارد بيارد أن محمدا الموجود على غلاف شارل إيبدو هو شخصية أكثر لطفا بمراحل عن الشخص الذي يقدمة الإرهابيون الذين قتلوا رسامي المجلة.

و كالعادة، سخرت المجلة من الجميع دون رحمة أو تمييز و بكل قسوة.

و في أحد الرسومات لتيجنوس الذي كان من بين قتلى الهجوم، يظهر داعية إسلامي يتحدث لزملائه، ويقول: “لا يجب أن نقترب بالسوء من صحفيي شارل إيبدو.. وإلا سيأتون لنا شهداء وفي الجنة سيأخذ هؤلاء السفلة من نصيبنا في الحور العين!”. و في كاريكاتير اخر لنفس الصحفي تظهر سيدة وقد خلعت برقعها بالكامل و كشفت ” كل شىء”، و يظهر من خلف الملابس وجوه لرجال دين وأنوفهم تظهر في هيئة الأعضاء الذكرية التى تنظر للسيدة.

و كان للمسيحيين أيضاً نصيبهم من السخرية الشديدة،. في أحد الرسوم لكابو، الذي قتل أيضاً في الحادث، يظهر البابا فرانسيس، وهو يتواصل مع بعض النساء المحرومات لفترة طويلة ويقول “يارب، اغفر لهؤلاء العاهرات”.

charlie4

و في رسم آخر يسخر من الانتهازيين والمنتفعون من وراء حادث شارل إيبدو، ويظهر عامل بمصنع استغلالي في بنجلاديش، وهو يصنع ملابساً كتب عليها: “أنا شارل إيبدو” و “معكم بكل قلوبنا”.

charlie8

و نال الإرهابيون نصيبهم أيضاً، فظهر في أحد الرسومات التى جاءت بعنوان “انكشفت حقيقتكم”، و

“الرسامون في تشارل إيبدو: 25 عاماً من العمل؛

الإرهاب: 25 ثانية من العمل.. “.

و في كاريكاتير اخر بعنوان “بعد زيارة الجريدة، الموت في المطبعة”، صورت المجلة الأخوين الإرهابيين كواتشي يستلقون في بركة من الدماء و أكوام من الورق و يقول أحدهما للآخر “أنا خائف من أن يُظهر وضعنا هذا شئ من الثقافة“. وفي رسم ثالث عنوانه: “أقلامنا أقوى من رصاصكم”، ظهر إرهابي آخر وعليه علامات الدهشة و بمؤخرته قلم عملاق.

charlie1

استدعاء النفاق

و لم تفارق السخرية من الأسبوع الماضي صحفيي شارل إيبدو الناجين.

اتفق المراقبون على أن الإرهابيين الذين قتلوا عشرة رسامين من المجلة الساخرة قد أساءوا لقضيتهم. وأصبحت المطبوعة التى توزع عادة عشرات الآلاف من النسخ تبيع الملايين هذا الأسبوع، وجمعت المجلة التى عانت مادياً تبرعات من جميع أنحاء العالم.

و صنعت شارل إيبدو التاريخ يوم الأحد عندما تدفق أربعة ملايين متظاهر إلى شوارع فرنسا دعما للمجلة، وهى المسيرة الأضخم في تاريخ الأمة التى لا تعرف الكثير من التظاهرات الحاشدة.

لكن المجلة لم ترهب أصدقائها الجدد، وقالت في تحيتهم: “نرحب بمن يقفون معنا دائماً أو هؤلاء الذين يفعلون ذلك لفترة قصيرة”، وفي مقدمة العدد تناول رئيس التحرير بيارد بشىء من السخرية أن “شارل والصحف الملحدة صنعوا، الأسبوع الماضي، معجزات معاً أكثر مما صنع القديسون والرسل”.

charlie11

وكتب بيارد أن ما جعل صحفيو “المجلة الملحدة” يضحكون ذلك الأسبوع هو أجراس كنيسة نوتردام التى دقت من أجل المجلة. وشكر أيضاً الداعمين الذين ”كانوا بصدق وإخلاص شارل، و نقول فليذهب الآخرين الذين لا يهمهم الأمر بأيه حال”.

ويضيف رئيس التحرير: “لقد شعرنا ببعض الوحدة في السنوات الماضية”، و استحضر التهديدات السابقة والهجمات على المجلة مثل هجوم 2011، وقال لكل من يصف صحفيي المجلة بالمصابين بالإسلاموفوبيا أو حتى المسيحوفوبيا ومن قالوا عنا أننا نضع الزيت على النار والعنصريين أن دورهم سيأتي.

وهاجم أيضاً المترددين في أمر التهديدات الطويلة التى واجهتها شارل إيبدو: “نعم، نحن ندين الإرهاب لكن، نعم تهديد الرسامين بالقتل شىء ليس بالجيد .. نعم، حرق مقر جريدة سىء لنا” .

و بين صفحات المجلة ظهرت رسومات لمظاهرة باريس و سخرت من رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو و المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، و أظهرت أنهم تم نقلهم للمسيرة في حافلة رحلات.

“ماتت عائلة من المهرجين، و جدنا عشرة”، هذا كان ما تم كتابته فوق صورة  تضم سياسيين فرنسيين منهم الرئيس الحالي فرانسوا أولاند و السابق نيكولا ساركوزي.

و لم تهدأ تحركات رئيس الوزراء الفرنسي مانويل فالس دعماً المجلة، حتى أنه زار المقر المؤقت لها. ورغم ذلك، لم تخجل شارل إيبدو من طرح نقاش حول الثغرة الأمنية في الإستخبارات الفرنسية التى يتحمل مسئوليتها فالسو التى حدث بسببها المجزرة.

وتعرضت المجلة لتغطية وسائل الإعلام الغربية وقيامهم بالتشويش على الصورة الرئيسية للمجلة، و أشاروا للأسوشيتد برس والجارديان رغم تبرعات الجارديان التى بلغت 150 ألف دولار لصالح شارل إيبدو.

أفكار من ماتوا ستظل حية

أبرزت المجلة الساخرة أعمالاً رسمها الصحفيون الذين قتلوا بجوار أعمال زملائهم. وظلت كلمات الرسام شارب الأخيرة باقية “أنا قلق” التى كان قد صرح بها في حوار بعد الهجوم على المجلة في عام 2011. و كانت مؤثرة و خصوصاً وسط تلك الظروف.

وقال شارب حينها: “يشعر الناس بالقلق لعدم وجود رد فعل من المسلمين المعتدلين فيقولون، لا يوجد مسلمون معتدلون في فرنسا، لا يوجد مسلمون معتدلون نهائياً. هناك أناس ينتمون للثقافة الإسلامية والذين يحترمون شهر رمضان كما أحتفل بالكريسماس بوشاح تركي في منزل والدي. لكنهم ليسوا مطالبين بأكثر من ذلك ضد التطرف الإسلامي فهم ليسوا مسلمين معتدلين، هم مواطنون.

charlie5

و كمواطنين، نعم، هم يفعلون. لقد اشتروا شارل إيبدو، و تظاهروا بجوارنا و صوتوا ضد الحمقى اليمينيين. ما يغيظنى حقاً هو أنهم دائماً ما يطلق عليهم المسلمين المعتدلين. هم ليسوا مسلمين معتدلين. ذلك مثل أن يقول أحدهم لي تصرف ككاثوليكي معتدل، أنا لست كاثوليكياً معتدلاً حتى لو كان قد تم تعميدي، أنا لست كاثوليكياً على الإطلاق”.

الحلو المر

و ظهرت بعض الرسومات إحتراماً للزملاء الذين قتلوا. هناك حس فكاهة ممزوج بالحزن، لكن الميلودراما لفتت الانتباه. يعمل الكاتب في مجلة شارل إيبدو، باتريك بيلو، كطبيب طوارئ أيضاً و كان أول من وصل إلى مسرح المجزرة. انهار بيلو باكيا بين ذراعي الرئيس الفرنسي قبل مظاهرة الأحد. لكن الجزء الخاص به في المجلة مضحك وقوي في اللهجة و أيضاً ملىء بالنوادر الشخصية التى أخفت حزنه. فكان يتعجب بشىء من اللامبالاة لماذا لا يرد أصدقاؤه من رسامي الكاريكاتير على مكالماته.

و رسم “لوز” أصدقائه الراحلين كأطفال  يتبعهم رجل جليد صغير لمساعدتهم في فهم عالم البالغين الغريب.

و سردت كاتبة العمود بالمجلة زينب الرازوي كيف كان شارب معتاداً على السخرية من انتقادها للإسلام باستخدام كلمة “الله أكبر” كإمضاء له في الرسائل الإلكترونية والنصية. مثل ”الله أكبر.. هل تعتقد أنه بإمكانك أن تنتهي من مقالتك غداً”.

و كتبت زينب عن حوار طريف دار بينها و بينه في أحد الأيام، حيث قالت له توقف عن الهتاف هكذا ففي اليوم الذي سيأتون فيه إليك لن نعلم إن كنت تمزح أم لا، وقالت “وحدث ذلك فعلاً”.

charlie12

و ختمت برسالة للرسامين الراحلين: “الألم سوف يستمر طويلاً، ويتكرر ويظل دائماً.. ولكن سوف نأخذ الكثير من الوقت لنكتشف ونعيد اكتشاف كنوز سحركم الخفية و غير المتوقعة. لقد تركتم لنا التصفيق الحار بينما كنتم تعيشون وسط صيحات الاستهجان، لقد رحلتم غير محبوبين وذلك جعلنا بعدكم مفهومين. شكراً لكم، كل الناس يريدون مساعدتنا ويريدون قراءة مجلتنا والاشتراك في خدماتنا.. أنتم تدللونا كثيراً بعد موتكم، لكن الآن نخاف أنه عندما تعود الأوقات الصعبة ستعود من غيركم”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى