ثقافة و فنسياسةمجتمع

الجارديان تحاور نوال السعداوي

ليلة سجد الماركسيون ورقص الإسلاميون

نوال السعدواي:الزوج الأمريكي أشد عنفا من المصري

الجارديان – راتشيل كوك – ترجمة: محمد الصباغ

 

تعيش الكاتبة والناشطة النسوية نوال السعداوي في الطابق 26 من  برج سكني بالقاهرة على مسافة  نصف ساعة  بالسيارة من ميدان التحرير. بني المبنى في التسعينيات لكنه يبدو أقدم من ذلك، وتنتشر أطباق الدش وأجهزة التكييف على حوائطه الخارجية. ويهدد مصعد المبنى الخانق في كل دور بالتعطل مع اهتزازه بشكل دائم.

تقول السعداوي ”لا، لست غنية“، وهي تلوح بذراعها في غرفة جلوسها المليئة بالكتب، والتي أغلقتها في وجه حرارة الظهيرة. لكن منذ متى يعمل الكاتب المعارض من أجل المال، وخصوصاً في مصر، حيث قوانين حقوق النشر من الصعب تنفيذها؟ ثم ارتفع صوتها بشكل واضح وقالت ”يتم إبعاد الناشرين عني بشكل دائم“. وتضيف ”مع ذلك، أنا محظوظة حتى مع فقري. أنا من ال5% الذين يملكون شقة وتكييف. بعض الناس في مصر يعيشون في المقابر، وهؤلاء حتى محظوظون  فالبعض لا يمتلك قبرا.“

ومع ذلك أصبحت نوال تحب المكان. أبناؤها يعيشون بالجوار، وهنا في شبرا، أغلب جيرانها من الأقباط، وتعشقهم كمجتمع. تشعر بالأمان لأول مرة منذ سنين. تعتقد أن الثورة حمت الكتاب من أمثالها ، والذين وجدوا أنفسهم في عام 2011 مركزاً للمعارضة. ”أنا محاطة بالشباب ليلاً ونهاراً. الآلاف منهم. تخاف الحكومة من الشباب، ولم يمسوني لأنهم يعرفون أنني أمتلك القوة بوجود الشباب  خلفي.“ ومثل الكثير من المثقفين اليساريين المتقدمين في العمر الذين انضموا إلى الحشود في ميدان التحرير عام 2011، بكل بساطة لا تتفق على أن حكم الجنرال السيسي يمثل الثورة المضادة، الذي وصل إلى السلطة بانقلاب عسكري عام 2013، كما فعل محمد مرسي من قبله (هناك حقيقة واضحة بأن القتلى على يد الدولة والقابعين في السجون من المعارضين أعدادهم في ازدياد). تقول السعداوي بعناد ”لا، إطلاقاً. هناك فارق كبير بين مبارك والسيسي. لقد تخلص من الإخوان المسلمين، وهذا لم يحدث مطلقاً أثناء حكم مبارك أو السادات من قبل.“

نعم، لقد أرادت التخلص من مبارك. لكنها لا تعتبر الانتخابات التي حدثت بعد سقوطه الكبير نزيهة وحرة: من وجهة نظرها، استخدم مرسي والإخوان المسلمون الرشوة والتضليل من أجل الوصول إلى السلطة، وتصّر، أنه تم تشجيعهم من لندن وواشنطن (وكمتمسكة لا تحيد عن مبادئ الماركسية، تنظر السعداوي إلى كل شئ بمنظور الإمبريالية). ثم تقول ”لا، أنا لست سعيدة بسجن مرسي. أنا ضد السجن. لكنني سعيدة بأن الشعب المصري بمساعدة الجيش، قام بإبعاده. وجدناه وأتباعه وأصبحوا مجانين. وبالنسبة للسيسي، ما يفعله الآن يعتمد على الشعب. لا أؤمن بحكم الفرد . إنه مؤقت. ثم يقرر الشعب إذا ما سيستمر في العمل معه أم لا، ولو تصرف كمبارك، فسيرحل.“

مع الثورة المضادة أم لا،  شخصيتها لم تكن أسمى مما هي عليه الآن. في مصر، قام محبوها بعمل منتدى نوال السعداوي، حيث تقام اجتماعات منتظمة في القاهرة وأماكن أخرى ويتم مناقشة أعمالها –نشرت أكثر من 50 عملا بالعربية. وتستمر الجوائز العالمية في الانهمار –حتى الآن هم أكثر على أن نحصيهم- وأيضاً الدعوات التي تصلها من أجل إلقاء خطابات. وعلى سبيل المثال، فمع نهاية الشهر ستكون في المملكة المتحدة للترويج لإصداراتها العديدة بالإنجليزية ومن بينهم رواية (إمرأة عند نقطة الصفر – Woman at Point Zero). وفي الرواية تحكي عن فردوس ضحية التحرش الجنسي والتي تنتظر الآن تنفيذ الإعدام في أحد زنزانات سجون القاهرة. بجانب (الوجه الخفي لحواء – The Hidden Face of Eve) وهو تحليل كلاسيكي عن اضطهاد المرأة في العالم العربي (من بين صفحاته وصف  لختان السعداوي وهي في سن السادسة، العملية التي تمت على أرض حمام العائلة بينما تنظر أمها وتبتسم وتضحك). رأيها مطلوب كثيراً. كل شخص يريد أن يعرف ماذا فعلت حيال الفتيات المتشددات المنضمات لداعش، وعن الحجاب الذي وقفت ضده طوال حياتها، حول هجوم تشارلي إيبدو. ولو كانت تبدو بعيدة عن الطراز القديم والاستبدادي – استعلم منها عن هاجسها مع الاستعمار وتحمل النتائج- وهي أيضاً لا تعرف الخوف تقريباً وتخطو في مناطق يخشاها غيرها.

تقول ”ذلك التدافع في مكة“، تقصد الذين قتلوا في مكة مؤخراً، ”تحدثوا عن طريقة تنظيم الحج، حول جعل الناس يسافرون في مجموعات أقل. ما لا يقولونه هو أن التدافع حدث لأن الناس تقاتلوا على رجم الشيطان.“ كان صوتها ملئ بالاستخفاف. و تضيف ”لماذا يحتاجون إلى رجم الشيطان؟ لماذا يحتاجون إلى تقبيل الحجر الأسود؟ لكن لا يقول أحد ذلك. لن تنشر وسائل الإعلام ذلك. لم كل هذا التردد في انتقاد الدين؟“ ربما، أقول، يقلق الناس من أن يكونوا عنصريين. ”الدين هو تجسيد للعنصرية. كل الآلهة غيورين. يقتل الناس لأنهم لا يصلّون إلى الاله الصحيح.“ لقد تركت الرب منذ فترة طويلة ولن تنظر ورائها أبداً. “ بالنسبة  للفتيات المنضمات لداعش. ..  إن هناك الكثير من التعاسة بين الشباب. لا يستطيعون الحصول على وظيفة، هم فقراء وبلا وظائف. لكن من الهراء القول بأنهم   قرأوا عن الإسلام وكل ذلك… أنا اضطررت إلى أن أتعلم، اضطررت إلى تطليق ثلاثة أزواج، وها هن -تلك الفتيات –  الآن: جاهلات تم غسيل عقولهن، قبعد أن جعلوهن يقرأن  عما يسمى بالمساواة بين الرجل والمرأة في الإسلام.“ ثم قالت وهي متجهمة ”إن رفض انتقاد الدين، ليس بليبرالية. بل رقابة.“

نوال السعداوي -يمين الصورة- مع أشقائها وشقيقتها عام 1934

من هي نوال السعداوي؟ قصتها كالملحمة، كما لو كانت واحدة من رواياتها أو أحد الأفلام المصرية القديمة. ولدت عام 1931 بكفر طحلة، شمال القاهرة، الثانية من بين تسعة أطفال، وتصف عائلتها بأنها ”معقدة“ أكثر من اللازم. نعم، لقد تعرضت لعملية ختان وهي طفلة. لكن أيضاً تم تشجيعها على التعليم. ”لقد ترعرعت في طبقات مختلفة: طبقة الفلاح الفقير التي ينتمي إليها والدي (موظف حكومي) والطبقة البرجوازية العليا حيث والدتي، التي درست في مدارس فرنسية وأرادت ركوب الخيل وتعلم العزف على البيانو. كان أبي من قرية، ووالدته جوّعت نفسها من أجل تعليمه، وكان تعليمه وطموحه ما ساعده في الزواج بوالدتي. كان في الثلاثين من عمره، كان عمرها 15 عاماً. بالطبع فضّل والدي شقيقي الأكبر. لكنه كان مدللاً، لم يذاكر، وكان يفشل دائماً، بينما كنت أنا جيدة في المدرسة. لذا بدأوا بدعمي، ذاكرت أمي معي.“ كانت ،تعتقد الآن، أنها محظوظة لأنها فتاة: ”كان عائقاً دفعني إلى الأمام.“

حلمها الأول كان أن تكون راقصة، أحبت الموسيقى، وكانت جميلة. لكن والدها لم يستطع شراء بيانو، لذا تحول اهتمامها إلى القراءة والكتابة. تقول السعداوي ”كرهت الأطباء، ولم أرد أن أكن منهم. لكنني كنت صاحبة أفضل نتيجة في مدرستي الثانوية، وكان ذلك يعني أنني –بطريقة أوتوماتيكية- سأدرس الطب. حصلت على منحة دراسية.“ تخرجت من جامعة القاهرة عام 1955ن وتخصصت في الطب النفسي، ثم عادت إلى كفر  طحلة للعمل كطبيبة، وعبر السنين برز اسمها كثيراً. في عام 1963، عينت كمدير عام للتعليم الصحي العام. لكن عند هذه المرحلة بدأت أنشطتها السياسية في العمل ضدها. ففي عام 1972، نشرت كتاب (المرأة والجنس)، أول كتاب من سلسلة هاجمت فيها الاعتداءات على أجساد النساء: ليس فقط ختان الإناث، لكن أيضاً الطقوس الوحشية لترسيخ المجتمع لفكرة العذرية (نفس ”الداية“ التي تقوم بختان الأطفال كانت تأتي عادة للتأكد من أن غشاء البكارة عند الفتاة سليم قبل ليلة زفافها). ثم بعد ذلك فقدت وظيفتها، وأغلقت مجلة الصحة التي أسستها.

نوال السعداوي وزوجها  السابق شريف حتاته عام 2001

”لا، هذه هي المشكلة. زوجي الأول كان عظيماً، زميلي في كلية الطب. كان رائعاً، والد ابنتي. لم يرد والدي مني أن أتزوجه لأنه غادر إلى السويس لمحاربة البريطانيين. لكن بعد ذلك تم خيانة المقاتلين، والكثير منهم تم حبسه. هذه الأزمة كسرته وأصبح مدمناً. وأخبرت أنني لو تزوجته، قد يوقف إدمانه، لكنه لم يفعل. حاول قتلي، لذا تركته.“

والزوج الثاني؟ ”كان رجل قانون، أقول لك بصراحة: أنا لست ملائمة لدور الزوجة، يجب أن تكوني واثقة من ذلك.“

تطلقت للمرة الثانية. ”الزوج الثالث هو شريف حتاته، والد ابني، كان رجلا حراً جداً، ماركسي تم سجنه. عشت معه 43 عاماً، وأخبرت الجميع: هذا هو الرجل “النسوي” الوحيد على وجه الأرض. ثم بعد ذلك اضطررت للطلاق أيضاً. كان كاذباً. كان على علاقة بامرأة أخرى. تعقيد الشخصية ذات الطابع الأبوي. ألف كتباً عن المساواة بين الجنسين ثم خان زوجته. أنا متأكدة أن 95% من الرجال هكذا.“

هل من الصعب أن تكوني مطلقة في مصر؟ ”لو كنت امرأة عادية، سيكون الطلاق صعبا. لكنني غير عادية. يتوقع الناس كل شئ مني.“ تضحك بحرارة، وهالة حول شعرها الأبيض تتحرك صعوداً وهبوطاً مع كل نفس لها.

طوال الوقت، استمرت في الكتابة –نشر إمرأة عند نقطة الصفر عام 1973، والوجه الخفي لحواء عام 1977- واستمرت الدولة في جعل حياتها أصعب. كان لا مفر من أن يصلوا إليها، وفعلوا.

”كان ذلك في 6 سبتمبر 1981. كنت بشقتي القديمة بالجيزة، وحدي. كان الأطفال مع والدهم في القرية. كنت أكتب في رواية عندما سمعت طرقات على الباب، ثم كلمات: افتحي الباب، ألم تستمعي إلى خطاب الرئيس الليلة الماضية؟ نحن الشرطة.“ يبدو أن السادات قد أعلن أنه يجب القبض على 100 من المعارضين، يجب أن ”يحطموا“. حاولت السعداوي البقاء هادئة.  ”كنت مرعوبة، قلبي كان يدق بعنف، لكنني عنيدة جداً. سألت إن كان معهم تصريحاً، وأخبروني أنهم لا يمتلكون، فأجبت بأنني لا أستطيع فتح الباب. اختفوا لمدة ساعة. ارتديت حذائي، وجلبت مفاتيحي وحقيبتي، وكنت مستعدة. عندما عادوا مرة أخرى، كسروا الباب، 30 شخصاً، شديدو الهمجية. دفعوني أمامهم إلى الشارع، وتواجدت 10 سيارات شرطة. كنت قادرة على رؤية الجيران يطلون من نوافذهم، جميعهم خائفون.“

وفي السجن، تشاركت الزنزانة مع 12 سيدة: منهن ماركسيات، وإسلاميات. ”كنّ يبكين ليلاً ونهاراً ظناً أن السادات سيقتلهن. لكنني كنت واثقة من نفسي. كل صباح، أقوم بتماريني الرياضية. رقصت وغنيت. وحصلت على قلم عيون من إحدى العاهرات التي جاءت بصحبة السجان لإحضار الإفطار، وكتبت به مذكراتي على ورق تواليت.“

امتلكت شعوراً بأن كل شئ سيكون على ما يرام – وثبت ذلك. في السادس من أكتوبر، أغتيل السادات. ”علمنا بحدوث ذلك، لأننا هربنا إلى داخل الزنزانة راديو صغير. عند سماعنا للخبر، ركعت الماركسيات وصلّين، والمرأة الإسلامية المتعصبة التي تعتبر الرقص من المحظورات خلعت حجابها ورقصت. لكن كان يجب علينا التظاهر بعدم معرفتنا لشئ أمام الحراس. كان علينا التصرف على طبيعتنا وإخفاء الفرحة.“

وبعد أربعة أسابيع، كانت أمام الرئيس الجديد. ”فجأة، كنت أمام مبارك. دعى بعض منا إلى قصره: اختار 20، من بينهم سيدتين. كنت إحداهن، والأخرى كانت متدينة. اعتقدت أنهم ينقلونني إلى سجن آخر. لم يخبروني بأنه سيتم إطلاق سراحي. جلس معنا لساعتين، ثم أخبرنا أننا يمكننا الذهاب إلى منازلنا. لكنني كنت غاضبة جداً. قلت إنني سأقاضي الحكومة. لا يمكنك احتجاز شخص لثلاثة أشهر دون ارتكاب جريمة، ولا تعرف ما حدث لزوجها أو أبنائها، وإبقائها في ظروف لا تستطيع الحيوانات حتى تحمّلها، ثم بعد ذلك تقول: إذهبوا إلى منازلكم. لا يجب أن تكون مسؤولاً. كنت المواطنة الوحيدة التي قاضت الحكومة، وربحت القضية وملايين الدولارات، بالرغم من أنني لم أر هذه النقود  أبداً.“

ماذا حدث بعد ذلك؟ تحرك كتفيها بلا مبالاة وتتحدث ”استمريت كما كنت. كتبت بالتحديد ما أردت.“

في هذه المرة اتخذت الحكومة نهجاً مختلفاً. تم السماح لها بالعيش في منزلها، لكنها كانت معزولة بشكل فعلي. تم مراقبة أعمالها، تم تهديد حياتها. وتم وضعها من ضمن ”قائمة قتل“ نشرت في جريدة سعودية. وفي إحدى الأمسيات، سمعت اسمها خلال آذانخطبة  أحد الصلوات، فقال اخطيب ”نوال السعداوي يجب أن تقتل.“ أرسل مبارك حراسا إلى منزلها، ظاهرياً من أجل حمايتها. لكنها تعرف أبعد مما هو ظاهرياً. فالأشخاص مثلها عادة يتم اغتيالهم بواسطة من يسموان حراسهم.  ”قال زوجي: يجب أن ترحلي، وأنا معك. لذا غادرت البلاد.“ وللسنوات القليلة التالية، درّست في جامعات بأوروبا والولايات المتحدة.

لكن لم تستطع البقاء في الخارج للأبد، وفي عام 1996، عادت. ”كان مبارك مصراً على أن مصر ديمقراطية. لكنني قادرة على رؤية الوضع. كان يدفع اموالاً للأشخاص من أجل معارضته. كان مجرد مظهر زائف. لذلك في عام 2004 قررت أن أقف ضده. كانت الحكومة مرعوبة لأنني كنت معروفة جداً، وأرسلوا الشرطة إلى قريتي، حيث كنت اعقد بعض الاجتماعات، وذهبوا إلى كل منزل وقاموا بتهديداتهم: لو كنت معلماً،قالوا ذلك، سوف يتم فصلك لمساعدتها، كما كانت هناك تهديدات بالسجن. ثم بعد ذلك أعلت مقاطعتي للانتخابات.“

انتقلت إلى شقتها الحالية عام 2009، ومنذ وصولها، شعرت بأن الأمور في طريقها للتغيير عاجلاً أم آجلاً. ”كانت مليئة بالشباب الذين يقرأون أعمالي. بدأت مظاهرات صغيرة، ضد نجل مبارك في البداية، ضد فكرة أن الرئاسة يمكن أن تورث. وببطئ، كان يتم الدعاية لفكرة الثورة حتى… ذهبنا إلى ميدان التحرير.“

تحدثنا بالفعل عن الثورة، الانقلاب الذي تبعها. لكن وفقاً لاعتقادها كيف أثرت –والأحداث المرتبطة بها في أماكن أخرى- في وضع امرأة في العالم العربي؟ نشر ”الوجه الخفي لحواء“ منذ 40 عاماً تقريباً، وكان به جزء من التفاؤل بالمستقبل الذي يبدو في غير محله الآن.

وكمعارضة للحجاب، يجب أن يثبط من عزيمتها أن عدد النساء المحجبات الآن أكبر من عددهم في منتصف القرن الماضي. تقول السعداوي ”حسناً، الحجاب هو رمز سياسي، وهو نوع من الأزياء أو الموضة. بعض النساء اللاتي ترتدينه، يرتدين جينز ضيق، يعرض الأفخاذ والأثداء والبطون.“ لكنها لا تستطيع احتواء نفسها أكثر من ذلك. ارتفعت الشكوى.

”حدث شيءخلال ال45 عاماً الماضية. تم إعادة تشكيل عقل المرأة والرجل. الطبيبات وحتى أساتذة الجامعات محجبات.“ ماذا عن ختان الإناث؟ عندما ألفت كتابها، 90% من الفتيات في مصر كنّ قد تعرضن للختان. لكن الدولة جرّمت الختان  بداية من 2008. هل بدأ هذا الرقم في التراجع؟

”لا مازال كما هو. لا يمكنك تغيير عادة متأصلة بشدة من خلال قانون. نحتاج إلى التعليم. تم تمرير القانون لإرضاء الغرب. أرادوا إخفاء هذا العار وليس القضاء عليه. يجب أن تتغير عقول الآباء والأمهات وحتى الفتيات أنفسهن، اللاتي تم غسل عقولهن من أجل تقبل الأمر.“ وما المدة التي يحتاجها هذا التغيير؟ ”تعتمد على شجاعة الكتّاب. لكنه سيأتي. منذ 50 عاماً، عندما تدثت عن الأمر لم يكن يستطيع أحد الحديث عن الأمر. والآن نستطيع. حتى بعض الشخصيات الدينية تتحدث بأن تلك الممارسة ضد الإسلام.“

لا يعني ذلك أنها لا تفكر في أن الغرب يمكن أن يهتم بتلك الأمور. لسبب واحد، تعتقد أن الأصولية الدينية  زداد بنفس الدرجة في  كل المعتقدات في كل مكان. ولسبب آخر، فهي تعتبر أن العريّ والحجاب هما وجهان لنفس العملة. ”لا ينتقد أحد امرأة نصف عارية. هذا ما يسمى بالحرية، أيضاً. المشكلة هي   في مفهومنا عن الحرية. يتم تشجيع الرجال على ألا يكونوا أنصاف عراة أو محجبين. لماذا؟ وجهت إلي نظرة شرسة. ”حرري نفسك قبل أن تحرريني! هذه هي المشكلة. اختلفت مع كثيرات من الناشطات النسويات في أمريكا –مثل جلوريا ستينم، وروبن مورجان- لأنني لاحظت أن الكثير منهن تم اضطهادهن من أزواجهن، ثم جئن هنا ليحرروني!“

تأملت في وقالت ”هل أنت حرة؟“ وبتردد هززت رأسي. ”حسناً، أنا أشعر أنني لست كذلك.“ نظرة أخرى. ”المشكلة ليست في الرجال المصريين. لدي صديقات مصريات متزوجات من رجال بريطانيين وأمريكيين، وحياتهن كالجحيم. ربما يكون زوجك جيداً، لكن أزواجهن لم يكونوا كذلك. الرجال المصريين ليسوا عنيفيين بالمقارنة بالرجال الأمريكيين. تم غزوهم من قبل الاستعمار، فليسوا مليئين بفكرة المغالاة بذكوريتهم.“ ثم تنهدت. ”حسناً… هي معركة، لكننا لا يجب أن نكون بائسين. والآن من فضلك تناولي بسكويت.“

بدأ صمت بيننا. بدأ جهاز التكييف في إصدار أصوات ثم توقف، تبع ذلك لحظات درامية من محاولتها جعله يعمل مرة أخرى. ثم ذهب تفكيرها إلى أن تقلني إلى الفندق الذي أعيش به. منذ وصولي قبل ساعتين، تعطل المصعد. الأمر معقد قليلاً. استدعت شاب عبر الهاتف، عهدت إليه برعايتي وقادني  ثم دخلنا إلى ممر مظلم ووصلنا إلى برج مجاور، حيث مصعد آخر. ثم خرجنا وأوصلني إلى الكورنيش وأوقف تاكسي، ثم مرر هاتفه إلى السائق الذي استمع بعناية إلى المتحدث، قبل أن يمرر الهاتف إلي. كانت على الهاتف نوال السعداوي، سمعت صوتها قبل أن أضع الهاتف على أذني. قالت ”لقد أخبرته بالمبلغ الذي سيحصل عليه منك وحصلت على رقم هاتفه، ولو حدثت أي مشكلة، سيكون في مأزق. اتصلي بي عندما تكونين في الفندق لأطمئن أنك وصلت.“ ثم أنهت المكالمة وتركتنا سوياً، السائق الذي تم تنبيهه قبل أن يبدأ طريقه، وأنا، شعرت كأنني طفل صغير، ومعنا الزحام الذي لا ينتهي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى