ثقافة و فنمنوعات

الريفية التي رفضت وأد عاطفتها.. من هي جميلة العلايلي؟

كانت الشخصية النسائية الوحيدة في "أبوللو"

احتفل محرّك البحث العالمي “جوجل”، اليوم الأربعاء، بعيد ميلاد الشاعرة المصرية جميلة العلايلي وذلك في ذكرى مولدها الـ112، عن وضع صورتها بشكل كرتونيّ، على صدر صفحته الرئيسية.

من هي جميلة العلايلي؟

جميلة العلايلي، شاعرة مصرية ولدت 20 مارس 1907 في المنصورة، وانتقلت منها للقاهرة، بعدما استقبل عدد من الشعراء منهم الدكتور أحمد زكي أبوشادي رائد مدرسة “أبولو” الشعرية، والدكتور إبراهيم ناجي، شعرها بطريقة طيبة وأثنوا عليها كشاعرة، فشجعها ذلك على الانتقال من المنصورة إلى القاهرة للإقامة الدائمة فيها بعد أن حاز ديوانها الأول الذي صدر عام 1936 تحت عنوان “صدى أحلامي” على أعجاب وثناء رواد ومؤسسو جماعة أبوللو.

قيل عن جميلة..

وصفها الناقد الكبير الراحل الدكتور محمد مندور، في كتابه “الشعر المصري بعد شوقي” بأنها “شاعرة الوجدان النسائي”، بينما قارن الشاعر أحمد زكي أبوشادي رائد مدرسة أبوللو الشعرية، بينها وبين الشاعرتين الفلسطينية فدوى طوقان والعراقية نازك الملائكة، في درجة التحرر من التقاليد في أشعارهن.

فقد أشاد أبوشادي بجرأتها على التعبير عن مشاعرها وعواطفها بصدق وشجاعة قائلا: “لكي نقدر جميلة العلايلي التقدير الذي تستحقه مواهبها، لا يجوز أن نغفل مقارنة أدبها بأدب الجيل السابق، لقد كانت شاعرات ذلك الجيل حريصات على وأد عواطفهن، فكان محرما عليهن شعر الوجدان الفطري، وكانت العاطفة عندهن محصورة في الرثاء وتحية الأهل وتوديعهم، ولكننا في هذا الشعر الجديد نلمح ثورة جديدة على تلك التقاليد البالية، فنجد صاحبته كاشفة في اطمئنان وفي دقة وشجاعة عن دخيلة نفسها في صدى أحلامها المنغومة”.

أما الروائي الكبير محمود البدوي فكتب معلقا على هذا الديوان قائلا: “ديوان صغير الحجم أنيق الشكل جيد الشعر عذبه، فيه روح الفنانة الملهمة والشاعرة المطبوعة على قول الشعر دون تكلف ولا صنعة ولا محاكاة، ولا يعيبه كثرة ما فيه من نواح وشكوى وأنين ،فهذا كله لا بأس به إذا جاء من المرأة، ومن فتاة كجميلة العلايلي ،فنانة بطبعها تعشق الحرية وتتعلق بالمثل العليا، وتحس بثقل البيئة الخانقة التي تكتم أنفاسها وتهيض جناحيها وتبدد أحلامها الذهبية وتذيب في صدرها أمانيها العذاب، وفي الديوان قطع شعرية جزلة تحسد عليها، وقصيدة تديرها الشاعرة دوران القصة القصيرة، وهذا توجيه منها حسن ومقبول يحبب الشعر إلى نفوس القراء الذين انصرفوا عنه مع الأسف إلى القصة”.

جميلة

دواوين العلايلي

كان ثناء هذه الكوكبة من الشعراء والأدباء الكبار وغيرهم على موهبتها الشعرية مشجعا لجميلة العلايلي للانتقال إلى القاهرة للإقامة فيها بشكل دائم، بعد أن كانت تتردد عليها فقط في زيارات خاطفة، كانت تحرص خلالها على حضور عروض وحفلات دار الأوبرا الملكية، حيث انضمت لجماعة أبوللو ،لتكون الشخصية النسائية الوحيدة فيها، ولتصبح واحدة من الأصوات الشعرية الأصيلة في الجماعة.

وعبر هذه المسيرة تميزت جميلة بانتاجها الأدبي الغزير الذي تنوع ما بين بين الشعر والرواية والمقالات، حيث توالت أعمالها بعد أن استقرت في القاهرة، فأصدرت ديوانها الثاني “صدي إيماني” عام 1976، أي بعد أربعين عاما من الديوان الأول، وفيه جمعت شعرها الصوفي والإيماني.

أما ديوانها الثالث “نبضات شاعرة” فكان مقررا له أن يصدر في عام 1951 وكتب مقدمته زكي أبوشادي، لكنه تأخر ثلاثين عاما فلم يصدر إلا في عام 1981.

ويبدو أن رحيل والدة الشاعرة ثم رحيل زوجها وبعض إخوتها وأصفيائها حال بينها وبين إصدار هذا الديوان، لانغماسها في حال من الأسي والانطواء والعزلة. وإلى جانب هذه الدواوين الثلاثة هناك ديوانان مخطوطان، هما “همسات عابدة” و”آخر المطاف”.

وقد نشرت أشعار جميلة العلايلي في مجلات “الرسالة” و”الأديب” اللبنانية و”الثقافة” ومجلتها التي كانت تصدرها شهريا.

رواياتها ومجلتها

وإلى جانب أعمالها الشعرية، أصدرت جميلة العلايلي عددا من الروايات، مزجت فيها بين الأسلوبين السردي القصصي والشعري، من بينها روايات “هندية”، “الراهبة”، “إحسان”، “تآلف الأرواح”، “الراعية”، “الناسك”، “جاسوسة صهيون”، “من أجل الله”.

كما أصدرت مع زوجها مجلة أدبية بعنوان “الأهداف” عام1949، استمر صدورها شهريا نحو عشرين عاما، وكانت تكتب فيها سلسلة من المقالات التي تتناول قضايا الإصلاح والأخلاق والآداب والأمومة وغيرها من القضايا.

العلايلى

كانت صاحبة صالون أدبي

وكانت جميلة العلايلي صاحبة صالون أدبي يؤمه عدد كبير من الأدباء وشعراء زمانها ومفكريه.

فقد كانت خلال زياراتها للقاهرة قبل أن تنتقل اليها، تتردد على صالون مي زيادة، وصالون هدى شعراوي،حيث تعرفت فيهما على الكثير من الشخصيات الأدبية والفكرية، وقررت بعدها أن تؤسس صالونها الأدبي بها في المنصورة تحت اسم “المجمع الأدبي” ثم انتقلت به إلى القاهرة بعد ذلك- بمساعدة زوجها الصحفي سيد ندا ـ وقد ساهم هذا الصالون بدور مهم في إخراج جيل جديد من الشعراء من خلال اكتشاف العديد من المواهب.

حياتها كانت درجة ماجيستير أحدهم

وفي دراسته لنيل درجة الماجستير في كلية دار العلوم جامعة القاهرة عام 2008 بعنوان: “جميلة العلايلي، حياتها وشعرها: دراسة فنيّة”، يكشف الباحث أحمد محمد الدماطي عن كثير من الجوانب التي كانت مجهولة في التاريخ الأدبي لحياة شاعرتنا الراحلة.

وتعد هذه الدراسة أول دراسة كاملة ومستقلة عن حياة جميلة العلايلي وشعرها، بعد أن ظلت بعيدة عن متناول النقاد والدارسين باستثناء المقالات القليلة المتأملة في شعرها للدكتور محمد عبدالمنعم خفاجي والأستاذين أنور الجندي ووديع فلسطين.

وتتعرض هذه الدراسة لحياة وشعر جميلة العلايلي وما تمتعت به من جرأة أدبية في التعبير من مكنونات المرأة الشاعرة في أشعارها الوجدانية بصورة لا تتنافى مع العفاف الذي ينبغي للمرأة التحلي به.

وتصف الدراسة العالم الشعري لجميلة العلايلي بأنه يتضمن دوائر عديدة متداخلة، تجمع بين شعر الحب والطبيعة والشكوي والتأمل والشعر الصوفي الإيماني والوطني والاجتماعي، على غرار ما تميز به شعراء جماعة أبولو، لكن يظل طابع التأمل في الكون وأسراره  طابعاً عاماً لشعره يكسوه مشاعر من الحيرة والشجن والإحساس العميق بالأسر، والرغبة في الانطلاق وتحطيم القيود، كما تظل الصياغة القريبة من لغة الكلاسيكية الجديدة في كثير من قصائدها، لتصبح جامعة ومازجة بين فضاءين شعريين: كلاسيكي ورومانسي.

ومن مقتطفاتها الشعرية:

رحماك نفسي أجيبي ليوم تآلـي … قد ضقت ذرعا بأعبائي وأثقالي

قد ضقت ذرعا بما ألقاه فانطفأت … مشكاة خير هدت روحي لأفعالي

فمن أكون؟ وماشأني؟ ما أملي … ولم قدمت لهذا العالم البــالي؟

ولم خلقت لهذا الكون وا أسفــي؟ … ولم ولدت؟ لماذا جاء بي آلــي

لكن ثني الدهر من سهمي وحاربـني … فما أبالي وحسب القلب آمالـي.

ثم تقول في وضوح:

أنا الأبية لا أبغي مهادنة … إن الصراحة أقوالي وأفعالي

القول أجمله ما كان أصدقـه … وما أردت به تبديل أعمـالي.

أيامها الأخيرة

عانت جميلة العلايلي في أيامها الأخيرة من أمراض الشيخوخة ولزمت بيتها بسبب كسور تعرضت لها أثناء سقوطها بمنزلها، لكنها ظلت محافظة على عادة الكتابة والشعر حتى رحلت عن عالمنا في 11 أبريل 1991، عن عمر ناهز 84 عاما، تاركة إرثا ابداعيا يضعها في مكانة مهمة في تاريخ الابداع الأدبي والثقافي في مصر.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى