سياسةمجتمع

التليجراف: رحلة بريطاني لم يشعر بالخوف على ضفاف النيل

التليجراف: رحلة بريطاني لم يشعر بالخوف على ضفاف النيل

التيليجراف – أنطوني ساتن – ترجمة: محمد الصباغ

في البداية، لحظة الأمل. كان ميدان التحرير عام 2011 مكاناً للمشاكل عندما كان المكان الرئيسي للثوريين المصريين. لكنني أمتلك طابعاً بريدياً منذ الستينيات يظهر مشهداً ليس لحشود هاتفة وشرطة مشحونة، لكن لمنطقة خضراء ونخل ونافورة. كذلك في تلك الصورة النقية، المواجهة للنيل، يظهر فندق نايل هيلتون، الذي افتتح في فبراير 1959.

فندق كونراد

كان للفندق أهمية كبيرة ترتبط بالسياسة وأيضاً بالسياحة: فندق كونراد ”جوهرة النيل“ بني في موقع ثكنة بريطانية، وكان أول فندق دولي افتتح عقب الحرب في الشرق الأوسط. وعقب صدمات ثورة 1952 والإطاحة بالملك فاروق، عقب تأميم شرطة قناة السويس والغزو الثلاثي عام 1956 بواسطة بريطانيا وفرنسا وإسرائيل، كان هنا علامة على أن مصر منفتحة للأعمال. في الأسبوع الماضي عدت إلى ميدان التحرير للاحتفال بالافتتاح الجديد لفندق ريتز كارلتون..

فندق نايل ريتز كارلتون

أغلق فندق النيل (Nile Hotel) عام 2009، كما حدث مع أمور كثيرة في مصر، حدثت تغييرات كثيرة منذ ذلك التوقيت. بعد أعمال ترميم كاملة –وتحت إشراف الإدارات الأكثر اهتماماً في العالم، ريتز كارلتون- أصبح الفندق هو الأكثر أناقة وفخامة في المدينة التي تمتلك الكثير من الفنادق الفاخرة. وبوجود كنوز توت عنخ آمون والمتحف المصري بالجوار مباشرة، فيعتبر فندق (ريتز كارلتون) هو الأفضل من حيث الموقع بالنسبة للزوار الثقافيين.

مازال الفندق في فترة الافتتاح، لكن مستويات الخدمة الاهتمام بالتفاصيل بالفعل مذهلة. لدى فندق النيل موالين من القاهريين ومغتربون وأيضاً زوار من الأجانبن والكثير منهم سيندم لفقدان شرفات الغرف وبسبب زيادة أسعار الغرف. لكنهم سيبتهجون لأن بعض مميزات المبنى الأصلي تم الحفاظ عليها، مثل الفسيفساء الهيروغليفية في مقدمة الفندق وخلفيته، والسلم الرئيسي حيث قام حديثي الزواج بالتقاط صور لهم، وحمام السباحة الرائع -50 متر- المفتوح.  كما أن الكثير من طاقم العمل القديم متواجد أيضاً، ومحتفظين بقواعد ومستويات خدمة ريتز كارلتون الدقيقة، لكن بنفس الدفء المصري القديم في التحية والاستقبال: أخبرني احدهم عن مدى فخره بأن المكان القديم يبدو بأفضل حال.

كما كان هناك رمز سياسي في الافتتاح. ففندق عالمي فاخر في ميدان التحرير يبعث برسالة بأن كل شئ جيد في مصر مرة أخرى بعد الإطاحة برئيسين، ومقتل آلاف المتظاهرين، واحتجاز الكثيرين، والتمرد في سيناء، والحادث في الشهر الماضي الذي أدى إلى مقتل عشرة سياح مكسيكيين ومصريين بواسطة قوات الأمن.

في الستينيات، تم تحويل جزء كبير من الميدان إلى موقف للحافلات وعندما أزيلت في التسعينات تحولت إلى أرض خراب. وبعد المظاهرات الضخمة في عام 2013 تحولت إلى مكان لوقوف الدبابات. والآن أصبحت مرة أخرى كمكان مفتوح عام. أما المبنى المحترق لحزب مبارك الوطني الديموقراطي فتم هدمه ويتحول إلى حديقة منحوتات جديدة للمتحف. عندما غادرت فندق نايل ريتز كارلتون يوم الجمعة متجهاً جنوباً إلى الأقصر ولقضاء رحلة نيلية، كانت الشمس لامعة، والفندق صاخب، والميدان بدا كما كان في شكله الأصلي، كان عناك زوار للمتحف المصري أكثر مما اعتدت على رؤيته في السنوات الماضية، وكانت وسائل الإعلام العالمية تلهو بفكرة احتمال وجود غرفة سرية في مقبرة توت عنخ آمون، وكان وزير السياحة الماهر هشام زعزوع على وشك إطلاق حملة ”هي دي مصر – This is Egypt“ بسوق  السفر العالمي بلندن وبدا أنه من المحتمل أن السياحة ،الحيوية بالنسبة للاقتصاد المصري ولحياة الكثير من المصريين، قد تعود للانتعاش مرة أخرى.

والآن.. اليأس

بعد أقل من 24 ساعة على مغادرتي ريتز كارلتون، تحطمت طائرة إيرباص التي كانت تحمل الروسيين من شرم الشيخ إلى مدينة سانت بطرسبرج الروسية. وبينما كان المحققون يفحصون الحطام وبيانات الصندوق الأسود، خرجت وسائل الإعلام لتعلن احتمالية إصقاط الطائرة بواسطة قنبلة على متنها. سيتأنى المحققون المصريون والروسيون حتى يصلوا إلى نتائج، فالعواقب ستكون كارثية للدولة سواء كان اإرهاب أو الإهمال هو السبب.

وحتى بدون الإعلان، علقت الحكومة البريطانية رحلاتها من المملكة إلى شرم الشيخ بينما يتم عمل تثييم للترتيبات الأمنية في المطار المصري.

شرم الشيخ

تراجعت أعداد السائحين في مصر من 15 إلى 10 مليون سنوياً منذ مظاهرات التحرير الأولى، وسيقلل هذا الحادث من تلك الأعداد. حتى في الأقصر وبنحاذاو نهر النيل، حيث لا يوجد تحذيرات من السفر هناك، سيفضل السياح البقاء بعيداً. وبالنسبة لأغلبية السكان في تلك المناطق، كما في شرم الشيخ، لا يوجد وسائل أخرى واضحة للدخل: هناك موسم سياحي آخر يبدو كارثياً، والذي من المفترض أن تكون ذروته في فصل الشتاء.

لكن الخوف الذي قد يبعد الزوار –وخصوصاً من المقابر والمعابد- لا يتواجد بين الأشخاص وأنا منهم المبحرين في النيل. مع كتابتي تلك السطور، نحن نتجه نحو الجنوب، في منتصف الطريق بين الأقصر وأسوان، وبالرغم من أن كل الأشخاص يتلقون الأخبار والرسائل عبر البريد الالكتروني، لا يبدو على أي أحد منهم أنه قلق على سلامته. استيقظ أحد الركاب على موجة من الرسائل الالكترونية والنصية يطمئنون إذا ما كان بحالة جيدة. ”استغرق الأمر مني لحظات لإدراك سبب سؤال الناس. ثم تحولت تلك الأفكار إلى المنظر المحيط، إلى النخيل وأشجار المانجو، إلى المقاهي التي توقفنا فيها لتناول القهوة واستقبال القرويين الدافئ لنا، إلى النيل المتدفق في الأسفل، عبر البلاد والماضي وباب فندق نايل ريتز كارلتون، وأيضاً إلى الآثار المجيدة التي أغرت الكثير منا للقدوم إلى مصر خلال القرنين الماضيين. سيفعلون ذلك كثيراً في المستقبل. لكن السؤال الأبرز على شفاه جميع من تحدثت معهم خلال الأيام القليلة الماضية كان ”متى ستعودون أنتم الأوروبيون؟ نريد أن نعمل. نحتاج إلى قدومكم. نحن ننتظر وننتظر.“

أنطوني ساتن – هو خبير بارز في مصر. ومن بين كتبه ”ظل الفرعون“ و ”شتاء على ضفاف النيل“ و ”إزالة الحجاب:قرنين من المسافرين والتجار والسياح إلى مصر“.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى