اقتصادسياسة

نيويورك تايمز: الشرق الأوسط والاقتصاد المعزول

يصدر الشرق الأوسط كله 4 % من واردات العالم وتصدر ألمانيا وحدها 6.4 % ، وهذه هي المشكلة وراء معظم أزمات الشرق الأوسط، كما يرى مدير معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى

economi

مايكل سينج – نيويورك تايمز

إعداد وترجمة – محمود مصطفى

فاجأ الرئيس أوباما الكثيرين مؤخراً عندما شخص الأزمة التي تجتاح العراق، على أنها بشكل جزئي أزمة اقتصادية،  مشيراً إلى أن السنة في العراق تم إبعادهم عن الاقتصاد العالمي، ولذلك أصابهم الإحباط  واليأس من تحقيق تطلعاتهم.

وبينما تتعدد  مصادر الفوضى في العراق، إلا أن الرئيس وضع يده على مالا يتعلق فقط بسنّة العراق ، بل بالشرق الاوسط كله الذي أبعد عن الاقتصاد العالمي.

منطقة الشرق الأوسط تقدم  فقط  حوالي 4% من الواردات العالمية وهو أقل مما كان عليه الامر عام 1983،  في حين أن ألمانيا بمفردها مسئولة عن 6.4%. ويتضح الركود بشكل صريح عند المقارنة بالاقتصادات الآسيوية، فوفقاً للبنك الدولي كان إجمالي الناتج المحلي للفرد في مصر عام 1965 يبلغ 406 دولار أمريكي في حين كان الرقم في الصين في الوقت نفسه فقط 110 دولارات.

اليوم  تضاعف الناتج المصري أربعة أضعاف ليصل إلى 1566 دولار في حين تضاعف الناتج الصيني ثلاثين ضعفاً ليصل إلى 3583 دولار، وبالمثل فإن إيران وكوريا الجنوبية كانا متساويين تقريباً في الناتج عام 1965 والآن إجمالي الناتج المحلي للفرد في كوريا 24 ألف دولار بينما في إيران 3 آلاف فقط.

لم يتم ابعاد اقتصادات الشرق الأوسط عن العالم فقط بل وعن بعضها البعض كذلك. معظم صادرات أمريكا الشمالية وأوروبا وآسيا تظل في مناطقها ، وثلثا الصادرات إلى أوروبا قادمة من أوروبا ، وفي الشرق الأوسط 16% فقط من الصادرات إلى المنطقة آتية من بلدان الشرق الأوسط.

وفيما يركز المراقبون الغربيون على القضايا السياسية في الشرق الأوسط، ينشغل الناس أنفسهم في المنطقة بالأمور الاقتصادية. وفقاً لاستطلاع رأي أجري مؤخراً يرغب سكان غزة بشدة في التهدئة مع اسرائيل وفي فرصة العمل هناك، وفي استطلاع آخر وضع الإيرانيون “زيادة فرص العمل” على رأس أولوياتهم السياسية وفي مرتبة أعلى بكثير من “الاستمرار في برنامج التخصيب النووي.”

ولكن بينما يأمل الغزاويون في إنهاء حصارهم والإيرانيون في رفع العقوبات، كلا الخطوتين لن يقدم حلاً جذرياً فالتوعكات الإقتصادية مرض مزمن في المنطقة حتى في الأماكن التي لا تعاني حصاراً أو عقوبات.

وهذا الأمر يجب أن يهم صانعو السياسات الغربيون، فالفارق بين المشاكل الاقتصادية والسياسية فارق وهمي،  والتطور الاقتصادي هو الطريق لتخفيف التوترات المزمنة التي تهدد المصالح الأمركية في المنطقة.

تحتل القطاعات العامة المتضخمة موقع القلب من المتاعب الاقتصادية والإجتماعية في الدول المستوردة للبترول في المنطقة. وفي أماكن كمصر حيث يوظف القطاع العام حوالي 30% من العمالة، زادت حكومات ما بعد الثورة، خلال بحثها عن حلول اقتصادية عاجلة، من قوة العمل الحكومية ومن رواتبها.

وشجع الدعم الحكومي السخي وخاصة للوقود على الاستهلاك المفرط والصناعات الغير فعالة وشديدة الاستهلاك للطاقة. ومع فاتورة رواتب القطاع العام الضخمة أجهدت سياسات الدعم هذه اقتصاديات الحكومة، وهو ما نتج عنه عجز، ورفع من قيمة الإئتمان.

هذه السياسات مجتمعة مع عوائق الاستثمار تمنع وجود أنشطة القطاع الخاص التي تعزز النمو وتقدم فرص عمل.

وهذه المشكلات ليست منحصرة في الدول المستوردة للبترول، حيث حذر صندوق النقد الدولي من أن سنوات الفائض الهائل لدى الدول المصدرة للبترول تقترب من الانتهاء كنتيجة للإنفاق الضخم وللزيادة السكانية.

تحتاج الدول المستوردة للبترول إلى استبدال برامج الدعم المكلفة بمساعدات تستهدف الفقراء وانشاء شبكات أمن اجتماعي، وتحتاج أيضاً إلى تخفيف الاعتماد على المعونات الخارجية وتقليص الفساد وإجراء تغييرات في اللوائح والقوانين لتشجيع نمو القطاع الخاص. وتحتاج الدول المصدرة إلى ترشيد الإنفاق وتنويع الاقتصاد، ويحتاج كلاهما إلى تقليص القطاع العام وتحديث الأنظمة التعليمية.

وعلى الولايات المتحدة وحلفائها أن يحفزوا الحكومات الإقليمية على “الأخذ بالنصائح” فيما يتعلق بتخطي هذه التحديات وليس فقط الاستماع للنصيحة. وهذه يعني التعاون مع حلفاء إقليميين يسعون للتنوع والتحديث في اقتصاداتهم ولتنسيق المعونات الإقتصادية وربطها بتطورات في الإصلاح ويتضمن ذلك خطوات سياسية ضرورية لإنجاح الإصلاحات.

يجب على الولابات المتحدة أيضا أن تشجع حلفائها النفطيين الأثرياء للاستثمار في رخاء جيرانهم الأشد فقرا، وأن توفر لأولئك وصولا أفضل إلى أسواق الغرب. عادة ما تنتقد أي مطالبة للأمريكيين بـ فعل المزيد في الخارج بوصفها نداءا مبطنا لاستخدام لاقوة العسركية، لكن دمج الدبلوماسية مع فن إداة الاقتصاد من شأنه أن يوسع الدور الأمريكي خارج المجال الأمني  بطريقة تعزز اللاستقرار والأمن على المدى البعيد.

من السذاجة التفكير في أن النمو الاقتصادي سيحل كل معضلات الشرق الأوسط الشائكة، لكنه سيكون مماثلاً في السذاجة الإعتقاد بإمكانية الحل من دونه.

*مايكل سينج: هو مدير معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى