سياسةمجتمع

“إيه بي سي”: إسراء ومحمود.. أيام الاختفاء القسري في مصر

رسالة إسراء من محبسها: السجن مخيف ومذل.. وسمعت صرخات الرجال من التعذيب

إيه بي سي – صوفي مكنيل – ترجمة: محمد الصباغ

لو اختفت ابنتك أو أخيك، ستقوم بإبلاغ الشرطة. لكن ماذا لو كانت الشرطة هي من فعل ذلك؟ تلك حقيقة تعاني منها آلاف العائلات المصرية، حيث تمارس الحكومة حملة قاسية ضد المعارضة وحرية التعبير. احتجزت إسراء ابنة هناء الطويل لأكثر من ثلاثة أشهر دون محاكمة، وتقول منظمات حقوق الإنسان إنها واحدة من بين آلاف السجناء السياسيين الذين احتجزوا ببساطة بسبب التظاهر أو التعاون مع حركات محددة.

تقول هناء الطويل: ”لا أستطيع تخيل  إسراء في السجن“، وأضافت عندما أقول كلمات (إسراء في السجن) مازلت لا أستوعب ذلك“.

شاركت إسراء، 23 عاماً، في مظاهرات الذكرى السنوية للثورة المصرية. وأصيبت حينذاك بطلق نارى في ظهرها من قوات الأمن، وقضت ستة أشهر لتتعلم المشي مرة أخرى. تعيش إسراء حالياً بعجز دائم، وتعتمد على عكازين للتحرك. لكن لم يمنع ذلك السلطات المصرية من ملاحقتها.

تستمر هناء الطويل في حديثها: ”غادرت إسراء المنزل في الأول من يونيو. خرجت مع أصدقائها، كان كل شئ طبيعيا حتى فقدنا الاتصال بها. لم تعد إسراء إلى المنزل، وهواتفها أغلقت“.

كانت طالبة كلية الآداب والراغبة في أن تكون مصورة، تتناول الغداء مع صديقين بمطعم شهير على كورنيس النيل. وفجأة، أحيط الثلاثة برجال شرطة بملابس مدنية. اصطحبوهم بعيداً في سيارة بيضاء ولمدة 15 يوماً لم تعرف عائلتها شيئاً عنها. وتضيف والدتها: ”خلال 15 يوماً، لم تدر برأسي أي أفكار إيجابية. لم يكن هناك شىء ليؤكد لنا إن كانت حية أو أصيبت بمكروه“.

وأخيراً، بعد أسبوعين تلقت شقيقتها “دعاء” بعض المعلومات. وتروي دعاء: ”اتصلت بي فتاة وقالت لي (كنت في زيارة لأحد أقاربي في سجن النساء بالقناطر ورأيت إسراء تقاد إلى السجن). ووصفت الفتاة لي ملابس إسراء وهي بالفعل نفس الملابس التي كانت ترتديها قبل ذلك بـ 16 يوماً“.

ذهبت دعاء ووالدتها فورا إلى السجن للتأكد من وجود إسراء. انتظرا لساعات بالخارج، ولم يتم إخبارهما بشئ حتى رأوها، باكية، وتخرج من عربة السجن. وتقول دعاء: ”عندما رأيتها بدأت في منادتها باسمها، أردت منها أن تنظر نحوي. استمرت في البكاء وتظاهرت بأنها لم تراني. كانت تنظر إلى الأرض. استمرت في تجاهلي“، وأضافت: ”عرفنا مؤخراً أنهم هددوها بالقبض علينا أيضاً. لذا خافت وتظاهرت بأنها لم تراني“.

اتهمت إسراء بـ”نشر أخبار كاذبة“ والتعاون مع منظمة غير قانونية، مازالت إسراء في السجن لكن لم تدن إلى الآن بأي شئ. وتضيف دعاء: ”طالب محامي إسراء بإظهار أي صور (سكرين شوت) لإثبات ذلك، لكن المحقق لم يقدم أي دليل. وحاليا يتم احتجازها بسبب اتهامات لم تحدث“.

يمكن لعائلتها أن تزورها مرة أسبوعياً ولمدة ساعة. وتقول دعاء: ”دائما ما تقول لي أنا ووالدتها (من فضلكما اصطحبوني إلى المنزل. لا أريد البقاء هنا). أمر صعب جداً حين تودعها ويجب عليك المغادرة“.

واستطاعت إسراء أن تهرّب رسائل إلى خارج السجن لتصف الظروف بداخله. وكتبت ”السجن مرعب ومروّع“، وأيضاً ”حالياً لا أستطيع السير بمفردي، وأحتاج إلى من يساعدني للذهاب إلى دورة المياه دائماً…. التفتيش الذاتي الذي نمر به باستمرار مهين جداً ومذل… الوقت الوحيد الذي أشعر فيه بأنني حية هو عند زيارة عائلتي“.

وكتبت أيضا أنه قبل نقلها إلى السجن، كانت محتجزة في مقر أمن الدولة سيئ السمعة. وأضافت: ”لم أملك فعل شئ سوى الصلاة والبكاء… أسمع أصوات وصرخات التعذيب، يبكي الرجال بصوت مرتفع“.

كما قدّرت بعض منظمات حقوق الإنسان المحلية أن هناك أكثر من 250 سجينا سياسيا مصريا ماتوا بسبب التعذيب أو الإهمال الطبي خلال العامين الأخيرين.

يقول طارق حسين إن الأفكار تطارده حول ما يعانيه شقيقه الأصغر، وهو بين أيدي الشرطة المصرية. ويضيف: ”أسوأ شعور يمكن أن تتعرض له حينما يتم تعذيب شقيقك الأصغر في السجن ولا تستطيع فعل شىء لمساعدته“.

محمود حسين، معتقل منذ أكثر من 500 يوماً

في عام 2013، ألقي القبض على أخيه محمود،18 عاماً آنذاك، أثناء عودته للمنزل من مظاهرة. قضي إلى الآن أكثر من 500 يوم دون اتهام. ويكمل طارق: ”تم تعذيب محمود في كل مكان احتجز فيه. كان يعذّب لساعات متواصلة. وفي أحد الأيام كان معهم في النيابة العامة، حيث رأى والديه، وتوسل إليهما ألا يتخلوا عنه“.

وأكد طارق أن شقيقه قال لوالديه: ”خذوني معكم إلى المنزل. لا أستطيع تحمّل التعذيب مرة أخرى. لا أستطيع البقاء هنا“، وقال طارق: ”الموقف الآن في مصر سيىء جداً فيما يتعلق بالحرية وحقوق الإنسان“.

طارق حسين، شقيق المعتقل محمود

فيما قال الباحث المتخصص بشؤون مصر في منظمة العفو الدولية، نيكولاس بيارتشارد، إن إسراء الطويل ومحمود حسين ليسا إلا جزء من كثيرين. وأكد: ”تقديراتنا تقول إن هناك آلاف السجناء السياسيين في مصر –لا أحد يعرف العدد“، وأضاف: ”الناس في السجون فقط بسبب آرائهم، وبسبب التظاهر. الرئيس عبدالفتاح السيسي بالفعل يضيّق على أي شكل من أشكال المعارضة. نطالب بالإفراج الفوري عن هؤلاء السجناء“.

وقال أيضاً: ”نطالب الحكومات الغربية بأت تقف في وجه السيسي وتطالبه بذلك“.

لا يوجد من تعود إليه عائلات السجناء، وكل ما يملكونه هو الحديث، وحتى ذلك يكون مخاطرة كبيرة.

تقول والدتها: ”ليست إسراء فقط، هناك الكثيرات مثلها، فتيات مصريات، في السجن وأبرياء لم يفعلن شيئاً خاطئاً. ماذا لو سارت فتاة في مظاهرة، هل تسجن لخمس سنوات؟“، وأضافت أنه من الصعب جداً مرور الأيام والأشهر والسنوات على الآباء وبناتهن بريئات في السجون.

مازال شقيق محمود يتمسك بالأمل الثوري للربيع العربي الذي بدأ منذ 4 سنوات. وقال: ”بالنسبة لمحمود والآخرين الذين سجنوا بسبب التعبير عن آرائهم في مصر… ورغم الأوقات الصعبة في السجن وطول مدة الاحتجاز، فإن النظام الوحشي الذي يقبض على شباب أبرياء لن يستمر للأبد“، وأضاف: ”لم نقم بثورة لينتهي بنا الأمر في السجن. في النهاية ستصبح تلك السجون خاوية“.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى