سياسة

واشنطن بوست: عفوًا نتنياهو .. إيران ليست داعش

إيران لا تذبح الأقليات ولا تحطم التماثيل وهي في مقدمة المعركة ضد المتطرفين السنة

واشنطن بوست – إيشان ثارور “محرر الشؤون الخارجية بواشنطون بوست”

ترجمة: محمد الصباغ

أخيرا ألقى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو خطابه أمام الكونجرس بعد أسابيع من الانتقادات الحادة والتسييس (اقرأ: النص الكامل للخطاب).

تحدث نتنياهو في خطابه  حول التهديدات  التي توجهها إيران  لـ”بقاء إسرائيل” عبر سعي الأولى لامتلاك الأسلحة النووية، وأشار في خطابه إلى غدر نظام طهران. وأصر على أن الفارق بسيط بين حكام الجمهورية الإسلامية الإيرانية ومسلحي تنظيم الدولة الإسلامية.

قال نتنياهو: ”تتنافس كل من إيران والدولة الإسلامية على عرش الإسلام المتشدد والمسلح. يطلق أحدهما على نفسه الجمهورية الإسلامية. والآخر يطلق على نفسه الدولة الإسلامية. كلاهما يريد إمبراطورية إسلامية متشددة في المنطقة وبعد ذلك في العالم بأكمله. يختلفون فقط فيما بينهم حول من سيقود هذه الإمبراطورية”.

استمر القائد الإسرائيلي في رفض حقيقة أن إيران، ذات القيادة الشيعية، تتواجد في مقدمة صفوف المعركة ضد المتطرفين السنة. وقال: ”عندما يتعلق الأمر بإيران والدولة الإسلامية، فعدو عدوي هو عدوي”.

كان نتنياهو قد قال عندما دعمت الولايات المتحدة المسلحين المعادين للإتحاد السوفيتي، الذين شكلوا في نهاية المطاف صفوف تنظيم القاعدة وطالبان، :”هناك بعض الحالات يصبح فيها هذا الأمر مفيدا عندما يرتبط بهذا النوع من الوضوح الأخلاقي”. وتلك لم تكن المرة الأولى التى يربط فيها نتنياهو بتنظيم الدولة الإسلامية بأعدائه المباشرين. نتنياهو معروف باستخدام الإستعارات التاريخية كثيراً وأحياناً يكون مشكوك في صحتها.

ففي الجمعية العامة للأمم المتحدة العام الماضي، اشتكى نتنياهو من أن قادة العالم ”لا يدركون أن الدولة الإسلامية وحماس هما فرعان من نفس الشجرة المسممة“. وفي خطابه بالكونجرس، وصف إيران وافترض أنها ”تسير نحو الغزو والقهر والإرهاب“ – مشيراً إلى التقدم الذي حققته المجموعات المتشددة التي يشتبه بأن لها علاقة بطهران في دول مثل لبنان، وسوريا، والعراق واليمن. وزعم أن الجمهورية الإسلامية مثل الدولة الإسلامية مصممة على حمام دماء من ”القرون الوسطى“ وبذلك لا يمكن أن يكون تصرف دولة طبيعية.

هذا الحماس الذى يبدو كخطابات تشرشل، لكنه ليس مبنياً على شىء دقيق. بدون التطرق إلى أحاديث جانبية حول أجندة تنظيم الدولة الإسلامية، لنلق نظرة على تشبيهات نتنياهو التي تخفي أكثر مما تظهر.

هناك فروق واضحة ومهمة بين إيران والدولة الإسلامية. حتى خلف الحقيقة البسيطة بأن الأولى دولة ذات 80 مليون نسمة وتحاول جاهدة تدمير الثانية، التى تعد منظمة متطرفة ومجرمة وتعزز صفوفها بمقاتلين أجانب.

حكام إيران الدينيين بالكاد يسمحون بالتعددية الدينية والتسامح، لكنهم ليسوا مجموعة من المجانين المتطرفين الجهاديين، يحطمون التماثيل ويذبحون الأقليات الدينية. هناك جاليات قديمة من المسيحيين واليهود في إيران، يتم حمايتهم في إيران بشكل أفضل من أماكن كثيرة في المنطقة.

وتعتبر ديمقراطية النظام في إيران أكثر حقيقية ومنافسة من بعض الدول العربية الأخرى التي  تثير غضب نتنياهو بشكل أقل. منتقدو إيران يقولون إن قادتها المنتخبين، ومنهم الرئيس ”المعتدل“ روحاني، هم أصفار بجوار المرشد الأعلى علي خامئني. كما تظهر المعارك المشتعلة داخل إيران حول مفاوضاتها مع الغرب، علامة واضحة على التعقيدات السياسية في الدولة.

قد يرى نتنياهو الجمهورية الإسلامية ككيان إيديولوجي كامل، تنهشها حماسته. لكن تلك القراءة تتناقض مرات ومرات أخرى مع أصوات أخرى داخل إسرائيل، يشمل ذلك أعضاء بارزين في مؤسسات الدولة الأمنية، الذين يعتبرون القيادة الإيرانية ”عقلانية“. ويشترك في ذلك التقييم إدارات أمريكية متعاقبة أيضاً.

وماذا عن مسيرة إيران نحو الغزو، كما وصفها نتنياهو؟ القراءة الأكثر أمانة في ذلك هو أن إيران في حاجة إلى وكلاء في حربها الباردة طويلة الأمد الحادثة مع المملكة العربية السعودية، و دول خليجية أخرى لكن بدرجة أقل. وكما يلحظ بيتر بينارت: دعم حزب الله يعطي لإيران قاعدة قوة في لبنان، ودعمها لحماس -المتمتعة بدعم من تركيا و قطر-  يعطيها تدخلاً بين الفلسطينيين، كما أن دعم إيران أيضاً لبشار الأسد يحمي حليفاً وثيقاً في سوريا، ودعمها للحوثيين يزيد التدخل الإيراني في اليمن.

يمكن أن يكون كل ذلك ليس جيداً بالنسبة للشرق الأوسط، لكن من الصعب القول أن إيران ليس لها قيمة دبلوماسية، على الأقل ليست أقل من السعوديين، الحليف المفضل للغرب.

وتجدر الإشارة هنا إلى ما مكن إيران من تحقيق تلك المكاسب الجيوسياسية الضخمة في المنطقة، وخاصة في جارتها العراق. الغزو الأمريكي للعراق في 2003 أبعد نظاماً يعارض إيران بقوة كان يقوده الديكتاتور صدام حسين. وتعود جذور تنظيم الدولة الإسلامية إلى الإضطرابات التي بدأت عقب ذلك.

وعلاوة على ذلك، فالأحزاب السياسية الشيعية جاءت للسيطرة على بغداد، وزاد التدخل الإيراني. و كما لاحظ زميلي ”ليز سلاي“ مؤخراً، ففي وسط بغداد حيث كان يوجد تمثال واحد شهير لصدام حسين توجد الآن لافتة ضخمة للمرشد الأعلى الإيراني.

قبل الغزو الأمريكي،  قدم نتنياهو شهادته أمام الكونجرس في 2002، وأثبت أنه ليس المراقب الأفضل ذو الرؤية الواضحة لشئون الشرق الأوسط. وقال حينها: ”أنا أضمن لكم أن الإطاحة بصدام حسين ستكون لها أصداء إيجابية هائلة في المنطقة”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى