ثقافة و فن

الجارديان: صباح .. الجانب الأخف من الحياة

تستعرض الجارديان ذكرى ومسيرة صباح كفنانة عبّرت عن البهجة وإنسانة كسرت التابوهات

 Lebanese singer/actress Sabah posing on a filmset in Alexandria in Egypt in the 60s.

باتريك كينجسلي – الجارديان

ترجمة – محمود مصطفى

كطفل في أواخر خمسينيات  القرن الماضي، يتذكر المخرج المسرحي المصري الرائد حسن الجريتلي مصاحبة والدته إلى ورشة عمل مصمم الازياء بيير كلوفاس الذي كانت تشتري منه ملكات جمال مصر فساتينهن وكذلك كانت كانت تفعل صباح المطربة والممثلة اللبنانية.

بالنسبة للصغير حسن أعطته تلك الزيارة رعشة إثارة نادرة برؤية أزياء النجمة عن قرب، “أتذكر المشي حول الأتيليه ورؤية أرواب صباح معلقة على المانيكانات في الغرفة المجاورة لأمي” يسترجع الجريتلي الذكريات “كمحب للاستعراض وللأفلام كنت متحمساً للتواجد باقرب من ملابسها.”

توفيت صباح الأسبوع الماضي بعمر سبع وثمانين عاماً وجعل موتها الذكريات الدافئة تتدفق في مصر كما في لبنان. في لحظة كئيبة على المنطقة كانت مسيرة صباح الفنية وشخصيتها المبتهجة تذكر بجانب أخف من الحياة.

“عندما تفكر في الهمّ الذي نحياه العالم العربي، فسماع صوتها يجعل الحياة تعاش” يقول الجريتلي “لا يجعلني صوتها أشعر بالحنين، لا أفكر بمصطلحات الماضي والحاضر فأنا أفكر في المستقبل، لكن سماع صوت هذه المرأة الراحلة يجعلني أفكر في أن لديها من الحياة أكثر مما لدى الكثير من الأحياء.”

ولدت جانيت فغالي في قرية جبلية بلبنان واسم صباح المستعار هو اسم ملائم لامرأة أحبت حيويتها المشرقة. انتقلت صباح إلى مصر في الأربعينات وأصبحت نجمة للسينما الموسيقية وظهرت في أكثر من 80 فيلم وغنت حوالي 3 آلاف أغنية واكتسبت شهرة باختياراتها الجريئة في الموضة.

القليلون يتذكرون كلوفاس الآن، وبينما لا يزال قلب القاهرة يحتفظ بسحره إلا أنه لم يعد فخماً والمحال لم تعد فخمة. صباح هي عودة لعصر كان، بحسب الرواية النوستالجية، أكثر ظفراً، ليس عصر أصولية ولكن عصر عروبة، عصر القاهرة التي قضت فيها صباح ذروتها السينمائية في الأربعينات والخمسينات، القاهرة التي كانت مقراً لصناعة سينما مزدهرة، هوليوود على ضفاف النيل، أو كما يمزح الجريتلي “نيليوود”، وعصر كان فيه لبنان قبل الحرب الأهلية والآن يأخذ الموت مشاهيره واحداً تلو الآخر.

السياسي اللبناني وليد جنبلاط كتب الأسبوع الماضي “مع رحيل الشحرورة يرحل ماضي جميل للبنان، لن يعود. صباح كانت فنانة قديرة من الزمن الذي عاصرته وهي أسطورة لن تتكرر.”

بالمقاييس الفنية كانت صباح من زمن آخر وبالمقاييس الإجتماعية كانت بشكل ما سابقة لعصرها. المطربات الأخريات من عصرها تزوجن وتطلقن مرات عديدة لكن زيجات صباح العشرة أو التسعة، لا أحد متأكد من الرقم، تفوقت على الكل. كسرت صباح التابوهات بصراحتها وبتصريحاتها المتكررة عن الرجال والرغبة، كما أنها مع تقدمها في العمر تجاهلت الضغوط عليها من أجل أن تتوارى عن الأنظار واستمرت في ارتداء أزياء غير معتادة ومواعدة رجال أصغر سناً.

صباح مع مطربات جيلها فيروز وأم كلثوم أصبحت واحدة من عمالقة العصر بمسيرة ناجحة على المسرح في بيروت بعد مغادرة القاهرة في الستينات.

وعلى العكس من فيروز، أعمال صباح لم تكن سياسية عدا بضعة أغاني عن العروبة، وعلى العكس من فيروز لم تكن أغنياتها ذات ثقل أو جادة كما أنها لم تكن ممثلة قوية.

بدلاً من المهارات الصوتية، كان دفؤها وإخلاصها كمغنية والطبيعة الخفيفة لأغانيها (يانا يانا كمثال) هو ما جعلها محبوبة.

يقول الكاتب والمفكر المصري مؤمن المحمدي “لم يكن لها علاقة بالقضايا السياسية ولهذا احتاجها الناس.”

تتذكر سلوى ، محامية بحرينية، صباح وهي تغني في حفل زفاف في الثمانينات، في ذروة الحرب الأهلية اللبنانية، وكان لدفئها ذكرى باقية. تقول سلوى “عادة ما يغادر المطربون المشهورون حفلات الزفاف مبكراً لكن صباح بدت حقاً سعيدة بوجودها هناك. كانت تذهب إلى الناس وتتواصل معهم وغنت أغاني قديمة وجديدة وكل ما طلبه أي أحد أن تغنيه. كانت مبتسمة طيلة الوقت.”

في لبنان نفسها، بعد ثلاثين عاماً من الحرب، تمثل وفاة صباح ما هو أكثر من رحيل أحد العاملين بالترفيه. بالنسبة لفادي العبد الله، شاعر وناقد لبناني، أثار رحيل صباح أسئلة مزعجة حول الهوية اللبنانية.

ويقول العبد الله “هناك شعور عام بأن رموز العصر يرحلون وفي الوقت نفسه لم يستبدلهم جيل جديد. هناك شعور بأن الأزمان القديمة كانت أفضل وأيضاً، وبشكل موضوعي، بأن العصر الجديد للفن أقل إثارة للإهتمام وأقل قدر على ترك علامة في عقولنا وقلوبنا وبأننا نفقد مكونات هويتنا أكثر وأكثر.”

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى