سياسة

أهداف سويف للجارديان: السيسي يريد الحماية من كل شيء

أهداف سويف في مقالها بالجارديان البريطانية : تريد دولة السيسي الحماية من الإرهاب ومن المؤامرات وكذلك من محاولات تشويه صورتها ومن النكات ومن الاستخفاف والألفاظ النابية ومن الطلبة والفنانين والنقابات والجرافيتي ومشجعي الكرة والصحفيين والمصورين

31_05_14_01_52_swef

أهداف سويف – الجارديان

ترجمة – محمود مصطفى

التاسعة والنصف مساءاً في القاهرة وأصوات الانفجارات االمتقطعة تأتي عبر نافذة غرفة المعيشة، معظم الناس يمكنهم تمييز أصوات الانفجارات لكني لا أستطيع ذلك بعد. قد تكون طلقات نارية أو قنابل غاز مسيل للدموع أو ألعاب نارية، والألعاب النارية قد تكون للاحتفال بزفاف أو للقتال مع الشرطة أو إشعال ألعاب نارية من أجل المرح.

لذا أستمر فيما أفعله: كتابة رسالة لشقيقة سجين شاب قد تستطيع إعطاءها له عنندما تزوره غداً، هي حقاً رسالة تشجيع فقط لتذكيره بأنه ليس منسيا  وأن الكثيرين منا في الخارج جعلوا مهمتهم اخراجه وآخرين مثله من السجن.

منذ 30 يونيو 2013، أعتقل حوالي 40 ألف شخص منهم 16 ألفاً لا زالوا في السجن. أغلبية هؤلاء ينتمون لجماعة الاخوان المسلمين المحظورة الآن،  ارتكب بعضهم عنفاً ولكن معظمهم لم يفعل، والبقية، ربما ثمانية أو تسعة آلاف، موزعين بين نشطاء ثوريين وبين مارة وقعوا في مصايد الشرطة واستُخدموا لاستيفاء الأرقام المطلوبة.

تجند الدولة كل مواردها لترسيخ السيطرة في البلاد، وحتى المؤسسات التي كانت لها انتفاضاتها خلال عصر مبارك، على سبيل المثال القضاء والجامعات والإعلام، تزاحمت على العودة إلى الحظيرة وليس الأمر أنها تهادن السلطة ولكن أكثر من ذلك أنها جعلت مصالحها الخاصة مع “الاستقرار” ضد “التغيير الثوري”.

أحد التجليات الصادمة لتلاقي المصالح هذا هو كيف يتعاون القضاء والنيابة بسلاسة مع وزارة الداخلية. تجر الشرطة الناس إلى الحبس وتتهمهم النيابة بقائمة أصبحت معروفة الآن من الأنشطة “التخريبية” ويأمر القضاة بحبسهم احتياطياً ويأجلون محاكمتهم لأشهر ثم يصدرون أحكاماً جلية الظلم.

معظم السجناء السياسيين من صغار السن، وعلى سبيل المثال يقدر عدد القصّر في السجون بحوالي الألف في تسعة محافظات وحوالي ألفي طالب. كل حالة لها خصوصيتها وعبثها ووجعها الخاص. هذه الحالات معاً تعني حرباً على الشباب.

في بلد 50% من تعداد سكانه تحت سن الخامسة والعشرين يخاف حرس الدولة من الشباب،  وقد قضوا الصيف الماضي يسترجعون المكاسب السياسية التي حققتها الجامعات منذ 2011 وعندما عاد الأولاد إلى بوابات الجامعات في أول أيام العام الدراسي وجدوا شركات أمن خاص تنتظرهم لتفتيشهم والتعليق على ملابسهم ومصادرة  أدوات تجميل النساء الشابات، في فجر ذات اليوم اعتقلت الشرطة 57 طالباً.

كل هذا تم باسم الحرب على الإرهاب، وصحيح أن الإرهاب موجود في مصر. يوم الأربعاء انفجرت عبوة ناسفة بالقرب من  دار القضاء  العالي  في وسط المدينة في القاهرة وتسبب الانفجار في إصابة 12 شخصاً. ويوم الخميس انفجرت عبوتان في طنطا في قلب احتفال سنوي ما تسبب في إصابة أحد عشر شخصاً وفي وقت متأخر من ذلك اليوم انفجرت عبوتان ناسفتان في العريش ما تسبب في مقتل ثلاثة جنود وإصابة تسعة آخرين.

وتذكر وحدة “مؤشر الديمقراطية، مقرها القاهرة، أنه خلال شهر سبتمبر تم تنفيذ 32 تفجيرا باستخدام عبوات ناسفة. نحن، الشعب، أدخلنا هذه التفجيرات إلى حلقة “التعود” مع إنقطاعات الكهرباء وأخبار اختطاف الأطفال واحتجازهم رهائن والمعارك التي تندلع بالأسلحة النارية بين قرى بأكملها وارتفاع الأسعار وارتفاع أعددا حالات الانتحار وحوادث الطرق وغيرها.

تتجاهل الحكومة كل علامات المحنة والانهيار وتركز على حربها الفاشلة إلى حد كبير على الإرهاب لتقمع الحريات وتجرّم المطالبات، والشعار هو “أنظر حولك وكن شاكراً لأن مصر ليست سوريا أو العراق أو ليبيا.”

حكومة الاخوان المسلمين في عهد الرئيس محمد مرسي ارتكبت خطأ محورياً وهو أنها حاولت أن تتعامل كما لو كانت ورثت عباءة المحسوبية والقمع لكن بمنتفعي الاخوان وضحاياهم. لكن الحكومة أقامت التحالفات الخطأ وأخطأت في تقدير قوة الشعب ومزاجه.

الآن، تعرف الحكومة في قرارة نفسها، وهو ما يحدث الآن، أنها عادت إلى وضع الاستبداد. عبد الفتاح السيسي رئيس منتخب وحتى الآن يحظى بشعبية ويبدو أن الصفقة المعتادة أبرمت بالفعل: سنتخلى عن حرياتنا في مقابل الأمن وتحريك الاقتصاد. شعار الثورة العظيم “عيش حرية عدالة إجتماعية” تم اقتضابه إلى رضا بكسرة خبز في ركن هادئ.

إذاً لماذا هذا الإصرار الغاشم على القضاء على أي طاقة مستقلة؟ لماذا الحرب على الشباب؟ لماذا الحرب على منظمات المجتمع المدني التي كانت الروافد والحصن للثورة؟ أمهلتهم الحكومة إلى العاشر من نوفمبر لقبول رقابة أمنية أو حظرهم.

يريد النظام الفوز بكل شيء، لا يمكنه التبرؤ بشكل صريح من 25 يناير وإلا فسيكون عليه أن يعيد مبارك ورجاله إلى الرئاسة لكنه يكره بشكل انتقامي كل شيء وكل شخص له علاقة بـ25 يناير. لذا وبينما يمزج الخطاب السياسي 25 يناير بـ30 يونيو يضطهد النظام كل رموز 25 يناير ويتراجع عن كل مكتسبات الثورة باسم الاستقرار والأمن والدولة القوية. وفي كل مرة ينقشع الدخان فيها كل ما يمكننا ان نلمحه من الدولة هو دباباتها في الشوارع ومنشآت للجيش تظهر ولافتات إعلانية في الشوارع لشركات أمن خاصة.

شاخ نظام مبارك وترهل وأصبح لا مباليا، في سنواته الأخيرة لم يبد منزعجاً مما يقوله الناس أو يفعلوه طالما ظلت مصالحه التجارية لا تمس. النظام الذي لدينا الآن أكثر حساسية. فهو لا يكتفي  ببدء مشروعات عملاقة مشكوك فيها وتمرير قوانين غير دستورية لحمايتها، فضلا عن ذلك فإن دولة هذا النظام تريد  “الحماية من الإرهاب” ومن الخطط المدبرة وكذلك من محاولات تشويه صورتها ومن النكات ومن الاستخفاف والألفاظ النابية ومن الطلبة والفنانين والنقابات والجرافيتي ومشجعي الكرة والصحفيين والمصورين.

تريد  الدولة   الحماية من أن تحاسب على الجرائم التي ارتكبتها بحق الشعب.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى