منوعات

المرض الأكثر رعبًا في التاريخ.. كيف استغلّته بريطانيا في محاربة أعدائها؟

قُتل ما يصل إلى 90% من السكان

ترجمة: رنا ياسر

المصدر: News week

إذا كنت أمام شاشة، نصفها يعرض لك حالة الطقس على مستوى العالم، والنصف الآخر يبثّ لك وضع السياسة العالمية، فيمكنك بسهولة استنتاج أننا في ورطة كبيرة، إذ إن العواصف المهولة وموجات الحرارة القاتلة فعليا تعلنان عن حدوث تغيّر مُناخي بفعل الإنسان، مع المزيد من الكوارث التي يحذر منها الكوكب وقت انهيار الأنظمة البيئية، تبعًا لتقرير مجلة “نيوز وييك” الأمريكية.

في ظل إخفاق الجهود الخاصة بالأزمات العالمية، يواصل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بالتغريد عبر “تويتر”، واصفًا أخبار تغيير المناخ بأنها “وهمية وزائفة وهذا أمر سيئ”.

ومع ذلك، أظهرنا نحن البشر أنه يمكننا التغلب حتى على أشد مشاكلنا صعوبة، والمثال الأول كان من خلال انتصارنا على مرض الجُدري، الذي ظل لفترة طويلة ضمن الأمراض الأكثر رعبًا على مر العصور.

الكارثة القديمة

يُذكر أن هذا الفيروس -الجدري- ربما انتقل من الجمال أو الحيوانات الأليفة الأخرى إلى الناس منذ نحو 3000 سنة، إذ طال الجميع بداية من الفلاحين الصينيين حتى القدماء المصريين.

وتسبّب هذا المرض شديد العدوى في حدوث حمى ورعشة لدى الأطفال الرّضع، مما أدى إلى قتلهم قبل ظهور الطفح الجلدي على أجسامهم، وآلاف آخرين ظهرت لديهم أعراض هذا المرض على وجوههم وأياديهم خاصة كبار السن.

في فترة العصور الوسطى، تعلم الأطباء في جميع أنحاء آسيا إدخال صديد الجدري -بعد استخراجه من المريض نفسه- في كتف أو فخذ شخص سليم مُعرّض إلى الخطر، بينما عُرف ذلك بـ”التطعيم” مما جعل نسبة الوفاة تتراوح بين 2% و5%، وعادة ما استعانت به الحالات المتوسطة لكي تتمتع بالمناعة مدى الحياة.

وأعطى الأوروبيون الفيروس دون قصد، حياة جديدة من خلال توصيل الأفارقة العبيد إلى المناطق القريبة من هبوط كولومبس -الرحالة الإيطالي الذي اكتشف أمريكا- في هيسبانيولا (جزيرة من جزر الأنتيل شرق كوبا) في عام 1518. ومن الجزر، حيث انتشر الجُدري في الجزر الرئيسية، مما مكن الغُزاة من إسقاط الحضارات التي ليست لديها “مناعة ضد الموت”.

وما تلى ذلك، لم يكن له مثيل في التاريخ، ففي أثناء تفشي المرض في جميع أنحاء الأمريكيتين، قتل الجُدري ما يصل إلى 90% من بعض السكان الأصليين، وكان من أسوأ المتضررين الذين نال منهم المرض هو قبيلة “سالش” التي تقع الساحل الشمالي غرب المحيط الهادئ حيث كان من عاداتهم التحدث عن “التنين المُخيف” الذي بمجرد ما تلمس أنفاسه الساخنة جلد الأطفال تُسبب حرقه ومن ثم تتحول الحروق إلى تقرحات.

من التحصين إلى التطعيم

ورغم ذلك قاومت الشعوب المرض الخطير، في عام 1720 تعلم الأوروبيون والأمريكيون التلقيح من المصادر العثمانية والغربية الإفريقية خلال ظهور المرض في بوسطن، وحث القسّ كوتن ميذر الجميع على تبني هذه الطريقة الجديدة وحث على تجاه المتعصبين المُدعين أن التلقيح نوع من أنواع “الشعوذة”.

استخدم العديد هذه الوسيلة -التلقيح- في أغراض خبيثة، ففي ستينيات القرن الثامن عشر قام القادة البريطانيون بحماية قواتهم الخاصة ثم عملوا على نقل المرض -الذي كان بمثابة وحش- إلى الأعداء الأصليين، وربما فعلوا الشيء نفسه مع المستوطنين المتمردين في بوسطن بعد عقد من الزمن.

ومع ذلك، دعا بعض المستنيرين لمكافحة الجدري بعدما صار عدوا لدودا، وتبادلوا الأفكار مع باحثين من دول مُعادية وأصروا على أن التقدم الطبي ما هو إلا لخدمة الإنسانية وليس له ثمن أو حدود.

وخلال القرنين التاسع عشر والعشرين، قامت البلدان الغنية بتحصين شعوبها بانتظام، حتى إن الولايات المتحدة كانت لديها مؤسسة وطنية للقاحات، في حين عانت البلدان الأكثر فقرًا في إفريقيا والكاريبي لفترة أطول، على الرغم من أنها كانت رائدة في التلقيح.

التهديد المستمر

في عام 1966، بعد أربع سنوات من انتشار الجُدري في كندا، قررت منظمة الصحة العالمية القضاء عليه من على وجه الأرض، ونجح هذا المشروع الرائع بسبب التعاون الوثيق بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي رغم الحرب الباردة.

والآن رسميا، الفيروس موجود فقط في مختبرين -تحت حماية عالية- في الولايات المتحدة وروسيا. ولأن الجدري مستقر في البيئات المختبرية فإن المخزونات القديمة من مواد التلقيح قد تكون مُخبأة، ويمكن للإرهابيين البيولوجيين التسلّح بهذه المادة النشطة.

إذا حدث ذلك فإننا سنحتاج إلى أدوية جديدة مثل “تيكوفيريمات”، هذا العلاج الذي وافقت عليه الحكومة الأمريكية، كما سيتم الاحتياج والمطالبة باستخدام مخزونات اللقاحات وجهد دولي مُكثف لاحتواء تفشي المرض، ولاحتواء حالة الهلع الذي انتشرت بسببه.

ومع هذا، فإننا بحاجة إلى تذكر أول انتصار لنا على الجدري كدليل على براعتنا، فضلا عن قدرتنا على العمل معًا من أجل صحة وسعادة جنسنا البشري.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى