سياسةمجتمع

السعوديات قبل أول انتخابات: الباب “موارب”.. لنفتحه

فورين بوليسي: السعوديات يواجهن مشاكل لوجيستية ومجتمعية أثناء تسجيلهن للمشاركة في الانتخابات البلدية

فورين بوليسي – إليزابيث ديكنسون – ترجمة: محمد الصباغ

مع بدء تسجيل الناخبين في أغسطس، لم يلاحظ ذلك سوى  القليل من صديقات رنا( 25 عاماً) والتي امتلأت عيناها بالفضول.  إنهن  لا يخططن للذهاب إلى التصويت في الانتخابات البلدية السعودية في 12 من ديسمبر القادم – أول انتخابات يسمح فيها للمرأة بالتصويت والترشح.

ذكرت رنا في أحد أيام اكتوبر بشركة في جدة أن ” صديقاتها يعلمن بالانتخابات، لكنهن غير سعداء بها. لم يسجلن من أجل التصويت.“

شعرت رنا بشئ مختلف.  هي بالتأكيد خطوة ولو  صغيرة، وربما يأتي القليل بعدها. ووجهت الحديث لعائلتها وأصدقائها ولنفسها أيضاً ”نريد للمرأة أن تندمج بالعملية.. يمكن للمرأة أن تقدم أشياء لمجتمعها.“

لكن في قضية رنا، هذه الأشياء لا تشمل التسجيل من أجل التصويت. أشارت رنا إلى العقبات الكثيرة التي واجهتها. كانت فترة التسجيل قصيرة جداً، وعملية التوثيق كانت مرهقة، والوصي الشرعي –والتي يجب أن يتواجد مع كل نساء السعودية للقيام بأبسط الأشياء البيروقراطية- لم يكن متواجداً لترتيب وثائقها. كما تميل أسرتها إلى التفكير في السياسة بمنظور سيطرة الرجل عليها، وثبط ذلك من عزيمتها.

في السعودية هناك عدد لا يحصى ممن يعانون مما تعانيه رنا. قالت لجنة الانتخابات إن المرأة تمثل نسبة 22% من الناخبين الجدد في الانتخابات البلدية القادمة بديسمبر، أو حوالي أكثر من 100 ألف. وبإضافاتهم إلى قوائم المصوتين الانتخابية السعودية السابقة، سيجعل ذلك نسبة المرأة تزيد إلى 6% من 1,7 مليون شخص يحق له التصويت.

وصف السياسيون السعوديون والناشطات أيضاً إدماج المملكة للمرأة في الاقتراع العام في الانتخابات البلدية بمثابة خطوة بارزة في تخفيف القيود الصارمة على المرأة في البلاد. (تعامل المرأة في المملكة السعودية كمعالين شرعيين من الميلاد وحتى الوفاة، ويستطيعون فقط اتخاذ قرارات صغيرة –من السفر إلى التعليم- دون موافقة الرجل.) لكن الأرقام المخيبة للأمال في عملية التسجيل للتصويت في الانتخابات البلدية يظهر جانب آخر للأمر. فبعض المارضين للأمر أشاروا إلى أن ذلك يؤكد على ان المرأة غير قادرة على الاهتمام بالمشاركة في العملية السياسية.

لكن تشير الأرقام القليلة قليلاً نحو اهتمام المرأة و كثيراً إلى كم العقبات التي تواجه المرأة السعودية التي تأمل بالمشاركة في الحياة العامة. فعميلة التسجيل التي تهدف إلى تمكين المرأة بالأساس تحولت إلى تذكير للمرأة بأنها مازالت في المؤخرة.

أعلن الملك الراحل عبدالله أن المرأة يجب أن يسمح لها بالتصويت في المجالس المحلية التي تشكلت لأول مرة عام 2005، ووعدت السلطات بأنها ستكون جاهزة لتصويت المرأة في عام 2015.

البداية للنساء ترتبط بسلسلة من الإصلاحات في المجالس البلدية. في الانتخابات السابقة، اختار الناخبون نصف أعضاء المجالسن بينما عينت الحكومة النصف الآخر. سيزيد هذا الرقم المنتخب إلى الثلثين هذا العام. كما ستشارك المجالس الجديدة في مراجعة المشروعات المحلية والإنفاق. وكل مجلس سيكون له ميزانيته الخاصة، المستقلة عن مكتب المحافظ. كما أن الحد الأدنى لأعمار المصوتين قد هبط إلى 18 سنة بدلاً من 21.

لكن في العديد من اللقاءات أظهرت المرأة سلسلة من العقبات التي تقف في طريقها أثناء التسجيل. كانت الشكوى الأكثر شيوعاً تتعلق بالتوقيت: افتتحت مراكز التسجيل في 22 أغسطس وأغلقت في 14 سبتمبر، وهي الفترة التي يفضلها الكثيرون للسفر، مثل واشنطن تغلق الكثير من محلات المملكة أبوابها.  هذه الفترة هي الأكثر حرارة في الصيف، وجاءت قبل فترة الحج السنوية. على سبيل المثال، كانت رنا في تلك الفترة بالرياض لزيارة عائلاتها، وهو الالتزام الذي منعها من التسجيل في جدة.

وقال خالد المعين، رئيس تحرير سابق لجريدة العرب اليومية: ”كان يجب أن يتركوا باب التسجيل إلى ما بعد الحج. هذا التوقيت هو وقت سفرنا في إجازات. لو لم تسجل النساء، فهذا لأسباب لوجيستية.“

عملية التوثيق صعبة بشكل متساو. فالناخبين يجب أن يأتوا ببطاقة الرقم القوي وإثبات للإقامة، وهو طلب معقد في دولة المرأة فيها تعتمد على وصي في ممتلكاتها الشخصية، ةدفع فواتير الخدمات العامة، وتوقيع عقود الإيجار. لو لم تستطع المرأة الراغبة التسجيل توفير إثبات رسمي بأنها مقيمة ويكون باسمها، فتقوم البلديات بطلب شهادة مختومة من الحكومة المحلية. لكن بعض النساء قلن أنهن قد أخبرن في مكتب وآخر أن تلك الخدمة لا يمكن تقديمها إليهن.

تقول الناشطة النسوية في جدة، واصفة ما حدث معها ”كانت فوضى كبيرة، أمر شاق حقاً“. في البداية رفضت شركة الهواتف وضع عنوان على الفاتورة باسمها. لذلك وجهها مركز التوثيق إلى مكتب المحافظ من أجل التصديق على شهادة استئجار منزل. وهنا تم إخبارها أن الغرفة التجارية بجدة هي من تقدم تلك الوثائق- لكنهم رفضوا أيضاً. وفي النهاية، تطلب الأمر معرفة صديق للحصول على ورقة مختومة.

والضغوطات الإجتماعية تتواجد أيضاً. فعائلة رنا لم تشجعها على التصويت، وبعض العائلات منعت الزوجات والبنات من التسجيل. وتقول رنا ”بعضهم يفكر بعقلية أن المرأة ليست قادرة على القياك بأي شئ.“

فيما بدأ المحافظون السعوديون على وسائل التواصل الاجتماعي حملة شرسة محذرين من انهيار أخلاقي لو تم انتخاب المرأة. وكتب الداعية عبدالرحمن بن ناصر البراك ،الذي يتابع تدويناته 161 ألف معجب، ”أقول: مشاركة المرأة المسلمة حرام“ وذلك في أحد الفتاوى محذراً من ”تبعات ذلك في الآخرة“ لو قررن المشاركة.

كما منعت العراقيل الاجتماعية واللوجيستية حتى بعض  المناصرات لحقوق المرأة من الوصول إلى كشوف الناخبين. كانت من بينهن منى أو سليمان، الامين العام السابقة لمؤسسة الوليد بن طلال وإحدى الشخصيات التلفزيونية الرائدة في المملكة. وبسبب سفرها الخاص وظروف وصيها الشرعي ،والدها، لم تستطع جمع الأوراق اللازمة من أجل إثبات الإقامة.

بينما النساء المناضلات من أجل حقوق مدنية لم يستطعن إنهاء الأوراق، فالنساء من الخلفيات المحافظة أكثر لم يصلوا إلى هذا الحد. شرعياً، يمكن للمرأة أن تقوم بالتسجيل دون الحاجة إلى وصي شرعي، لكن عملياً، كان ذلك حالة نادرة. فهنا لا تستطيع المرأة القيادة، والكثير من العائلات تصر على ألا تترك الفتاة المنزل إلا مع أحد أفراد العائلة الذكور. ويقول المعين ”العئق الاول سيكون التنقل، فالأزواج لا يسمحوا لهن بالتسجيل.“

وحتى لو تغلبن على تلك العراقيل فهناك شعور بأن تلك الانتخابات البلدية لن تحقق الكثير. وهذا شعور مفهوم، بعد سنوات من الوعود بالإصلاح والتي تركزت فقط على اهتماماتهن اليومية.

تقول الناشطة من جدة والمدرسة الجامعية السابقة  ”يقول الكثير من الناس، لماذا علي أن أسجل؟ وهذا هو الأمر السيئ.“ ويضيف ”الكثير من صديقاتي، متعلمات جميعهن، لكن يتسائلن ما الفائدة؟ لماذا أمر بكل ذلك؟“

ويتفق المرشحين المحتملين على أن تحريك الناخبين هو التحدي الأصعب. فتقول رندا براجه، مديرة بشركة صحية، وتقدمت لتكون مرشحة بانتخابات ديسمبر ”ليس من الواضح كم عدد الأشخاص الذين يدركون أهمية مشاركتهم.“

ركزت العديد من إعلانات وملصقات الدعايا الحكومية على كيفية وموعد الانتخابات: أين يتم التسجيل، والساعات التي تكون المراكز مفتوحة بها. وأضافت رندا أن ما افتقدوه هو رسالة توضيح لماذا يجب على الناخبين التسجيل.

ويقول مؤيدون لفكرة المشاركة إن الفرصة للتصويت ربما قد تقدم للمرأة أكثر مما هو واضح. المجالس البلدية ليست مغرية، لكنها تعمل على قضايا يومية- بداية من إصلاح الطرق إلى أعمال النظافة- والتي تؤثر بشكل كبير في حياة السعوديين. فلو افترضنا نجاح بعض النساء، سيكون لهن الفرصة في الإظهار للعامة أنهن قادرات على إنجاز العديد من الأشياء الهامة.

البروز في حد ذاته قد يكون له تأثير كبير، مثلما حدث مع مجلس الشورى. تم تعيين النساء في المجلس الذي يضم 150 عضواً لأول مرة في عام 2013، وشهد الأمر حينذاك مزيجاً كالذي يحدث الآن بين الشك والقلق.

للكثيرين تستحق تلك الفرصة العناء. تطلب الأمر أسبوعين من أجل أن تستطيع ناشطة جدة التسجيل. وقالت لهم ”لن تستفيدوا أي شئ من ذلك، أطفالكم سيفعلون.“

”هذه هي الخطوة الأولى، مواربة الباب. لماذا لا ندفعه حتى يفتح؟“

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى