إعلامثقافة و فنسياسةمنوعات

باسم يوسف: لا أؤمن برومانسية انتصار العدالة ..ولا أفتقد إلا “المانجة”

باسم يوسف لوول ستريت جورنال: لا اعتقد أن الفكاهة تسقط نظاما.. ولا افتقد في مصر إلا المانجو

PHOTO: AXEL DUPEUX FOR THE WALL STREET JOURNAL

وول ستريت جورنال – أليكساندرا وولف – ترجمة: محمد الصباغ

بعد إيقاف برنامجه التليفزيوني الساخر في بلده مصر، يقيم باسم يوسف مؤخراً قرب بوسطن. ولديه شكوى صغيرة هنا، يقول: ”أشعر بالشفقة تجاه الأمريكيين بسبب فاكهتهم السيئة، فالمانجو عندكم مثل الخيار. ما أفتقده حقاً في مصر هو المانجو”.

كان كثيرون يطلقون عليه ”جون ستيوارت“ مصر، واعتاد أن يقدم باسم، 40 عاماً، برنامجه ”البرنامج“. تحدث فيه عن كل شئ بداية بالسياسيين إلى العسكريين ثم الإخوان المسلمين، وجذب البرنامج ملايين المشاهدين خلال فترة عرضه  من عام 2011 إلى 2014. و كان له الفضل في بداية ”الهجوم بالفكاهة“ التي ساعدت على قلب الرأي العام ضد الرئيس الأسبق محمد مرسي، الذي أطاح به الجيش في يوليو 2013.

تم إيقاف البرنامج من جانب القناة التي يعرض بها في يونيو الماضي، وغادر باسم مصر في نوفمبر. يعمل الآن كزميل مقيم بمعهد السياسات في جامعة هارفارد، حيث يقدم محاضرات توضح كيف تستطيع الفكاهة أن تكسر محرمات السياسة، والمجتمع والدين. لم يمنع باسم رسمياً من دخول مصر أو من مغادرتها، لكنه يقول إنه لن يتعجب لو أوقف جواز سفره. حياته في مصر أصبحت ”لا يمكن توقع ما سيحدث بها“ ويضيف أصبحت الحياة في مصر كالسفينة الدوارة في الملاهي وأنا كبرت على تلك الألعاب.

يعتبر باسم يوسف جديداً نسبياً فيما يتعلق بأعمال السخرية السياسية. كانت حياته المهنية ناجحة كطبيب متخصص في جراحات القلب، ثم بدأت بعد ذلك المظاهرات المطالبة بالديموقراطية في ميدان التحرير عام 2011. بدأ باسم بالنزول إلى الشارع لمعالجة المصابين بعد أن شاهد إصاباتهم خلال المظاهرات، وسريعاً أصيب بخيبة أمل بسبب ما تقوله الحكومة عن هؤلاء المتظاهرين. يقول باسم: ”قالوا عن الناس في الشوارع إنهم ليسوا ثوريين بل يتعاطون المخدرات، ويتبعون الموساد والمتطرفين الإيرانيين، كأن كل الناس تتآمر ضدنا“.

وعقب تنحي مبارك في فبراير عام 2011، بدأ باسم يوسف في صنع مقاطع فيديو وعرضها على اليوتيوب ساخراً من التناقض الذي رآه بين ما تقوله الحكومة وما رآه بالفعل على أرض الواقع. وانتشرت حلقاته بشكل كبير كالفيروس.

سريعاً، تلقى العديد من الطلبات من شبكات تليفزيونية خاصة لتمويل برنامج تلفزيوني يقدمه، وبالفعل وقع عقدا مع أحد القنوات لتقديم برنامج أسبوعي، وخلال ثلاثة أشهر جذب برنامجه الملايين من المتابعين لكل حلقة.

و بالتوازي مع شهرته واجه اتهامات بمعاداة الإسلام ومحاولة إسقاط الحكومة. مع وصول حكومة الإخوان المسلمين المنتخبة  للسلطة عام 2013،  تم توقيف باسم  واستجوابه لمدة ست ساعات. وعن ذلك قال: ”كان الأمر كوميدياً لأن الشخص الذي قام باستجوابي، كان يطلب مني أن أفسر نكاتي، و كانوا يعرضون مقطع فيديو ويقولون: “هل أهنت الإسلام هنا؟ هل أهنت الرئيس؟”. ونفى باسم إهانة أي شخص، وبعد عدة أيام، تم السماح لبرنامجه بالاستمرار.

وبعد إطاحة النظام العسكري بقيادة عبد الفتاح السيسي بالإخوان المسلمين في صيف 2013، تم إيقاف برنامجه بواسطة القناة فانتقل إلى أخرى بدورها ألغت البرنامج في يونيو 2014.

قرر مع زوجته بعد ذلك بعدة أشهر مغادرة البلاد مع طفلتهما التى تبلغ ثلاثة أعوام. ويقول: ”عند نقطة معينة، عنما تصبح الضغوط كثيرة لن تجد قناة تدعمك”. وأضاف باسم أن هدفه لم يكن تغيير آراء الناس، بل كان الترفيه. كل نكتة تساعد. ففي خلال السنوات الأربع الماضية، كان كثير من المصريين، ومنهم باسم نفسه، يشعرون بالإرتباك في معتقداتهم السياسية. في مصر، يضيف باسم: ”ما رأيناه في الأربعة سنوات الماضية كثير جداً، و يربك المعتقد السياسي لأي شخص”.

تركت الخلافات السياسية أيضاً إختلافات عائلية. ويقول باسم إنه لاحظ زيادة في نسبة الطلاق في مصر. وأضاف: ”العائلات لا تتحدث سوياً. تخيل أنك تستيقظ في اليوم التالي لأسبوع الإنتخابات، وعائلتك كان نصفها من الجمهوريين والآخر من الديموقراطيين.. وكل شخص يمسك برقبة الآخر“.

وعند سؤال باسم يوسف عما إذا كان خائفاً على سلامته أثناء عرض برنامجه، قال: ”يجب أن تضع نفسك في حالة من الإنكار“، وأضاف أن عمله كطبيب في جراحات القلب جعله قادراً على التعامل مع مشاعر الخوف. ”القلب مفتوح، يجب أن تعمل و ألا تجعل خوفك يسيطر عليك لو أردت أن تؤدي وظيفتك جيداً. لذا يجب عليك أن تقوم بالعمل. لم أسمح لنفسي في التفكير في العواقب كثيراً“.

 رغم أن كثير من الناس يرجعون له الفضل في لعب دور في السياسة المصرية إلا أنه يعتقد أن الفكاهة لا يمكنها أن تسقط نظاماً. فيقول: ”أعتقد أننا نحب أن نصنع خيالاً شعرياً بأن السخرية والفكاهة قد تسقط الحكومات. أعتقد أن ذلك غير صحيح، لكن السخرية السياسية تجذب الناس أكثر إلى المائدة“.

و قال إن من في السلطة غالباً وضعوه في دور أكبر من الحجم الذي أراده في السياسة. ” لقد حاولوا وضعي في مكان لم أرد أن أكون فيه”.

يعتقد باسم يوسف أنه كان من الممكن أن يستمر في برنامجه لو كان هناك دعماً أكثر ممن هم في السلطة، لكن ذلك كان يعني تخفيف محتوى برنامجه. لم يرد باسم أن يغير شكل سخريته الإجتماعية و”تقديم تنازلات من أجل الشعور بالحرية“.  ولم يرغب أيضاً في بث برنامجه من خارج مصر. فقال: ”رفضت وضع نفسي في موضع أبدو فيه كالهارب. إذا انتقدت بلدك من الخارج، سوف تفتقد إلى المصداقية”.

سيظل باسم يوسف في بوسطن حتى مايو المقبل ثم سيتوجه إلى دبي حيث كان يقيم سابقاً، في المدينة العربية التي تحتضن المواهب العربية من الممثلين و الكوميديين. ورغم ذلك، يساعد في تمويل جماعي لموقع ” Indiegogo“ لاستكمال إنتاج فيلم وثائقي باسم ”دغدغة العمالقة“ الذي يدور حول صعود باسم يوسف إلى الشهرة.

 ويشارك في بطولة فيلم هزلي بميزانية صغيرة حول إرهابي كوميدي واسم العمل ”كوميديا العرب“، ويأمل من خلاله أن يرى الأمريكيون منظوراً جديداً. ويقول: ”نحن شعب مرح جداً، أعرف أنكم تروننا فقط كأننا نفجر أنفسنا، لكن هناك أكثر من ذلك”.

هو متقبل لفكرة قضاء وقت أكثر في أمريكا. ويقول: ”أعتقد أن هوليوود تحتاج إلى ممثلين غريبي التصرفات، أنا أتصرف بغرابة وكثيف الشعر!“، ثم ذكر جون ستيوارت مقدم برنامج ”ذا دايلي شو“ الذي ألهمه في صناعة برنامج “البرنامج”.

ظهر كل منهما في برنامج الآخر، وفي أحد المقالات عن باسم يوسف في جريدة مصرية، قيل إن الاستخبارات الأمريكية عينت جون ستيوارت لتدريب باسم على إسقاط الإخوان المسلمين.

وفي اليوم الذي أعقب ظهور باسم في برنامج جون ستيوارت، أعلن الأخير استقالته، وتسبب في طوفان من التعليقات على تويتر يطلبون من باسم يوسف أن يكون بديلاً عنه. وقال باسم لمن طلبوا ذلك: ”في اليوم الذي يكون الساخر السياسي في أمريكا هو شخص من الشرق الأوسط و بلهجة غير سليمة، سيكون ذلك أمراً أكبر مما حدث حين تولى أول رئيس أسود، لذا لا أعتقد أن ذلك قد يحدث”.

ولا يعني ذلك أنه سيعارض الأمر، فقال ”أعتقد أن كوميدي سنترال (قناة لعرض البرامج الكوميدية في امريكا) سوف تفكر في أمر التغريدات على تويتر”.

فضلت الصحيفة نشر سؤالين وجهتهما لباسم يوسف بشكل منفصل وهما:

_ ما الذي تؤمن به ولا يعتقد فيه الناس؟

– ”بعض الناس تقودهم قراءاتهم أو مشاهداتهم للأفلام أو ما يروه في هوليوود، ويعتتقدون أن العدالة سوف تسود في النهاية. أنا لا أعتقد في ذلك. أعتقد أن هذا الكوكب يملكه الطغاة والأقوياء والظالمون. عندما يخبرني الناس أن ذلك سيتغير، وأن العدالة سوف تسود والخير سينتصر، أتعجب “متى انتصر الخير؟” التاريخ يملكه المنتصرون الذين بدورهم يغيرون التاريخ ليجعلوك تعتقد أنهم هم الخير. أنظر إلى ستالين و ماو”.

– كيف ترى مستقبل مصر؟

– ”عليك أن تسأل بللورة التوقعات السحرية عن ذلك. أما أنا فقد توقفت عن توقع أي شئ.  قبل أربعة سنوات، لم يعتقد أي شخص أن ذلك سيحدث، مصر في عزلة مختلفة عما يحدث في المنطقة أو حول العالم. لو ظهر شئ مثل تنظيم الدولة الإسلامية والجهاديين في مصر، سيطيل ذلك مدة بقاء نظام معين، وهذا لا يبدو الخيار الأفضل، لكن الناس سوف تختاره من بين باقي الخيارات غير الجذابة. سوف يختار الناس الأمن في أي وقت و في أي يوم. الأمن هو أكثر الأشياء المرغوب بها دائماً. مرغوب أكثر من الدين، والحرية، وإذا شعر الناس أن أمنهم مهدد سواء بشكل حقيقي أو وهمي من خلال الاعلام فإن سيكونوا مرعوبين.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى