مجتمع

إلى اسطنبول مع حبي: نساء روسيّات وأزواج أتراك

إلى اسطنبول مع حبي: الروسيات للأتراك

ذا دايلي بيست – آنا نيمتسوفا – ترجمة: محمد الصباغ

رجل لا يشرب الخمر، ولطيف ، ومحب وودود ويهتم بزوجته، ويعمل بكد، ومخلص لعائلته: تلك الصفات هي التي تضعها معظم النساء الروسيات في الزوج الذي  يحلمن به.

وبالنسبة لأليسا إيليان الجميلة الشقراء والمغنية المنفردة بمسرح نيمروفيتش-دانتشينكو بموسكو، كان من المهم جداً أن يشاركها زوجها الشغف بالثقافة، وحبها للاستكشاف. لم يقدّر زوجها الأول الفن بقدر كافي، على حسب ما تعتقد. كان فيزيائي، وغير مستعد للخروج من منطقة الآمنة بالحياة. وبعد 12 عاماً من الزواج، تلاشت مشاعرهم، وانفصلا.

وفي شتاء عام 2004، كان عمر أليسا 32 عاماً، مطلقة ومحطمة نفسياً لدرجة أن صوتها اختفى، وكانت أمام كارثة شخصية ومهنية أيضاً، حيث تعمل كمغنية أوبرا. وقالت: ”كنت على استعداد للذهاب بعيداً، لبدء حياة جديدة، ولذلك كنت بحاجة إلى رجل.“

ابتسم لها القدر بعد توقعها ألا يفعل. قابلت مع زوجها التركي جاني أكسيلي في إجازتها باسطنبول. ويقول الزوج: ”بمجرد نزولها من الطائرة كنت موجوداً، مرشد سياحي محترف ورئيس شركة GIS للسياحة.“

 

اليسا وزوجها

تزوجا قبل نهاية الرحلة السياحية. ويضيف الزوج: ”كانت ككل شئ حلمت به، او 99% من ذلك: جمال روسي، وفنانة موهوبة، وامرأة ذكية اعتني بها منذ عقد.“

قبل الصراع الحالي مع روسيا، استقبلت تركيا أكثر من 4 مليون سائح روسي سنوياً. لكن لم يعد جميعهم إلى روسيا. بقيت نساء كثيرات.

ويتحدث عن الأمر فوجار إيمانبيلي، الأستاذ بمؤسسة سيتا (SETA) للدراسات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، قائلاً: ”نحن أمام ظاهرة فريدة. هناك حوالي 300 ألف زيجة تجمع بين روسيين وأتراك. معظم المهاجرين الروس إلى تركيا من النساء. وفقاً للتقاليد، غالباً يكرس الازواج الاتراك حياتهم للأسرة، وتحب المرأة الروسية أن يتخذ الرجال مسؤولية اتخاذ القرارات.“

عادة تكون المرأة الروسية هي المسؤولة عن زوجها في بلادها، حيث الأزواج معروفون بانعدام المسؤولية، لكن الكثير من النساء قد تحب ان تعطي المسؤولية لرجل. وهناك تعبير روسي يصف الرجل الذي يعيش في ظل زوجته أو تتحمل هي المسؤوليات وهو ” podkabluchnik“. لكن ليس هكذا تريد المرأة للامور أن تسير. والكثير من الزوجات الروسيات في إسطنبول تذهبن إلى النقيض التام. فكتبت إحداهن على حسابها الشخصي على أحد مواقع التواصل الاجتماعي: ”أنا فتاة. لا أريد أن أقرر شيئاً. أريد فستاناً.“

منذ عدة سنوات، كانت فالنتينا آجيس، في عطلة بمنتجع سياحي بمدينة أنطاليا التركية على البحر المتوسط، ودخلت إلى أحد المحلات حيث قابلت هناك زوجها المستقبلي، رجل أعمال من إسطنبول. وتقول الفتاة التي عاشت من قبل في موسكو، بحس فكاهي: ”أخذت أمي والدي وجلسا بعيداً. أنا سعيدة جداً لأن أونور هو صانع القرارات في حياتي.“

تبدو فالنتينا في صورة الفتاة القنوعة والأنيقة، ويبرز أسفل قدميها الطولتين حذاء بكعب عالي، وتختفي عيناها خلف نظارة وشعرها مغطى بوشاح ألوانه مبهجة. تقول إنها تعشق زوجها وتركيا. وتدور حياتها حول ابنتها الصغيرة ودراستها ومشاريعها الخاصة المتعلقة بالتصوير، بالإضافة إلى حفلاتها مع أصدقائها.

تغضبها الأزمة الدائرة مع روسيا حالياً. هي غاضبة من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بسبب خظره للسياحة الروسية في تركيا، لكنها تعتقد أن ذلك لن يؤثر على زواجها.

تقول فالنتينا: ”لا يعنينا ما يحدث في السياسة، قصتنا الشخصية ستبقى سعيدة. أونور سلوكه أوروبي بما فيه الكفاية ليحترم عملي كمصورة. لدينا تجمعاتنا العائلية الأسبوعية، وبجانب ذلك أنا حرة ومستقلة.“

بالطبع لا تستمتع كل العائلات الروسية بالانسجام. وتقول يلينا سميرنوفا، المحامية في إسطنبول إن معظم المشكلات تبدأ مع إصرار والدي الزوج على أن تتمسك الزوجة الروسية بالتقاليد الإسلامية.

افتتحت يلينا منذ عامين مكتباً للمحاماة في إسطنبول في محاولة للمساعدة في حل المشاكل العائلية الروسية التركية، ومنذ ذلك الحين شهدت المحامية حدوث أكثر من 20 حالة طلاق وكانت مطلعة على سير الأمور.

تقول: ”في بعض الأحيان يتحمل المحليين مسؤوليات أكثر من اللازم، وسيطرة أكثر من اللازم، أكثر من الزوجات الروسيات.“ وتضيف: ”عادة ما يطلب الأزواج من زوجاتهن الروسيات ارتداء الحجاب، واعتناق الإسلام فقط من أجل تحسين العلاقة مع أبائهم، وعندما ترفض الزوجة، ينتهي الامر عادة بالطلاق.“ لكن لا شئ يوقف زواج الروسيات من الرجال الأتراك أو الأكراد ويتحولن بعدها إلى مواطنات تركيات. أنصح معظم عملائي ممن أنجبوا أطفالاً في التفكير مرتين قبل التفكير في الطلاق، وليفكروا في الأطفال قبل انهاء تلك الزيجات، ففي الغالب يحتفظ الأزواج بالأطفال فيما لا يتبقى شيئاً للزوجة.“

تقريباً في كل ضاحية باسطنبول هناك الكثير من العائلات المختلطة يحتفلن سوياً بالعام الجديد. وتقول يوليا ميت: ”لدينا حفل كبير بالعام الجديد يضم حوالي 60 عائلة مع برامج للأطفال والبالغين.“

وعن الاختلاف الثقافي تقول المعلمة: ”بأمانة، أحبهم. عندما أذهب لمقابلة والدي زوجي، يجعلوني أشعر بالراحة، ويسمحوا لي بالبقاء، والنوم بقدر ما أريد. ويعتنون بأبنائنا الإثنين.“ وكنتيجة للعلاقات المتوترة حالياً، فقدت يوليا تعاقدها مع برنامج تدريس للأطفال كان من المفترض أن يبدأ العام المقبل. تم إلغائه تماماً.

تقوم يوليا بتدريس اللغة الروسية ل50 طالباً من عائلات تركية روسية، كما تقوم بعقد دورات لعلم النفس لآباء الطلاب. وتقول:”الكثير من الأمهات الروسيات في تركيا قلقات، تخشين نشوب حرب بين تركيا وروسيا، لذلك كي نبقي على السعادة يجب ألا نشاهد التلفزيون.“

وفي إحدى المجتمعات المغلقة الجديدة، كان اليسا وجوني يقضين ليلتهم كالمعتاد: كانت تغني ويستمع إليها. ويقول الزوج: ”كانت تقوم بالتمرين قبل أداء عرض –روزيا ألمافيفا- من –زواج فيجارو- أمامنا. سألني أحد الجيران إذا ما كان قد مات أحدهم، لقد اعتبروا أن آداء اليسا كان نحيباً أو عويلاً.“

يمتلك الزوجان طفلين، ولداً وفتاة، ينشأن وهما يتعلمان لغتين. والشئ الوحيد الذي يلقي بظلاله القاتمة على مستقبل الأسرة هو الازمة السياسية بين روسيا وتركيا، والتي تعني أن شركة السياحة التي يديرونها وتعتمد على السياح الروسيين، في ازمة أيضاً.

لكن الزوج يمتلك الأمل، ويقول: ”الروسيون الذين يهتمون فعلياً بالثقافة التركية والتاريخ، سيستمرون في الحضور، ولو أردات أي فتاة روسية أن تجد زوج تركي، فقط يمكنها القدوم في إجازة، لكن تستمر لأسبوعين على الأقل!.“

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى