سياسة

المعتقل رقم 41: وائل غنيم يروي قصته مع الاختفاء القسري

زحمة – وائل غنيم ينشر حكايته مع تحربة الاختفاء القسري إبان ثورة يناير

ghonimل

نشر وائل غنيم، الناشط ومدير التسويق السابق بشركة جوجل في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، تدوينة بعنوان “المعتقل رقم 41” على حسابه الشخصي بموقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”، يروي فيها تفاصيل احتجاز السلطات المصرية له خلال ثورة 25 يناير.

وقال غنيم إنه نشر هذه التدوينة لتذكير المجتمع بأن “الاختطاف جريمة ومرتكبها مجرم مينفعش يستأمن على تنفيذ القانون والدستور”. وأضاف أنه “يكتب هذا الكلام بينما هناك مئات المختطفين من مختلف التيارات السياسية وبعضهم بلا أي اهتمامات سياسية قابعين في السجون.

نص التدوينة:

المعتقل رقم 41

(١)
يوم 27 يناير 2011 اتخطفت من الشارع في نص الليل. أربع أشخاص مسلحين بملابس مدنية وقعوني على الأرض وقيدوا حركتي وفي أقل من دقيقة ركبوني عربية كانت مستنياهم ومن وقتها مشفتش غير سواد قطعة القماش اللي كانت على عيني.

لمدة 11 يوم كنت متغمي ومتكلبش 24 ساعة في اليوم، حتى وقت الأكل و الصلاة وحتى أثناء دخول الحمام.

(٢)
أنا اتخطفت من الشارع بدون حكم قضائي، بدون إذن نيابة، وبدون ما أعرف هوية المختطفين. غطوا عيني، وأخدوني لمكان معرفش هو فين لحد النهاردة، وتم التحقيق معايا لساعات طويلة بدون وجود محامي. وقيدوا حركتي وقعدوني في حبس انفرادي ممنوع فيه أتكلم حتى مع نفسي، ومكنتش عارف أي حاجة من اللي بتحصل بره المعتقل.

كنت باختصار: عايش كأني ميت.

(٣)
وإنت مختطف الدقيقة بتعدي زي الساعة، والساعة بتعدي زي اليوم، واليوم بيعدي زي السنة، وبتبقى عايش في حالة من الرعب لأنك مش قادر تعرف إنت فين وهتطلع إمتى وهيتعمل فيك إيه.

في المعتقل عرفت معنى الخوف الحقيقي، عرفت يعني ايه جسمك يصاب برعشة مستمرة مش عارف توقفها من الهلع. كنت عارف كويس إني تحت رحمة السجان اللي هيقرر مصيري، لأن مفيش ورقة واحدة بتثبت وجودي عندهم ومحدش شافهم وهما بيخطفوني من الشارع ومن السهل جدا إني أقعد شهور أو سنين أو يتم قتلي ورمي جثتي في الصحراء وإنكار إني اتخطفت من الأساس.

(٤)
بعد كذا يوم بدأت أشعر باليأس. كنت كل ما أنام أحلم إني حر وطليق ولكن أول ما أصحى ألاقي إيدي لسه متكلبشة وعيني لسه متغمية. بدأت أفكار الانتحار تراودني وكنت باحاول اقاومها برغم حالتي النفسية السيئة. وهما عشان عارفين ده كويس، كانوا حاطين عسكري بيراقبني طول اليوم برغم إني كنت في حبس انفرادي.

(٥)
أصعب لجظات بتمر بيها وإنت مختطف هي لما بتسأل نفسك يا ترى الناس بره لسه بتدور عليك ولا هي كمان أصيبت باليأس واعتبرتك مت وانشغلت عنك بحاجات تانية. شعور إنك وحيد وخايف من المجهول بيسيطر عليك وبتبقى بتحاول تتعلق بأي قشة أمل إن فيه شخص بيحبك هيعمل اللي يقدر عليه عشان يعرف إنت فين.

(٦)
أنا من أسرة ميسورة الحال، كتير من قرايبي وأصدقائي شغالين في مناصب مرموقة، وكنت وقتها شغال في واحدة من أكبر شركات التقنية العالمية، ومع ذلك تم اختطافي بالطريقة دي.

بعد اختفائي، أهلي بدأوا يدوروا علي في كل المستشفيات والأقسام. أخويا الصغير وقرايبي راحوا المشرحة عشان فيه شخص كلمهم وقال لهم إن في جثة لشخص شبهي وعايزينهم يتأكدوا.

مش عارف أوصف مقدار الرعب اللي كانت فيه زوجتي ووالدي ووالدتي وباقي الأسرة خاصة وهما بيسمعوا الداخلية وهي بتنفي إني مقبوض علي. ومش عارف أكون مكان زوجتي وهي بترد على ولادي لما بيسألوها فين بابا؟ وليه مش بيتصل بينا؟

(٧)
مش هانسى لحظة ما بعد حفلة الاستقبال في المعتقل لما ضابط أو شاويش (مقدرش أحدد لأن عيني كانت متغمية) سألني: إسمك إيه؟ قلتله: وائل سعيد عباس غنيم، فضربني بالقلم وقال لي: لأ! إنت هنا إسمك 41، إسمك إيه؟ فقلت بنبرة من القهر: اسمي 41.

ليه اسمي 41؟ لأن المختطف مينفعش يتقال اسمه. عشان لو حصل ان 2 مختطفين لأي سبب اتكلموا وواحد فيهم خرج، ميقولش لأهل التاني إنه معتقل.

إنت في نظر السلطة مجرد رقم مسلسل، بدون أي حقوق.

(٨)
اللي حصل لي يعتبر ولا حاجة من اللي بيحصل وهيحصل لناس كتير بيتم اختطافها بدون أي سند قانوني وبيتعرضوا لمختلف صنوف العذاب الجسدي والنفسي في ظل غياب أي آلية لمحاسبة الأجهزة الأمنية اللي بتتعدى على أبسط قواعد حقوق الإنسان وما أقره الدستور والقانون.

(٩)
وأنا باكتب الكلام ده فيه مئات من المختطفين من مختلف التيارات السياسية وبعضهم مالوش أي اهتمامات سياسية، أهاليهم بيدوروا عليهم، كتير منهم بقاله أٍسابيع أو شهور محدش يعرف مكانهم وبيتحقق معاهم بالمخالفة لكل القوانين والأعراف الدستورية المصرية والدولية. أقل حق علينا ليهم هو إننا نفكر كل الناس إن الاختطاف جريمة ومرتكبها مجرم مينفعش يستأمن على تنفيذ القانون والدستور.

(١٠)
‫#‏الاختفاء_القسري_جريمة
‫#‏اختطاف_وطن
‫#‏قانون_الغاب

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى