مجتمع

المراحل الخمس لما بعد تعذيب مواطن حتى الموت

سيناريو المراحل الخمس لما بعد تعذيب مواطن حتى الموت

pic

كتب: محمد الصباغ

لم تجف بعد دماء المواطن مجدي مكين الذي توفي تحت الاحتجاز في قسم شرطة الأميرية، حتى توفي متهمان آخران تحت الاحتجاز  أحدهما في أبو النمرس والآخر في البدرشين، وإلى أن تكشف التحقيقات سر حالتي الوفاة، وقبلهما المواطن مكين الذي أثارت وفاته وجسده المشوّه الرأي العام، يمكن ملاحظة  أن هناك سيناريو محدد مكّون من خمس مراحل تحيط بمعظم قضايا التعذيب خاصة إذا تسلط عليها الضوء الإعلامي، وأن هذه المراحل الخمس على هذا النحو قد تكون السبب في استمرار مثل هذه الحوادث .

وهنا رصد لهذه المراحل الخمسة:

(1) المرحلة الأولى: إنكار  تام وتبريرات غريبة

مجدي مكين

ما أن تظهر قضية وفاة مواطن في أحد مراكز الشرطة إلى الضوء الإعلامي، حتى يكون الرد الآلي من الأجهزة الأمنية هو الإنكار التام  لإحداث أي أذى بالمواطن مما أدى لوفاته.

ويتنوع شكل الإنكار بين التصريح  بإضابة المتهم  “بحالة إعياء” أدت إلى وفاته، كما في حالة المحامي كريم حمدي الذي توفي تحت الاحتجاز بقسم  شرطة  المطرية،

أو يتخذ الإنكار والتبرير  شكلا غريبا مثل وقوع الوفاة  بسبب إنقلاب عربة  كارو كما في حالة مجدي مكين، أو سقوطه عن السلم كما في حالة طلعت شبيب المواطن من محافظة الأقصر الذي قتل بقسم المدينة، أو اختناقه بسبب ابتلاعه لفافة بانجو مثل الحالة الأشهر لخالد سعيد، وأخيرا إصابته بتشجنات مفاجئة كما في حالة متهم أبو النمرس أول أمس.

(2) المرحلة الثانية : البحث في الملف الجنائي للضحايا 

إذا تواصل الاهتمام الإعلامي بحالة  وفاة تحت الاحتجاز رغم الإنكار الرسمي، يلاحظ الانتقال إلى المرحلة الثانية وهي البحث في “الفيش والتشبيه ” أو السجل الجنائي الخاص بالضحايا، ويتم نشره عبر تصريحات رسمية أو عبر إعلام معروف باقترابه من دوائر السلطة، وقد يمتد البحث في السجل الجنائي للمواطن الضحية حتى إلى ما قبل 20 عاما  كما فعل موقع اليوم السابع الذي نشر الصحيفة الجنائية لمجدي مكين  حيث زعم أنه سبق اتهامه مرتين في قضيتي مخدرات في عام 1997، بجانب نشر الصحيفة الجنائية لأبنائه أيضًا.

حدث ذلك أيضا- على سبيل المثال لا الحصر – مع ضحية التعذيب عصام عطا الذي قتل نتيجة التعذيب في سجن طره عام 2011، حيث نقل “مصدر أمني” لليوم السابع أن عطا “مسجل خطر وسبق اتهامه ووالده في قضايا سابقة”. كما قال دفاع المتهمين بقتل خالد سعيد، أحد أسباب انفجار ثورة يناير 2011، أن الأخير متهم في 6 قضايا مخدرات ومسجل خطر  ومتهرب من الخدمة العسكرية ودللوا على ذلك بأنه “كان يضع وشما على صدره، عبارة عن قلب فيه حرفان (w – u) ولا يفعل ذلك إلا المسجلون، لأن الوشم يتم بطريقة قاسية.”

 (3) المرحلة  الثالثة: سبب الوفاة (هبوط في الدورة الدموية)

طلعت شبيب

كل حالة وفاة مهما كان سببها يمكن توصيفها في النهاية بأنها “هبوط في الدورة الدموية”، لكن الإعلام الرسمي يستخدم هذه الصيغة دائما كأن ذلك “الهبوط الذي انتهى بالوفاة” هو سبب الوفاة في حد ذاته.

لم يختلف الأمر مع مجدي مكين إّذ قال كبير أطباء مصلحة الطب الشرعي، هشام عبد الحميد،  أمس إن وفاة مكين نتيجة هبوط حاد بالدورة الدموية لكن أسباب هذه الهبوط هو ما سيحدده تقرير الصفة التشريحية الذي لم يتم الانتهاء منه إلى الآن. وكذلك كان تقرير وفاة الشاب السلفي سيد بلال الذي تعرض للتعذيب، قد جاء فيه أن الوفاة نتيجة هبوط حاد بالدورة الدموية على الرغم من الصور المنتشرة والتقرير المبدئي الذي يؤكد وجود كدمات وسحجات بجسد بلال.

بالإضافة إلى ما سبق، يستخدم عادة  أوصافا مثل  حالة إعياء أو فشل تنفسي، كما جرى مع “متهم قسم أبو النمرس” الذي توفي بعد القبض عليه أول أمس، تماما كما جرى في  فبراير الماضي حين اتهمت  عائلة عمر سعيد أبو شنب، ضابط شرطة بضربه وتعذيبه حتى الموت داخل مركز شرطة شبين القناطر، بإلا أن تقرير الطب الشرعي خرح ليؤكد أن الضحية توفي نتيجة ” حالة مرضية متقدمة بالرئتين، وفشل بالتنفس”.

وكانت قضية خالد سعيد الشهيرة هي الأكثر جدلا بخصوص تقرير الطب الشرعي الذي أكد  أن سبب الوفاة هو “إسفكسيا الاستنشاقية” والتي نتجت عن حشر لفافة في فمه، حيث تم العثور على اللفافة في منطقة البلعوم الحنجري محدثة حالة من الاحتقان بلسان المزمار، واحتقان بالقصبة نتج عنه الوفاة. بعد أن قال الطبيب الشرعي محمد عبد العزيز صاحب أول تقرير بالقضية، إن هناك عدد كبير من الكدمات والسحجات، أحدهم نتيجة ارتطام رأسه بجسم حاد.

(4)المرحلة الرابعة – محاكمة عاجلة

شيماء الصباغ

تقرر النيابة العامة بعد ذلك ما إذا كانت ستوجه اتهامات، وما هي نوع هذا الاتهامات فقد تكون ضرب أفضى إلى الموت أو قتل خطأ أو تغلق القضية بالأساس إذ رأت النيابة أن الضحية ماتت بصورة طبيعية نتيجة مرض أو إعياء أو ابتلاع كمية كبيرة من الحبوب المخدرة.

لكن في بعض الحالات، خاصة إذا كانت قضية تشغل الرأي العام، تتم الإحالة إلى محاكمة عاجلة،

فبعد 3 أيام فقط من وفاة المحامي كريم حمدي اخل قسم شرطة المطرية، أمرت  النيابة العامة  بحبس  ضابطين من الأمن الوطني متهمين بقتله تحت التعذيب، ثم أحالته إلى المحاكمة بتاريخ 8 أبريل، قبل أقل من شهرين على الوفاة.

كما قضت محكمة جنايات القاهرة في يونيه 2015،أي بعد أقل من 6 أشهر على واقعة مقتل شيماء الصباغ ، بالسجن 15 عامًا على ضابط الأمن المركزي محمد حاتم، المتهم بقتل شيماء في 24 يناير من نفس العام أثناء مسيرة سلمية لوضع الزهور بميدان التحرير.

وبعد احتجاجات شعبية حاشدة أحالت النيابة أمين الشرطة مصطفى عبد الحسيب الذي قتل سائق الدرب الأحمر محمد عادل الشهير بدربكة إلى محكامة عاجلة أصدرت حكمها عليه بالسجن المؤبد.

(5) المرحلة الخامسة: إلغاء الحكم

محمد السني

لا تنتهي القضية بالحكم السريع السابق فدفاع المتهمين يستكمل إجراءات التقاضي ليحصل بعدها المتهم في  كثير من الحالات على  إلغاء الحكم على البراءة  أو يتم تأكيد الحكم. ويُعزى ذلك عادة إلى نقص في الاستدلال والقصور وتضارب أقوال الشهود، ويرى الخبراء في قضايا التعذيب أن سبب إلغاء الأحكام هو أن الجهة المتهمة -الشرطة – هي من تتولى جمع أدلة إدانتها أو إدانة أحد أفرادها.

فعلى سبيل المثال في قضية الناشطة شيماء الصباغ وبعد الحكم على الضابط المتهم بالسجن خمسة عشر عامًا، قررت مجكمة النقض  في فبراير الماضي إلغاء الحكم وإعادة المحاكمة . وأرجعت قرارها إلى أن “الحكم قاصر في استشعار ظرف سبق الإصرار، ويصبح مشوبا بعيب القصور والخطأ في الاستدلال ويستوجب نقضه والإعادة،” بجانب وجود خلاف في أقوال الشهود عن الواقعة، وبدأت الإعادة في 20 نوفبر وأجلت الجلسة التالية إلى 22 ديسمبر.

وفي قضية المحامي كريم حمدي ألغت محكمة النقض الحكم  (السجن 15 عاما) وقررت إعادة المحاكمة مرة أخرى.

كما تم تبرئة الضباط المتهمين في قضية تعذيب سيد بلال بعدما  أصدرت محكمة الجنايات سلسلة من الأحكام بالمؤبد والسجن المشدد غيابيا على عدد من ضباط أمن الدولة المنحل، قبل أن تُلغى معظم هذه الأحكام في إعادة المحاكمة.

وفي سبتمبر الماضي رفضت محكمة النقض طعن النيابة العامة على براءة أمين الشرطة بالزاوية الحمراء، محمد إبراهيم السني، من تهمة قتل المتظاهرين يوم جمعة الغضب 28 يناير 2011. وكان السني قد حصل على البراءة بعد إعادة محاكمته استنادًا إلى صور فوتوغرافية تبين حرق القسم بأكمله وسرقة السلاح وتهريب المساجين واستشهاد أمين الشرطة عبد الله هريدي، ونائب المأمور عبد الله مخيمر، للتعدي عليهما خلال الأحداث، وانعدام نية القتل أو الشروع فيه.

وكانت الجنايات قد أصدرت حكما غيابيا على أمين الشرطة في يونيو 2011 بالإعدام ، لقيامه بقتل 20 متظاهرا وإصابة 15 آخرين.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى