سياسة

“المساواة في الإرث”.. هل يضرب الرئيس التونسي عصفورين بحجر؟

الأحزاب التونسية منقسمة بشأن القانون لكنه في النهاية يصب في مصلحة السبسي

ترجمة: رنا ياسر

المصدر: Brookings

by: Sharan Grewal

في 13 أغسطس الماضي، أعلن الرئيس التونسي، الباجي قائد السبسي، عزمه منح المرأة حقوقًا متساوية في الميراث وإجراء إصلاحات على القانون الحالي، إلا أنه بعد أسبوعين رفض حزب النهضة الإسلامي -الحزب السياسي المنافس للسبسي- هذا الاقتراح.

ومع مُشاهدة المواقف الأولية، من المرجح أن يتحول الجدل بشأن الميراث في تونس إلى صدع كبير قبل انتخابات عام 2019، لذلك كان الجدير هنا طرح سؤال: هل ستتمكن تونس من إيجاد حل وسط بشأن إجراءات الميراث؟ حسبما أشارت مؤسسة “بروكينجز” الأمريكية في تقريرها.

تعود قوانين الميراث القائمة في تونس إلى قانون الأحوال الشخصية لعام 1956، هذا القانون الذي منع تعدد الزوجات ومنح المرأة حقوقًا متساوية عند طلاقها من الرجل، وأسهم في ذلك القانون حبيب بورقيبة -الأب المؤسس وأول رئيس للجمهورية التونسية- كنصير لحقوق المرأة.

ورغم أن إجراءات القانون أكثر تقدمًا على العديد من الجهات فإن الميراث كان معركة لا يستعد الأفراد مواجهتها.

القانون الحالي يُكرس التقاليد الإسلامية حرفيًا، ولا يحدد فقط الورثة المعنيين الذين يحصلون على الميراث، بل يُحدّد أيضًا التفاصيل الدقيقة التي يمكن أن يتحملها الطرفان حيث عادة ما يتم اتباع الحكم القرآني في هذا الشأن ومن ثم منح المرأة نصف نصيب الرجل.

وعلاوة على ذلك، ووفقًا لهذا القانون، لا يستطيع التونسيون كتابة وصية توزّع ميراثهم بالتساوي.

ففي المادة 179 -التي تسمح للأفراد بتوزيع ثُلث الميراث فقط وفقًا لوصيتهم- لا يُمكن منح ذلك الثُلث لأي من الورثة المُشار إليهم قانونًا، (مثل بناتهم أو أخواتهم) دون موافقة الآخرين تبعًا للأحكام الصادرة من الأحاديث الشريفة.

وحاليًا، التونسيون الذين يسعون إلى توزيع ميراثهم بالتساوي، يجب عليهم بدلا من ذلك تحويل ملكية ثرواتهم قبل وفاتهم.

وبعد مرور ستين عامًا فإن مشاريع الرئيس السبسي التي لم يجرؤ عليها بورقيبة، “في قضية تساوي الميراث” تجلّت بداية من 13 أغسطس عام 2017، في أثناء اليوم الوطني للمرأة في تونس، إذ شكل السبسي لجنة الحريات الفردية والمساواة لدراسة الإصلاحات التي يجب إجراؤها لوضع القوانين وفقًا لدستور عام 2014 والاتفاقات الدولية.

وفي يونيو من العام ذاته، أصدرت اللجنة تقريرها المؤلف من 235 صفحة، والذي ينادي ويطالب ضمن قضايا أخرى بالمساواة في الميراث، وإلغاء تجريم المثلية الجنسية، وإلغاء عقوبة الإعدام، وفي خلال اليوم الوطني للمرأة للعام الحالي، أعلن السبسي موافقته على توصية تقرير “لجنة الحريات الفردية والمساواة” الخاص بالإرث المتساوي، متعهدًا بتقديم مشروع قانون للبرلمان في الأشهر القادمة.

وبينما ذكرت التغطية الإعلامية حينها أن السبسي يسعى إلى ضمان المساواة في الميراث، فإن ما يقترحه يُعدّ حلا وسطا، بالإضافة إلى أن عرض السبسي سمح للأفراد بالاستمرار في اتباع المبادئ التوجيهية الإسلامية إن رغبوا، ولكن موضحًا لهم أن ذلك ربما يجعلهم يتخلون عن الحق في المساواة في الإرث.

وفي 26 أغسطس الجاري، أصدر مجلس الشورى بيانًا رافضًا مقترح السبسي على أنه يتناقض مع النصوص الدينية في القرآن والسنة، على الرغم من أن حزب النهضة قدم تنازلات كبيرة في فترة 8 سنوات ماضية بما فيها عدم ذكر الشريعة في الدستور الجديد والمساواة بين الجنسين وحرية العقيدة فإن الحزب الآن رافض تغيير القانون بشأن الميراث.

وما يجعل إجراءات قانون الميراث لا تتوافق مع الحلول التوفيقية السابقة هو مدى وضوح القرآن في هذا الشأن، في سورة النساء حيث أوضح النص القرآني “للذكر مثل حظ الأنثيين”، لذا فإن حزب النهضة يعتمد على نقد الحلول السابقة على هذه الأسس الدينية، مُعربًا أن الميراث المتساوي سيكون أكثر صعوبة.

بالنسبة إلى هذا الحزب الإسلامي، وربما لغالبية التونسيين، فإن فكرة التساوي في الميراث خطوة بعيدة أكثر من اللازم، إذ كشفت دراسة للمعهد الجمهوري الدولي مقرها في واشنطن أن نحو 63% من التونسيين بما في ذلك 52% من النساء يعارضون فكرة “المساواة في الإرث”.

وعلى الرغم من ردود الفعل العكسية فإن الرئيس السبسي يرى العديد من المصالح في متابعة إجراءات الميراث، وإذا نجحت هذه الإجراءات فإنها ستُمكن الرئيس، البالغ من العُمر 91 عامًا، أن يخلق إرثًا تقدميًا لذاته يُشبه إلى حد كبير بورقيبة، وإذا لم تنجح الإجراءات فإن تركيز الأمة على هذه الخلافات من شأنه أن يُصرف الناخبين عن حالة الاقتصاد المتدهور، في الوقت الذي يُمكنه إعادة فرض ودعم حزبه الحاكم “نداء تونس”.

ما الذي يُمكن أن يحدث خلال الفترة القادمة؟

يقوم السبسي في الوقت الحالي بصياغة قانون لتقديمه إلى البرلمان وقت انعقاد الجلسة في شهر أكتوبر القادم، ورغم أن حزب النهضة يتمتع بالجزء الأكبر من المقاعد البرلمانية فإن فكرة تساوي الميراث يُمكن أن تُطبق دون دعمهم، مع أن ذلك قد يتطلب توحيد الأحزاب العلمانية المتنافرة في تونس، في الوقت الذي اختلف فيه أيضًا أفراد من الحزب التابع للسبسي وانقسموا تبعًا لمقترحه الأخير.

السيناريو الآخر هو أن البرلمان يراجع مشروع القانون بطريقة ترضي حزب النهضة، وقد يكون أحد الحلول الوسيطة المُستساغة التي تخالف السبسي، وهي السماح للأفراد باختيار فكرة المساواة في الميراث بإرداتهم لكن في هذه الحالة سيكون هناك غياب لتطبيق الشريعة الإسلامية.

يُذكر أن قدرة تونس على التوصل إلى حل وسط بشأن الميراث سوف تعتمد على إبداع السياسيين، في حين أننا نتوقع معركة استقطابية في الأشهر المُقبلة، إذ إن تونس فاجأت المراقبين عدة مرات بإمكانها التوحد في اللحظات الأخيرة لإيجاد أرضية مشتركة، ومن المرجح أن تفعل ذلك مرة أخرى بشأن هذه القضية المُثارة حاليًّا في البلاد.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى